خبير مالي دولي: ذهب "داعش" ما زال بعيد المنال
٢٣ نوفمبر ٢٠١٦في سبتمبر/ أيلول 2015، نشر تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يطلق عليه إعلاميا "داعش" مقطعا مصورا بعنوان" صحوة الخلافة: عودة الدينار الذهبي". وفيه انتقد التنظيم العملات المصرفية لزعمه أنها حلت محل "الذهب والفضة، التي جعلها الله معيارا للتعامل في عمليات شراء البضائع والخدمات". أعلن التنظيم الإرهابي إصدار عملته الخاصة، في ما وصفه محاولة لاقتلاع "نظام المال الاستعبادي" و"التمسك بالمبادئ الدينية للتمويل الإسلامي"، كما يقول التنظيم.
وعلى الرغم من أن التنظيم استولى بسيطرته على الموصل في 2014 على أكثر من 400 مليون دولار (376 مليون يورو) نقدا بالإضافة إلى "كمية كبيرة من سبائك الذهب"، إلا أن أن موارد "الدولة الإسلامية" من المعادن الثمينة باتت تحت التهديد بشكل متزايد، مع توغل القوات العراقية في المدينة.
أجرت DW حوارا مع الخبير ايان اوكسنفاد من جامعة كاليفورنيا، عن التحديات المطروحة بسبب تداول عملة "الدولة الإسلامية" وكيف سيكون الوضع في المستقبل.
DW: لماذا سك تنظيم داعش عملات ذهبية وفضية؟
ايان اوكسنفاد: يخدم ذلك هدفين، أحدهما أنها تسمح لهم باستخدام تلك العملات كنوع من أنواع الدعاية، بمعنى أن سك العملة هو خطوة استفزازية للغاية. أعتقد أن هذا أول تنظيم إرهابي في التاريخ يقوم بسك عملة خاصة به.
وفي هذا السياق، بأنها وسيلة دعاية لأن المال له ثقله السياسي بعيدا عن قيمته الاقتصادية. لديك وجوه رؤساء وملوك على العملات، لذا هناك شعور بالهوية، وهذا هو روح الهوية والأمر لا يختلف هنا مع" الدولة الإسلامية". فهم يحاولون ربط ما يقومون به بالماضي، وفقا للتاريخ النقدي الإسلامي والشريعة التي يسري نظامها على الاقتصاد.
أما عن الأسباب الأخرى لسك العملات، فهي أن الذهب جيد لغسيل الأموال، فهو يحمل عدة قيم. وبالأساس فان أية عملة يجب أن تحقق ثلاثة أغراض، أولا، يجب أن تكون وحدة من الحساب، وثانيا: يجب أن تحتوي على قيمة، وثالثا: أن تكون وسيلة للتبادل. والذهب يقوم بذلك، فهو وسيلة يمكن تحويلها بسهولة، فأنت يمكنك أن تذهب إلى أي مكان في العالم وتحول الذهب إلى أموال نقدية.
يمكنك أن تدفع للمقاتلين الأجانب من أي مكان بالعالم بالذهب، ويمكنهم أن يحولوه مرة أخرى إلى عملات في بلدانهم الأصلية، مما يسمح لهم بدمج الذهب في الاقتصاد العادي.
على سبيل المثال، مقاتلو داعش من فرنسا يمكن أن تدفع لهم ذهبا، ثم يرجعونه لباريس، يذيبون العملات بحيث لا يبدو واضحا أنها تتبع "الدولة الإسلامية"، ثم تحويل هذا الذهب لأموال نقدية، مما يسمح لهم بشراء سيارة أو وضع الأموال في مصرف.
إذاً يبدو هذا سهلاً إلى حد ما بالنسبة لداعش أن يُدخل عملته في النظام المالي؟
يستطيع التنظيم أن يبيع أية أصول لديه، سواء كان ذلك عن طريق نهب الآثار أو البنادق، وهم يستطيعون القيام بذلك للحصول على ذهب أو أموال أكثر. حتى إذا تفكك التنظيم وأصبح شبكة إرهابية تقليدية، يمكنهم دائما دمج هذه الموارد في الاقتصاد.
غسيل الأموال بالأساس يمر بثلاث مراحل، مرحلة ضخ المال أو القيمة في الاقتصاد. ثم مرحلة توزيع هذه الاموال بشكل تمويهي في قطاعات اقتصادية مختلفة؛ وهي التي تحاول فيها إبعاد تلك الأموال أو القيم المكتسبة عن مصدرها غير الشرعي، وبهذا يمكنها التحول من شكل عملة معينة إلى عملة أخرى أو إلى أي قيمة أخرى. إذ يمكنك أن تحولها من خلال شركات وهمية، من خلال مجوهرات أو قطع فنية، أو أن تكون من خلال أموال نقدية. فالنقد في العموم هو الهدف النهائي. وبهذه الطريقة لا يمكن تعقب المال بل يندمج ويعود مرة أخرى للاقتصاد العادي.
ومن خلال نظرة إلى الوراء حول فرضية استخدام الارهابيين الذين تورطوا في اعتداءات باريس، يبدو أنهم يعودون لبلدانهم ثم يقوموا بتحويل الذهب إلى نقد، أو يذيبونه بأنفسهم ويحولونه لقطعة ذهب والتي يمكنهم أن يقولون عنها إنهم ورثوها. وليس هناك أية وسيلة لتتبع ذلك، حيث ستكون جزءا من عملية التوزيع التمويهي، لكن بمجرد حصولهم على الأموال، يمكنهم حينها استثمارها في مشروعات أو تحويلها إلى صك مصرفي فإذا كان هناك كازينو فسيكون غسيل الأموال حينها أسهل بكثير، وحينها يمكنهم شراء منزل من الناحية النظرية. وهذه هي مرحلة دمج العملة في الاقتصاد.
هل من آليات يمكن أن تستخدمها السلطات لمنع هذه العملات من دخول الاقتصاد؟
أعتقد أن الأمر صعب مع الذهب لأن الذهب لا يمكن تعقبه. المصارف على اطلاع متزايد بالتمويل غير المشروع، خاصة في ظل ما يحدث في أوروبا. الأمر بدأ هنا في الولايات المتحدة ثم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2011، والتضييق هناك، انتقلت الكثير من الأموال غير المشروعة إلى أوروبا. إن أي آليات فعالة بحاجة إلى زيادة في التدقيق التنظيمي، وأيضا المزيد من التعاون الإستخباراتي والتعاون بين أجهزة إنفاذ القانون على الأرض. لكن أمر هذا نظام يطول. اذ لا يتعلق فقط بالقبض على المقاتلين واستعادة الأراضي التي يسيطرون عليها، وإنما أيضا يتعلق بانتزاع محافظهم الميداينة(في الأراضي التي يوجدون عليها)، وجعل نقلهم للأموال أو تخزينها أكثر صعوبة. وفي هذا السياق، فان القطاع المالي يشكل نوعا من الملفات الإستراتجية التي لها مجالها الخاص بها، ولست متأكدا من أن الأمر يتم التفكير فيه على الصعيد النظري لحد الآن.
إيان أوكسنفاد باحث في العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا ومؤلف مشارك لكتاب "سياسات الشرق الأوسط للألفية الجديدة: منهج بنائي":
أجرى الحوار: لويس ساندرز
ترجمة: سارة عرفة