خبراء: الناتو بحاجة لإستراتيجية تسلح دفاعية جديدة لردع روسيا
٨ فبراير ٢٠٢٤حذر العديد من كبار القادة العسكريين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) مؤخرا من أنه يتعين على التحالف أن يعد نفسه جيدا لأي صراع محتمل مع روسيا خاصة مع استمرار حربها في أوكرانيا منذ أواخر فبراير / شباط عام 2022.
وفي نهاية الشهر المنصرم، خرج الأدميرال روب باور، الرئيس الهولندي للجنة العسكرية لحلف الناتو، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع استمر يومين قائلا: "علينا أن ندرك أنه ليس من المسلم به أننا نعيش في سلام، ولهذا السبب لدينا الخطط".
ونقلت صحيفة "داغبلادت" النرويجية عن رئيس الأركان النرويجي إريك كريستوفرسن قوله: "هناك في الوقت الراهن فسحة من الوقت ربما عامين أو ثلاثة أعوام، لذا يجب علينا أن نستثمر فيها بشكل أكبر في المجال الدفاعي ".
تزامن هذا مع حث القائد الأعلى للقوات المسلحة السويدية، الجنرال مايكل بايدن، السياسيين والسويديين إلى الانتقال من "التفاهم إلى العمل".
نداء عسكري إلى السياسيين
ويرى الخبراء أن التصريحات التي صدرت عن قادة الناتو العسكريين تحمل في طياتها دعوة صريحة إلى السياسيين الأوروبيين من أجل تغيير الاستراتيجية الأوروبية بشأن الصراع مع روسيا.
وفي مقابلة مع DW، قال الخبير الأمني الألماني نيكو لانغ إنه لم يتحقق الأمل في نهاية سريعة للحرب في أوكرانيا سواء عبر تسليح كييف أو فرض عقوبات اقتصادية على روسيا وسط قلق القادة العسكريين والمحللون إزاء نقص الذخيرة والمعدات العسكرية الجديدة وقدرات إنتاج الأسلحة الحالية في أوروبا.
وفي السياق ذاته، يرى خبراء أن تعزيز إمكانات الردع العسكري داخل الناتو يرتبط ارتباطا وثيقا بتسليح أوكرانيا.
وكان الاتحاد الأوروبي قد تعهد العام الماضي بتسليم مليون قذيفة مدفعية للجانب الأوكراني بحلول مارس/آذار المقبل، لكن يبدو أن التكتل لن يفي بوعده فيما أرجع لانغ ذلك بشكل رئيسي إلى تأخر الحكومة الألمانية في إصدار ضمانات الاكتتاب للمصنعين.
وأضاف لانغ - الخبير في القضايا المتعلقة بأوكرانيا وروسيا داخل مؤتمر ميونيخ الأمني - "إنهم يفعلون ذلك الآن بعد عامين".
بيد أن أوكرانيا ليست الدولة الوحيدة التي تحتاج بشكل عاجل إلى إمدادات ومعدات عسكرية إذ بات العديد من دول الناتو تعاني من نقص مستودعات الذخيرة نظرا لاستنفادها خلال عامين بسبب تسليح كييف.
الاستثمار في المسيرات والذخيرة والمركبات القتالية
ويقول لانغ إنه في أسوأ السيناريوهات، فإن أمام الناتو خمس سنوات فقط لتحديث أسلحته بهدف ضمان قدرته على صد أي هجوم روسي محتمل على أراضي دوله بنجاح.
واستشهد لانغ في ذلك بتحليل أجراه كريستيان مولينغ، رئيس مركز الأمن والدفاع التابع للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية (DGAP)، نهاية العام الماضي أفاد بأن الناتو في أسوأ السيناريوهات سوف يكون أمامه خمس سنوات لإعادة تسليحه وإلا فإن ردع روسيا من خلال التفوق العسكري لن يكون ممكنا.
من جانبه، أشار جوستاف جريسيل- الزميل البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومقره برلين- في تحليل نُشر مؤخرا إلى أن "الدول الغربية والأوروبية على وجه الخصوص بحاجة إلى إصلاح أنظمتها المالية والتوسع في إنتاج الطائرات بدون طيار وذخيرة ومركبات قتالية مدرعة وغيرها بوتيرة عالية".
وأضاف جريسيل أن استراتيجية تسليح أوكرانيا التي تعتمد في المقام الأول على تزويدها بالأسلحة التي تعود للحقبة السوفيتية من المخزون الاحتياطي لدول أوروبا الشرقية قد وصلت إلى نهايتها بسبب نفاد الأسلحة، مشددا على ضرورة زيادة إنتاج الأسلحة بشكل كبير سواء لتسليح أوكرانيا ودول الناتو الأوروبية.
