جمعية فراونهوفر: أبحاث اليوم في خدمة عالم الغد
١٠ أغسطس ٢٠٠٦من أجل الحفاظ على مستواها العلمي ومسايرتها للتنافس الدولي في مجال البحث العلمي بادرت ألمانيا إلى إنجاز ووضع نظام علمي يقوى على المنافسة العالمية ويتميز بقدرات ممتازة في خدمة المهتمين. وإلى جانب الجامعات ذات الأهمية الكبرى في مجال البحث العلمي في ألمانيا، هناك مؤسسات متخصصة غير تجارية يرعاها كل من الاتحاد والولايات لإجراء المشاريع المعقدة التي تتطلب فرق عمل كبيرة وتكلفة باهظة. ومن بين هذه المؤسسات ارتبط اسم مؤسسة فراونهوفر- المتخصصة في كل المجالات الهندسية والتطبيقية - بالعديد من الابتكارات الحديثة. ويرجع الفضل في تطوير كل من العلامة المائية الرقمية، والمكيفات الشمسية التي تُبرد بواسطة أشعة الشمس أو نوافذ غاز الكروم التي تحدث كسوف الشمس كيميائياً، إلى جمعية فراونهوفر لتشجيع الأبحاث التطبيقية. هذه الجمعية التي تجري أبحاثاً متعددة تستخدم في الصناعة كما تستخدم للقطاع العام وقطاع الخدمات. وتعتبر هذه المنظمة الألمانية البارزة كذلك رائدة في إطار إعداد الأبحاث التطبيقية.
البحث الهندسي قائم على التطبيقات
تمثل مؤسسة فراونهوفر رابطا هاما بين البحث العلمي وتطبيقاته في المجال الاقتصادي، فهي تقوم بأبحاث في مجال العلوم الطبيعية يكون لها تطبيقاتها العملية. وتتبع مؤسسة فراونهوفر للبحث العلمي نحو ثمانين مؤسسة بحثية، منهم ثمانية وخمسون معهدا في أكثر من أربعين موقع في سائر أنحاء ألمانيا، حيث يبلغ عدد العاملين نحو 12500 باحث وباحثة، معظمهم تلقى تدريبا في العلوم الطبيعية أو الهندسية ويعملون على أبحاث تتكلف مليارات اليورو. وإلى جانب التمويل الحكومي، تمول المؤسسة نحو ثلثي مشاريعها من العقود التي تجريها في المجال الصناعي، كما أن للمؤسسة أنشطة على المستوى العالمي، حيث تمتلك بعض المراكز في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا.
تاريخ طويل مليء بالإنجازات
لجمعية فراونهوفر اليوم تأثير علمي واقتصادي في ألمانيا، إلا أن بداية الجمعية لم تكن سهلة. أنشئت مؤسسة البحث العلمي والهندسي عام 1949، مع إنشاء جمهورية ألمانيا. وفي البداية لم يكن بها سوى ثلاث عاملين، يقتصر عملهم على جمع المنح والتبرعات من الأعضاء وتوزيعها على أبحاث علمية تطبيقية. اتخذت الجمعية اسم الباحث والمخترع ورجل الأعمال، العالم القادم من ميونخ يوزيف فون فراونهوفر (1787-1826)، فقصة حياة هذا الرجل وجمعه بين العلم وتطبيقاته كانت الملهم الرئيسي لمؤسسي هذه الجمعية.
ولأن بداية الجمعية جاءت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد كانت الأبحاث في بداياتها مركزة على تقنيات التعدين والهندسة الميكانيكية وصناعة الآلات. وكان أول مدير للجمعية هو عالم الفيزياء النووية المعروف فالتر جيرلاخ، الذي كان يشغل منصب عميد جامعة ميونخ في الوقت ذاته. وفي 1952 أعلنت وزارة الاقتصاد الألماني أن جمعية فراونهوفر تعد العمود الثالث للبحث العلمي الألماني إلى جانب جمعي البحث الألمانية وجمعية ماكس بلانك. بعدها توسعت الجمعية وافتتحت عدداً من مراكز البحث في تخصصات متعددة
أبحاث تصل من الصناعة حتى حماية الآثار
تتنوع الأبحاث في المراكز المختلفة التابعة لجمعية فراونهوفر. مثلاً يستخدم معهد الآلات الحرفية والهندسة التشكيلية الذي أنشئ في عام 1992 بمدينة كيمنتس، طرقاً مبدعة في مجال صناعة تشكيل الصفائح وإنتاج المواد الصناعية الخفيفة، ومن بين ما يستخدم من تصميمات هناك الألواح المقوسة التي تستخدم في تقوية الألواح المستخدمة في صناعة السيارات. ويهتم المعهد بشكل خاص على عمليات الآلات الحرفية والصناعية الدقيقة، وهو تخصص حديث العهد نسبياً، كذلك يعد لموقع المركز القريب من شركة سيمنز وفولكسفاجن فورد تأثيره على اتجاه الأبحاث به.
إلا أن المجالات الصناعية والتقنيات الرقمية ليست هي وحدها ما تدعمه جمعية فراونهوفر، إذ أن معهد حماية التراث الثقافي التابع لمعهد فراونهوفر لأبحاث السيليكون في فورتسبورج يهتم بدراسة تأثير البيئة على الأعمال الفنية والآثار. وكان من إنجازاتهم عام 2004 ابتكار جهاز إنذار مبكر يحذر من تآكل التحف واللوحات والمعروضات الأثرية. الجهاز عبارة عن لوح صغير من زجاج خاص، تقيس عوامل الزمن والرطوبة والحرارة على سطح الأجسام المختلفة، كما يقيس تركيز مركبات البوتاسيوم والكالسيوم، وهي من أهم عوامل تآكل اللوحات والتحف. تتعدد الاتجاهات التي يعمل فيها باحثو جمعية فراونهوفر، إلا أنها تركز بشكل خاص على التقنيات المستقبلية، فأبحاث اليوم هي التي تفتح الطريق أمام إنجازات المستقبل.