خبير أوروبي: بروكسيل أمام مفترق طرق بسبب تداعيات قضية الهجرة على شينغين
١٢ مايو ٢٠١١يناقش وزراء داخلية الإتحاد الأوروبي في بروكسيل اليوم (12 مايو /أيار) اقتراحا تقدم به خوسي مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية يقضي باتخاذ تدابير مراقبة مؤقتة على حدود الدول الأوروبية التي تتخوف من تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين إلى أرضيها، وجاء الاقتراح على خلفية الخلاف الذي وقع بين فرنسا وإيطاليا حول منح هذه الأخيرة آلاف من اللاجئين التونسيين بطاقات إقامة مؤقتة تسمح لهم بالتنقل داخل فضاء شنغن.
ويخشى عديد المراقبين في أوروبا من المبالغة في "تقدير حجم الهجرة غير الشرعية على أوروبا وتوظيفها من قبل جماعات شعبوية قومية داخل الدول الأوروبية" كما يقول هنريكي سيربيتو مدير مكتب صحيفة "آ بي ثي" الإسبانية في بروكسيل والمتخصص في شؤون الهجرة والعلاقات الأوروبية المتوسطية. وقال الخبير الإسباني، في حوار مع دويتشه فيله، انه"سيكون سوء تقدير من قبل صناع القرار الأوروبي لتطورات الأوضاع في شمال افريقيا إن هم اتجهوا للمبالغة في حجم تدفق اللاجئين الفارين من الاضطرابات في دول شمال افريقيا"، معتبرا أن "السبيل الأنجع لمعالجة هذه المعظلة هو دعم الديمقراطيات الناشئة في الدول التي تحققت فيها الثورة ودعم القوى الديمقراطية في الدول التي تشهد مخاضات واضطرابات مثل سوريا والجزائر والمغرب".
انتقادات أوروبية للدنمارك
ويبدي مسؤولون في كبريات العواصم الأوروبية مثل برلين وباريس وروما ومدريد، حرصهم على الطابع "المؤقت والمحدود" لإجراءات تشديد المراقبة على الحدود الداخلية بين الدول الأعضاء في معاهدة شنغن. وأثار إعلان الدنمارك خططا أحادية الجانب بفرض رقابة على حدودها قلق العواصم الأوروبية الأخرى، وقد طالب وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله اليوم الدنمارك بتوضيح خططها بشأن إعادة فرض مراقبة على الحدود، وأعرب في اتصال هاتفي مع نظيرته الدنماركية لين إسبريسن عن قلقه من إمكانية أن تتسبب كوبنهاغن في الإضرار بحرية التنقل في أوروبا بهذه الخطط. كما أثارت خطوة الدنمارك انتقادات البرلمان الأوروبي الذي اعتبرها "خطوة أحادية الجانب".
ويعتقد الخبير الأوروبي هنريكي سيربيتو، أن الموقف الذي أقدمت عليه الدنمارك لاعتبارات محلية "تحت ضغط "حزب الشعب الدنماركي" اليميني الشعبوي الذي أراد تحويل النقاش الداخلي إلى قضية خارجية، وهي محاولة من القوى السياسية الشعبوية على غرار ما يحدث في بلدان أوروبية أخرى، من فرض حالة عزلة بين الدول الأوروبية. وأضاف بأن هنالك محاولات لتضخيم أعداد اللاجئين من تونس وليبيا إلى السواحل الإيطالية، مشيرا بأن ما شهدته سواحل جزر الخالدات قبل خمس سنوات كان أكبر بكثير.
مخاطر سوء تقدير حجم المشكلة
لكن رفض الخطوة التي أقدمت عليها الدنمارك لا يقلل، برأي الخبراء من حجم المشكلة القائمة حاليا بشأن إمكانية تدفق آلاف المهاجرين غير الشرعيين على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، خصوصا منها الايطالية، ومن هنا تكمن أهمية الاقتراح الذي قدمه رئيس المفوضية الأوروبية بالنسبة للحفاظ على انسجام الرؤية الأوروبية إزاء هذه المشكلة. وقد أبدت باريس وروما ترحيبا مبدئيا بالإقتراح، والذي يقضي بالاتفاق داخل الإتحاد الأوروبي على صيغة مراقبة أوروبية للمناطق الحدودية ( الداخلية في الاتحاد) من قبل قوات أوروبية. وهي خطوة يعتقد هنريكي سيربيتو أنه في حال نجاحها ستحقق نتائج "إيجابية" للإتحاد الأوروبي.
ويعلل الخبير الأوروبي رأيه بأن نشر قوات أوروبية بقرار من المفوضية الأوروبية على حدود أي دولة عضو تشعر بأن حدودها "غير آمنة" من مد الهجرة غير الشرعية، يعني أنه يتم نقل صلاحيات المراقبة الأمنية للحدود الداخلية للمفوضية الأوروبية، وهو "أمر إيجابي يقوي من دور مؤسسات الإتحاد الأوروبي من منظور الوحدة الأوروبية".