الانسحاب التكتيكي من الأراضي المحررة؟
وخلال فصل الشتاء الثاني للحرب في أوكرانيا، يركز القادة العسكريون في المقام الأول على تعزيز مستوى أوكرانيا المنخفض في مجال المدفعية حيث يبدو أن موسكو كانت قادرة على سد فجواتها عن طريق حصولها على إمدادات من كوريا الشمالية، في حين اضطرت أوكرانيا إلى تقنين استخدام الذخيرة.
وفي أحدث بودكاست من سلسلة بودكاست "الحرب على الصخور"، قال مايكل كوفمان، الخبير في مركز التحليل البحري الأمريكي (سي أن إي)، إن روسيا "تفوقت في مجال إطلاق النار على الجبهات بنسبة بلغت خمسة إلى واحد" بمعنى إطلاق خمسة صواريخ روسية في مقابل كل قذيفة أوكرانية.
وتشير بعض التحليلات الى أن النسبة بلغت عشرة إلى واحد.
ويعتقد كوفمان أنه من الممكن أن يضطر الجانب الأوكراني إلى الانسحاب من بلدة أفدييفكا الأوكرانية الواقعة على الجبهة الشرقية، مشيرا إلى تزايد مخاطر وقوع هجوم روسي كبير على مدينة كوبيانسك الواقعة إلى شمال شرق أوكرانيا.
بدوره، قال مولينغ إن القوات الأوكرانية ربما ستضطر إلى الانسحاب من المدن التي حررتها بسبب التأخير الذي طرأ على تزويدها بالذخيرة والمعدات العسكرية خلال العامين الماضيين.
بيد أن الخبير نيكو لانغ أشار إلى أن حلف الناتو يشهد بداية التغيير في استراتيجيته بشأن روسيا في ضوء الوضع العسكري الراهن في أوكرانيا والتحليلات التي تصدر عن العسكريين الغربيين.
وفي مقابلة مع شبكة التحرير الألمانية Redaktionsnetzwerk Deutschland (RND)، شدد الجنرال الألماني كريستيان فرويدينغ، المنوط به الإشراف على الدعم العسكري الألماني لأوكرانيا، على أهمية "بناء قدرات منظمة على المدى الطويل للقوات المسلحة الأوكرانية وهذا ما يُجرى بحثه الآن".
الجدير بالذكر أن الجيش الأوكراني يعلن تحقيقه نجاحات عسكرية رغم التفوق الضمني الروسي من خلال شن الجيش الروسي غارات جوية ضد مواقع الرادار والقواعد وطرق الإمداد الروسية في شبه جزيرة القرم وجنوب أوكرانيا.
ففي تحليل نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية مطلع الشهر الجاري، قال القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية، فاليري زالوزني، إن " توافر أنظمة غير مأهولة مثل الطائرات بدون طيار إلى جانب أنواع أخرى من الأسلحة المتقدمة، يعد أفضل السبل حتى تتجنب أوكرانيا الانجرار إلى حرب موضعية لا نمتلك فيها اليد العليا."
ويعني ذلك أنه يتعين على الدول التي تدعم أوكرانيا بقيادة الولايات المتحدة توفير المزيد من الأسلحة عالية التقنية إلى الجانب الأوكراني.
وقد استجابت الولايات المتحدة للمطالب الأوكرانية حيث أعلنت أنها ستقدم إلى كييف مساعدة عسكرية إضافية بقيمة 2.2 مليار دولار تتضمّن قنابل (جي إل إس دي بي) ذات القطر الصغير التي يتمّ إطلاقها من الأرض ويصل مداها إلى 150 كلم.
ويرى مراقبون أن التسليح الجديد سوف يضع طريق الإمداد الرئيسي للجيش الروسي المتمثل في الشريط الساحلي بين شبه جزيرة القرم ومدينة ماريوبول جنوب أوكرانيا، في مرمى النيران الأوكرانية.
بدوره، قال لانغ إن كييف كانت تنتظر هذا النوع من التسليح لأكثر من عام، مضيفا أن "بعض الأمور تصب في صالح أوكرانيا، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان السياسيون في أوروبا سيدعمون المسار الذي يقوده الخبراء العسكريون الغربيون و الأوكرانيون."
وشدد على أن السياسيين "هم من يتعين عليهم في نهاية المطاف تأمين الدعم المالي لتزويد أوكرانيا بالأسلحة خلال السنوات القادمة فضلا عن زيادة إنتاج الأسلحة داخل أوروبا".
أعده للعربية: محمد فرحان