حمى المونديال تجتاح الديار السورية وألمانيا والبرازيل الأكثر شعبية
٢٣ يونيو ٢٠٠٦إنها الخامسة من مساء الثلاثاء (20 يونيو/حزيران 2006) بتوقيت سوريا، قبل دقائق كان وسط مدينة اللاذقية على الساحل السوري يعج بالحركة والازدحام، وفجأة يخيم الهدوء في الشوارع ويتجمع الناس في المقاهي والمطاعم والمنازل. وما أن اطلق الحكم الصافرة معلنا بداية مباراة ألمانيا ضد الأكوادور حتى بدأ عشرات المحتشدين هنا في ساحة الشيخ ضاهر في مقهى الروضة برفع الأعلام الألمانية والتلويح بها.
"الناس متعطشون هنا لأحداث وأخبار مفرحة بدلا من أخبار القتل والدمار في العراق وفلسطين". يروي محمد وهو يسحب نرجيلته وعينيه على شاشة التلفاز. وعن سبب تشجيعه للفريق الألماني يقول فهد: " أنا أشجع الألمان بالفطرة، كل عائلتي تفعل ذلك، أنا أحب الألمان لأن شغلهم نظيف". أما زميله سعيد فيذكر بموقف المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر المعارض للحرب على العراق. "هذا الموقف زاد من شعبية ألمانيا في العالم العربي لا سيما وأنه ليس لها ماض استعماري عندنا مثل بريطانيا وفرنسا". أما زميلته هدى فترى إن سياسة ألمانيا المتوازنة أكثر من سياسات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تجاه سوريا "جعلت نجمها محبوب لدينا أكثر هذه الأيام".
السهر والسمر حتى الصباح
لم تمض دقائق معدودة على بدء المباراة حتى سجلت ألمانيا الهدف الأول. عدد من المشجعين يقفز فرحا في وقت تتعالى فيها صيحات التشجيع من كل مكان في المقهى. وهكذا تتكرر القفزات والصيحات طوال المباراة التي لم تخلو من ترديد الشعارات الرياضية والهتافات. ومع انتهاء اللعبة بثلاثة أهداف لألمانيا مقابل لا شيء لفريق الإكوادور تعود الشوارع للازدحام ثانية وسط زمامير السيارات والأهازيج الرياضية والأعلام الألمانية. بعض أصحاب المحال تقدم المشروبات بأسعار مغرية أمثال فادي، لكن عرضه صالح فقط لمشجعي الفريق الألماني، "أراعي كل زبون يقول لي أنه مع المنتخب الألماني". يعترف فادي. أما جاره سامر فقد عزم أصحابه على العشاء مقهى سيوار على الشاطئ احتفالا بفوز الفريق الألماني. "سوف نتناول طعام العشاء ونسهر حتى الصباح"، يقول وعيناه تشعان بالفرح.
حرمان الطلاب وأصحاب الدخل المحدود
وإذا كان فادي وسامر من المحظوظين بمتابعة المونديال على شاشة تلفازيهما عن طريق شراء البطاقة الذكية التي يبلغ سعرها 150 دولارا، فإن الكثيرين محرومون من ذلك لأن ليس لديهم قدرة على دفع ثمنها. وهذا هو حال طلاب المدينة الجامعية في جامعة تشرين السورية على سبيل المثال. "نضطر للذهاب إلى المقاهي والتجمع أمامها من أجل مشاهدة المباريات ولو أن الحظ لا يحالفنا أحيانا"، يقول طالب الحقوق سمير. وكذلك الأمر بالنسبة للموظف أبو سامي "أنا موظف بسيط وسعر البطاقة يعادل راتب شهر كامل بالنسبة لي مما يضطرني للبحث عن مقهى أو مطعم لمشاهدة المباريات التي لا أريد تفويتها مثل مباراة اليوم (20 يونيو/ حزيران 2006) بين ألمانيا والإكوادور." وهناك من يتابع نتاج المباريات عن طريق هاتفه الجوال كما يفعل أحمد كونه يسكن في منطقة ريفية ليس فيها إمكانية لمتابعة المباريات بشكل مباشر.
الاحتكار فرصة لتحقيق أرباح عالية
احتكار نقل المباريات من قبل محطة أي ار تي ART فتح أمام المقاهي والمطاعم فرصة لا تعوض لكسب المزيد من الزبائن. فقد اشتركت الكثير منها بخدمة نقل المباريات على شاشات كبيرة مقابل خمسة آلاف دولار على أمل تعويض المبلغ بشكل مضاعف خلال المباريات. وبالفعل فإن جميع الطاولات المجهزة بمختلف المأكولات والمشروبات في المقاهي والمطاعم المذكورة تكون محجوزة قبل كل مباراة كما هو الحال في مقهى الزين الموجود على مفرق بوقا. لدينا أعداد كبيرة من الزبائن الذين يحضرون مع أصدقائهم وأقربائهم لتناول الطعام ومشاهدة المباريات. ويضيف "أعتقد أن مبيعاتنا ستزداد بشكل كبير خلال المونديال". غير أن الأرباح لا تقتصر على المقاهي والمطاعم فقط، فالمكتبات ومحال الألبسة الرياضية أيضا في مقدمة الرابحين." خلال هذا الشهر بعت أعدادا لا تصدق من الأعلام والقمصان الخاصة بالمنتخبات وفي مقدمتها منتخبات ألمانيا والبرازيل"، يقول جوزيف وهو صاحب مكتبة.
يوم البرازيل بعد يوم ألمانيا
يبدو أن السوريين منقسمون على أنفسهم في تشجيع هذا الفريق أو ذلك. غير أن غالبيتهم تشجع الفريقين الألماني والبرازيلي. ويدل على ذلك كثرة الأعلام الألمانية والبرازيلية المعلقة على الشرفات والسيارات والمحال التجارية. وإذا كان تشجيع السوريين لألمانيا يعود إلى أسباب تاريخية ومواقف سياسية، فإن الأمر بالنسبة للبرازيل يختلف. "نشجع البرازيليين لأن فريقهم يلعب الكرة بشكل ساحر رغم أدائه غير المتميز في مونديال هذا العام حتى الآن"، تقول سحر التي تشجع مع خطيبها عماد راقصي السامبا. أما آصف فيشجع البرازيليين لأن الملايين منهم ذوي أصول سورية وعربية. " عندما يمشي المرء في بعض المدن البرازيلية يشعر بإنه في مدينة شرقية، حيث رائحة الكباب والفلافل وغيرها من المأكولات الشامية"، يقول والد آصف الذي عاش في البرازيل 20 سنة قبل أن يعود إلى وطنه الأم سوريا قبل بضع سنوات". ويضيف وهو ينظر إلى أصدقائه الجالسين حوله والذين كانوا معه في المهجر "اليوم كان يوم المشجعين للألمان، أما يومنا (يوم المشجعين للبرازيليين) فسيكون يوم غد الخميس عندما يلتقي الفريقان البرازيلي والياباني".