حوار مع الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران
١٩ أكتوبر ٢٠١٢تنافس هذا العام نحو 15 عملا مقدما يهم الصحافة المكتوبة والتلفزيون والراديو والاعلام الالكتروني للحصول على جائزة آنا ليند لصحافة حوض البحر الأبيض المتوسط . بالاضافة إلى جائزة "المجتمع المدني و بناء الديمقراطية ". وهي الجائزة التي تم إحداثها هذا العام نظرا للتغييرات الهائلة التي تشهدها المنطقة. وكانت هذه الجائزة من نصيب الصحفية السورية مراسلة قناة "أرتي" ريما مروش.
وقد عهدت لجنة تحكيم الجائزة إلى لجنة تضم إعلاميين مشهورين من أمثال الاعلامية العربية جزيل خوري ومفكرين غربيين كالفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران الذي التقته DW عربية وكان هذا الحوار.
DW: ما هي في نظركم أهمية هذه الجائزة؟
إدغار موران: كما تعلمون فإن وسائل الاعلام تكتسي أهمية بالغة في عالمنا اليوم. وتأتي هذه الجائزة كتتويج لعمل مختلف وسائل الاعلام في حوض البحر الأبيض المتوسط التي تعمل على منح بعض العناصر التي تساعد على فهم إختلاف الآخر. على اعتبار أن مشكلة حوض البحر الأبيض المتوسط تكمن في تعدد الثقافات والأديان واللغات. وذلك على الرغم من وجود فضاء مشترك. تتجلى قيمة هذه الجائزة في الفهم المتبادل.
في نظركم ما هي المسؤولية الأخلاقية والمهنية الملقاة على عاتق الصحفي؟
طبعا، على الصحفي نشر الاخبار ولكن عليه بالاساس أن يضع الأشياء في سياقها. إن الخبر المحض غير كاف وعلى الصحفي الاحاطة بالسياقات التاريخية والجغرافية. تتجلى المسؤولية إذن في توفير معرفة ذات اهمية بالغة من شأنها المساعدة على فهم أوضاع البلدان والشعوب الأخرى.
نرى أن وسائل الاعلام الحديثة من أنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا أساسيا في الحراك العربي. هل تشكل هذه الوسائل بديلا عن المؤسسات التقليدية كالأحزاب السياسية والنقابات؟
بكل تأكيد، لأنها تلعب دورا كبيرا في الأحداث، بل إنها تغير مسارها وتؤثر فيها. وفي هذا السياق فإن التواصل السريع الذي توفره وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي لها دور حاسم في مجريات الأحداث، خاصة لدى الشباب. إن للشباب علاقة قوية بهذه الوسائل التي هي بالنسبة لهم بمثابة الطريقة المثلى لنقل تطلعاتهم وتذمرهم وغضبهم أيضا.
كفيلسوف وعالم إجتماع كيف تقيم التحولات التي يشهدها العالم العربي؟
لقد أشدت وبقوة ببداية الثورة في كل من تونس ومصر. وكتبت إبانها مقالا في صحيفة لوموند الفرنسية أذكر فيها بالرسائل الأولى لأبهر الثورات. وأعطيت النموذج بالثورة الفرنسية. فعلى الرغم من التراجعات والانحرافات التي عرفتها ومحاولات التحكم والسيطرة عليها، إلا أن رسائلها الأولى المرتبطة بالأخوة والعدالة ظلت صامدة. لقد واصلت هذه القيم عملها عبر التاريخ وأسست بعد مرور قرن الجمهورية الفرنسية وإن لم تكن بالمثالية.
من دون شك، ستواصل الرسالة مسيرتها ليس لسنوات بل لقرون. قد تكون هناك اختلافات. غير أن الثورة التي أطاحت بالنظام في تونس ومصر، هي ضرورية ولكن لا يمكن أن تكون لها الامكانيات لاقامة نظام جديد.
