"جائزة شاميسو" تكرّم مَن وجد "وطناً في الغربة"
٢٩ يناير ٢٠١٠كان ميلاده في فرنسا، وعندما رحل إلى ألمانيا كان في الحادية عشرة، وسرعان ما تعلم لغة غوته وأجادها وكتب بها أعمالاً ما زالت خالدة حتى اليوم: الحديث هنا عن الشاعر أدلبرت فون شاميسو (1781 – 1838) الذي أصبح رمزاً للكاتب الذي يجد في لغة أخرى غير لغته الأم وسيلةً للإبداع. وعندما قررت مؤسسة روبرت بوش الألمانية تكريم الكتّاب الألمان من ذوي الأصول الأجنبية، لم تجد أفضل من شاميسو ليمنح هذه الجائزة اسمها.
خلال تاريخها مُنحت الجائزة إلى عدد من الكتاب الذين أثروا الأدب الألماني وأثروا فيه، مثل التركي الأصل فريدون زايموغلو الذي حصل على الجائزة عام 2005. كان زايموغلو بأعماله في التسعينات ممثلاً لأبناء الجيل الشباب الغاضب من ذوي الأصول التركية الذين ولدوا في ألمانيا أو جاءوا إليها أطفالاً، غير أنهم كانوا يشعرون بأنفسهم يعيشون على هامش المجتمع. ومن أعماله الشهيرة "لغة الكاناك" و"ليلى" والمجموعة القصصية "12 غرام سعادة" التي ترجمت إلى العربية مؤخراً وصدرت عن دار "ميريت" المصرية. أما الكاتب الروماني الأصل إيليا ترويانوف الحاصل على جائزة شاميسو عام 2000 فقد اشتُهر بروايته الضخمة "جامع العوالم" التي صدرت حديثاً باللغة العربية عن دار "الجمل".
شاميسو تكرّم أبناء دمشق ومعلولا
كان الشاعر عادل قرشولي أول كاتب من أصل عربي ينال جائزة شاميسو. كان ذلك في عام 1992، وهو تاريخ يتذكره جيداً الشاعر المولود في دمشق عام 1936، كما يعتز بذلك الوسام الأدبي مثلما قال في الحديث الذي خص به "دويتشه فيله" لأن هذه الجائزة فتحت له الطريق لكي يتعرف عليه القارئ في الشطر الغربي من ألمانيا بعد الوحدة، بعد أن ذاعت شهرته نسبياً في القسم الشرقي حيث كان ـ ولا يزال - يعيش في لايبزيغ (للاستماع إلى الحديث الكامل مع الشاعر اضغط على الرابط أسفل المقالة).
وكان قرشولي قد نشر أولى قصائده بالعربية مبكراً، وانضم في الحادية والعشرين إلى رابطة الكتاب في سوريا، قبل أن يهاجر إلى ألمانيا عام 1961. في لايبزغ درس قرشولي في معهد الآداب الشهير، وكان الطالب الأجنبي الوحيد هناك. وفي لايبزغ تعرف إلى عدد من الشعراء الذين أضحوا مشهورين فيما بعد مثل فولكر بروان وسارة كيرش، ومع هؤلاء الشعراء شارك قرشولي في الموجة الشعرية الجديدة في ألمانيا الشرقية سابقاً، وهكذا بدأ الكتابة بلغة غوته التي أصدر فيها عدة دواوين، بينها ديوان"مثل حرير دمشقي" (1968) و"موطن في الغربة" (1984) و"هكذا تكلم عبد الله" (1995). وقد نقل الديوان الأخير إلى العربية عبد الغفار مكاوي في سلسلة "آفاق عالمية" عن هيئة قصور الثقافة المصرية.
وبعد عام من حصول عادل قرشولي على جائزة شاميسو حصل عليها (1993) كاتب آخر سوري الأصل، وهو سهيل فاضل الذي اشتهر باسمه المستعار "رفيق شامي". لقد نجح هذا الوافد، ابن قرية معلولا، حيث ما زال الناس يتحدثون الآرامية، في أن يصبح واحداً من أنجح كتاب الألمانية، إذ بيعت من أعماله ملايين النسخ، وترجمت رواياته إلى ما يزيد عن عشرين لغة لم تكن من بينها العربية حتى عام 2005. ومن أشهر أعمال شامي رواية "كف مليئة بالنجوم" و"حكايات من معلولا" و"حكواتي الليل". بحكاياته وقصصه التي يمزج فيها سحر الشرق وألف ليلة وليلة بالواقع الألماني العقلاني استطاع شامي أن يثير لدى القارئ الغربي الحنين إلى يوتوبيا الشرق المتخيل، فكان هذا سبباً في إقبال الشبيبة خصوصاً على قصصه.
"على الطريق الصحيح"
بعد ذلك ذهبت جائزة "شاميسو" التشجيعية إلى ثلاثة كتاب من أصول عربية، وهم الكاتب المغربي الأصل عبد اللطيف بلفلاح، والقاص العراقي عباس خضر، والروائي العراقي أيضاً حسين الموزاني الذي حصل على الجائزة قبل سبع سنوات. وقد أثار لديه تكريمه بهذه الجائزة الأدبية الشعور بأنه وصل إلى "الطريق الصحيح"مثلما يقول في حديثه إلى "دويتشه فيله" (للاستماع إلى الحديث الكامل مع الكاتب اضغط على الرابط أسفل المقالة). – ككاتب ـ يقول صاحب "اعترافات تاجر اللحوم"- فهو يشعر بانتمائه إلى "أسرة الكتّاب العالمية"، ولذلك لا يصنف هويته بنسبتها إلى بلد بعينه. وهل وجد وطنا في الغربة عبر اللغة الجديدة؟ الموزاني ينفي ذلك، لأن اللغة لا يمكن أن تعوض عن الوطن، "غير أن الكاتب المنفي يحتاج إلى وطن، فيعتقد أن اللغة أصبحت وطناً له."
الكاتب: سمير جريس
مراجعة: منى صالح