جعفر، شو في؟ أوروبا تنسى حقوق الانسان على حدودها!
٦ مارس ٢٠٢٠هنا على الحدود اليونانية التركية فقدتُ خلال الأيام الماضية إيماني بأوروبا. ماذا حدث لكل القيم التي تدافع عنها أوروبا وندافع نحن عنها كمواطنين أوروبيين؟
"الكرامة الإنسانية غير قابلة للمساس" هذه الجملة تختصر ثقافتي ورؤيتي الألمانية والأوروبية.
جميعنا متساوون أمام الدستور الألماني بصرف النظر عن لون البشرة أو الدين أو الميول والهوية الجنسية أو الإثنية. ولكن هنا في كاستانيس، في هذه القرية اليونانية على الحدود مع تركيا، أفقد إيماني بما أقوله دائما خلال جولاتي المتكررة في المنطقة العربية: إن أوروبا وألمانيا اللتان أعتبرهما موطني عن قناعة - يمكن انتقادهما كثيرًا - ولكن على الأقل يتم احترام حقوق الإنسان هنا.
غير أن ما يحدث هنا خيّب آمالي، الكرامة الإنسانية ليست مصونة في هذا المكان، على الحدود الجنوبية الشرقية لأوروبا بدأت أوروبا بخسارة روحها!
الأمن اليوناني يستخدم الغاز المسيل للدموع ضد اللاجئين حيث يتواجد الأطفال والرضع مع أمهاتهم. يقول بعض اللاجئين إنه خلال محاولة عبورهم الحدود تم ضربهم من قبل الشرطة اليونانية وإعادتهم للجانب التركي.
من الواضح أن صراخ النساء والرجال والأطفال على الحدود ليس كافٍ بالنسبة لنا كأروبيين، كي تطبق عليهم أيضا معايير حقوق الإنسان والانسانية!
لا أرى أي تهديد لأوروبا عندما أقف هنا على الحدود اليونانية-التركية
لا يجب أن نسمح بتحول ما هو غير إنساني إلى حالة مألوفة تحدث يوميا. إذا كان من غير المسموح على اللاجئين تخطي الحدود للوصول إلى أوروبا، فسنتخطى نحن بذلك حدود قيم الانسانية!
التماسك والتسامح والتضامن مع الناس الذين خسروا كل شيء، هو من قيمنا. اذا أي قيمة فعلية اليوم بقيت للقيم الأساسية الأوروبية، إذا اخترنا وميَّزنا بين من يستحق حقوق الإنسان على الحدود ومن لا يستحقها؟
حقوق الإنسان ليست انتقائية. ووظيفتها حماية الأشخاص الضعفاء والمحتاجين من الاستبداد و التعسف، كل استبداد وأي استبداد ومن جميع الأطراف.
يستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قضية اللاجئين لمصالحه الخاصة، وأنا لا أنتظر منه باعتباره سياسيا غير ديمقراطي غير ذلك. ولكن ماذا عن الاتحاد الأوروبي الذي حصل في العام 2012 على جائزة نوبل للسلام لدوره في الدفاع عن حقوق الإنسان؟
ماذا يفعل الاتحاد الأوروبي؟ الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يريدون إرسال رسالة واضحة لتركيا: اللاجئون لا يمكن استخدامهم كأداة للضغط السياسي علينا.
رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين أشادت برئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ووصفت اليونان بـ "درع أوروبا الواقي".
لا أرى أي تهديد لأوروبا عندما أقف هنا على الحدود، على العكس تماما أرى أناسا محبطين ومتجمدين بردا وفقراء وجائعين ومحتاجين غادروا بلدانهم الأصلية بحثا عن حياة أفضل.
هؤلاء ليسوا الأشخاص الذين يجب أن نحمي أنفسنا منهم، ولكن واجبنا نحن أن نحميهم.
لا أحد يترك بلده طواعية
من جهتها علقت اليونان الحق في اللجوء ولن يتم قبول طلبات اللجوء لمدة شهر. هذا الإجراء لا أساس قانوني له، وانتقدته الأمم المتحدة أيضا، بالرغم من ذلك تتمسك اليونان بقرارها.