ما وقع أن ممثلي المعارضة عاشوا في المنافي وكان معظمهم في السجون على عكس الاسلاميين الذين ظلوا على علاقة مع الشعب والفقراء. إضافة إلى غياب بل إفلاس الأحزاب العلمانية. وهذا ما يفسر أنه بمجرد إجراء انتخابات ديموقراطية تكون نتائجها لصالح الأحزاب الاسلامية.
أعتقد أن ما وقع هو مهم بكل المقاييس وأتمنى أن تسير الأمور في الاتجاه الصحيح. ما عرفه العالم العربي وقع بإسم الحرية والكرامة ويجب الاستمرار في الدفاع عنهما.
ما تفسيركم لتراجع دور الشباب الليبرالي في دول الربيع العربي لما بعد الثورة؟
لنأخذ نموذج المغرب مثلا الذي عرف أيضا حراكا شبابيا وإن لم يذهب بعيدا. وذلك راجع لخصوصية البلد. توجد أحزاب سياسية كبيرة في المغرب غير أنها فقدت العلاقة مع الشعب وبعضها مرتشي إلى حد ما. وجاءت نتائج الانتخابات مطابقة لما حصل في تونس وفي بلدان أخرى.
شخصيا أرى أن هناك تطورات تاريخية مختلفة جدا. وإذا أردنا التطرق إلى العلاقة مع الدين. نجد أن أوروبا والغرب ومنذ عصر النهضة بدأ التعامل فيها مع النصوص الدينية كنصوص تاريخية. مما ساهم في الدخول إلى مسلسل هو ما نطلق عليه بالعلمانية. بحيث أن المجتمع والدولة يمارسان السياسة. وأصبح الدين قضية خاصة وشخصية تستوجب الاحترام والحفاظ عليه. هذا التحول لم يحصل في العالم الاسلامي على الرغم من محاولات بعض المفكرين من أمثال المرحوم محمد أركون الذي حاول من جهة انتقاد الغرب وانتقاد الدوغمائية الاسلامية من جهة أخرى.
يستوجب الأمر استخلاص العبر والتعاون مع جميع الأطراف المسالمة. إن تركيا مثلا التي تعيش تجربة الحزب الاسلامي الذي يسير شؤون الحكم في إطار دولة لائكية. وينطبق هذا أيضا على تجربة الأحزاب المسيحية الديموقراطية في الغرب. لابد من أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار ولا يجب على الغرب انتظار أن يصبح الأخر مثله بين عشية وضحاها. ليس من الضروري أن نكون متشابهين فلكل خصوصيته.
يجب العمل على تفادي صراع الحضارات. كما تعلمون أن المتطرفين في العالم المسيحي والاسلامي ينسقون فيما بينهم ويدفعون في نفس الاتجاه ألا وهو الحرب والصراع. لا يوجد اليوم تنسيق شبيه بما يقوم به المتطرفون فيما بينهم. لذلك ينبغي لنا تشجيع قيم التفاهم والتسامح.
وأتمنى أن تسير الأمور في تونس في إتجاه دعم الديموقراطية خاصة وأن البلد مقبل على خطوات مهمة من بينها الانتخابات. على أي إننا نعيش في عالم خطير، عالم لا تحكمه القواعد السحرية. وينبغي العمل على تفادي الأسوء ليس في العالم العربي وحده بل في الغرب أيضا.
كجندي سابق كيف تلقيتم فوز الاتحاد الاوروبي بجائزة نوبل للسلام لسلام؟
صرحت في حوار سابق بأنني أتمنى ألا يكون الأمر مجرد مجاملة. إن هذا التتويج في نظري هو إشارة قوية لتفادي الانتحار الذي كان سيد الميدان إبان الحرب العالمية الثانية والذين لم تنج منه أوروبا سوى بتدخل أمريكي وسوفيتي. إذن هي ولادة لأوروبا من أجل تفادي الدمار حتى وإن لم نتجح فيه الوحدة السياسية. وجاءت المحاولة بعدها من أجل إقامة وحدة اقتصادية والتي تظل هشة. ونعيش اليوم أزمة تجعل خطر التشتت قائما. من هذا المنطلق فإن الجائزة في نظري لا يجب أن تكون مكافأة فقط بل دعوة إلى النهضة.