ويعتقد الخبير الإسباني ان صناع القرار والرأي العام في أوروبا "سيكونون مخطئين لو اعتقدوا أن الأحداث التي تشهدها بلدان شمال إفريقيا ستؤدي إلى موجة هجرة غير شرعية بأعداد كبيرة" ولاحظ بأن حدوث نزوح في ظروف معينة هو في نهاية المطاف أمر "مؤقت"، معللا رأيه بأن استقرار بلدان شمال إفريقيا وترسيخ الديمقراطية فيها سيؤدي إلى فتح آفاق وفرص للشباب هناك ولن يكون هنالك داعيا إلى هجرة بأعداد كبيرة، بل إنها ستجتذب عددا من رعايا الدول الأوروبية للعيش فيها نظرا أيضا لعوامل المناخ المشجعة.
الإتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق
وحول ما إذا كانت المؤسسات الأوروبية، وخصوصا المفوضية والبرلمان الأوروبي، ستتمكن من تجاوز الخلافات الأوروبية وإيجاد مخرج لها، قال هنريكي سيربيتو ان رئيس المفوضية حاول، قبل يومين خلال لقائه بالبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، إيجاد أرضية تفاهم في هذه المسألة، عبر تعهده بأن تسود الرؤية الأوروبية الوحدوية وعدم ترك المجال للقوى الشعبوية.
لكن ما حدث الآن بإعلان الدنمارك خططها بفرض رقابة محلية على حدودها، يضع مانويل باروزو ، كما يقول هنريكي سربيتو، أمام تحدي "يفرض عليه اتخاذ قرار صارم وعدم الاكتفاء بتوزيع الابتسامات على الجميع" موضحا أن الإتحاد الأوروبي يوجد الآن أمام مفترق طرق "فإما أن يتم الحفاظ على منظومة شنغن بشكلها الحالي أي أن يظل الإتحاد الأوروبي بدون مراقبة للحدود الداخلية، أو أن يتم إعادة الحدود المحلية ومن ثم نكون قد قطعنا خطوة إلى الوراء بالنسبة لبناء الوحدة الأوروبية لعقود عديدة".
ويعتقد الخبير الإسباني بأن تحليل الأمور من الناحية الواقعية يجعل المرء يميل لإستبعاد فرضية التراجع في مسلسل بناء الوحدة الأوروبية عبر إعادة الحدود الداخلية لدول الإتحاد، ويعلل سيربيتو رأيه بأن حجم المصالح الاقتصادية والتجارية التي تراكمت بفضل الوحدة الأوروبية لها وزن أثقل مقابل النزعات اليمينية الشعبوية التي تريد العزلة والتراجع عن البناء الأوروبي، مشيرا في هذا الصدد إلى حجم العمالة الضخمة التي تعبر يوميا الحدود فيما بين الدول الأوروبية، وكمثال على ذلك آلاف العمال الذين يعبرون يوميا بين السويد والدنمارك، الأمر الذي يجعل من الصعب على هذه الأخيرة العودة من جديد إلى مراقبة حدودها.
خلافات أوروبية حول استقبال اللاجئين
وحتى في حال إيجاد تسوية لمشكلة مراقبة الحدود بين الدول الأوروبية، فإن استقبال لاجئين من بلدان شمال إفريقيا، يثير بدوره تباينا في الآراء بين الدول الأوروبية، فبينما تتذمر إيطاليا مما تصفه تخلي شركائها الأوروبيين عنها وتركها بمفردها في مواجهة "موجات الهجرة غير الشرعية"، ترفض عدد من الدول الأوروبية استقبال لاجئين جدد وخصوصا إذا كانوا بأعداد كبيرة:
وقد عرض وزير الداخلية الألماني هانس بيتر فريدريش، فكرة توزيع المهاجرين غير الشرعيين القادمين من شمال إفريقيا، بين دول الإتحاد الأوروبي، معتبرا أن القرار في هذا الشأن يعود لكل دولة على حدة، وتحدد العدد الذي تريد استقباله من الدول الأعضاء الأخرى، شريطة أن تكون تلك الدول ملتزمة بتطبيق قوانين الإتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين وأن يكون العدد فيها يزيد عن طاقتها الاستيعابية. وهو موقف يبدو متقاربا مع الموقف الفرنسي. وقد ذهبت باريس في وقت سابق لإجراءات رقابة مشددة على حدودها لمنع دخول لاجئين تونسيين منحتهم إيطاليا بطاقات إقامة مؤقتة، واعتبرت الخطوة الإيطالية "تجاوزا لقوانين الإتحاد الأوروبي".
منصف السليمي
مراجعة: محمد المزياني