دول الاتحاد الأوروبي هي دول دستورية و دول قانون في الواقع، والقانون هو السائد والمطبق في جميع هذه الدول، هذا ما اعتقدته!
ولكن ما يحدث هنا على الحدود يفقدني القدرة على الكلام، الحق في اللجوء هو من حقوق الإنسان وليس هبة أو مكرمة يمكن التلاعب بها.
أقل ما يمكن تقديمه لهؤلاء الناس هو منحهم الحق بالتقدم بطلب للحصول على اللجوء، في المرحلة الثانية يُبت قانونيا من خلال الإجراءات المتبعة ما إذا كان سيتم الموافقة على الطلبات أم لا.
تعليق هذا الحق دون أي أساس قانوني يعد انتهاكًا واضحا لحقوق الإنسان. هذا هو بالضبط ما لم يكن يجب أن يحدث.
خاصة بعد هجوم متطرفين يمينيين على موظفين من المجتمع المدني الذين يعملون على مساعدة اللاجئين) وعلى الصحفيين في جزيرة ليسبوس اليونانية.
أي رسالة نرسلها إلى اليمين في أوروبا! سياسة الإقصاء هذه واختيار اللاجئين بناءً على أصلهم أو دينهم أو لون بشرتهم . هذه سياسة ضد الإنسانية.
أين الفرق اليوم في سياسة الهجرة المتبعة حاليا مع اللاجئين على الحدود التركية اليونانية مع ما يطالب به اليمين في ألمانيا؟ ما الذي يميزنا عن سياسيي اليمين فايدل وهوك وأوربان؟
لا أحد يترك منزله طواعية بل يكون مجبرا. لا أحد يغادر منزله إذا كان بإمكانه كسب قوت يومه وإذا كان يشعر بالأمان وإذا كان يتمتع بالسلام ويستطيع إرسال أولاده إلى المدرسة.
كيف يفقدنا هذا العدد القليل من الأشخاص على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي كل قيمنا الأوروبية؟
لماذا نترك الناس وهم بأمس الحاجة إلينا... وحيدين؟
وصل الأمر إلى أن يرفض البرلمان الألماني البوندستاغ قبول 5000 لاجئ من اليونان. طلب حزب الخضر الألماني أن تستقبل ألمانيا 5000 طفل دون مرافقة ذويهم ونساء حوامل ونساء يسافرن بمفردهن أو أولئك الذين أصيبوا بصدمات شديدة في مخيمات اللجوء اليونانية.
فلنضع أنفسنا في مكان هؤلاء الاشخاص!
ربما نكون نحن في وضعية هؤلاء الأشخاص يوما ما! لماذا نترك الناس وهم بأمس الحاجة إلينا... وحيدين؟
المساعدات الإنسانية الفورية، المراقبة والتثبت من هوية الذين تقطعت بهم السبل، والتحقق ممن هم بحاجة لحماية. هذه هي خريطة الطريق الصحيحة لأوروبا الآن، ولكن بدلاً من ذلك، يقدم الاتحاد الأوروبي 700 مليون يورو إلى اليونان كمساعدات طارئة لتأمين الحدود، هذا دفن للرؤوس في الرمال!
النتيجة التي سنحصل عليها جميعا من خلال هذه السياسة: معسكر بؤس متنامٍ في كل دقيقة على أبواب قارتنا الأوروبية، أطفال مرضى ورجال ونساء مصابون بصدمات نفسية وغيرها من الصور القاسية والمؤلمة واللاإنسانية.
أين هي حقوق الإنسان في أوروبا عندما نحتاجها؟ أنا لا أريد أن أفقد الثقة في ذلك. أريد أن أستمر في السفر إلى المنطقة العربية وأُخبر الناس هناك: أوروبا تدافع عن حقوق الإنسان!
لا تجعلوني أفقد الأمل!
جعفر عبد الكريم/ ترجمة: وسام عبيد