تعليق القصف الجوي للبنان: تخفيف للضغوط الدولية أم إقرار بفشل منطق القوة؟
٣١ يوليو ٢٠٠٦"أطفال قانا يقلبون الموقف الدولي ولبنان يتوحد خلف ضحاياه ويرفض التفاوض"، هكذا عنونت صحيفة النهار اللبنانية صفحتها الأولى اليوم الاثنين(31 يوليو/تموز)، وكتبت تقول إن "المجزرة كسرت تحفظات العالم عن موضوع إطلاق النار فانهالت المواقف الدولية منددة وداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار". صحيفة السفير رأت أن ما جرى في قانا يوم أمس الأحد "أحدث بداية انقلاب في المعركة الدبلوماسية والإعلامية لمصلحة جرح لبنان المفتوح". وأضافت أن "مجزرة قانا فرضت واقعا جديدا: لا حديث قبل وقف النار غير المشروط" في إشارة إلى موقف الحكومة اللبنانية حيث رفض رئيس الحكومة فؤاد السنيورة استقبال وزيرة الخارجية رايس معتبرا أن أي حديث غير وقف إطلاق النار غير مقبول.
قرار الحكومة الإسرائيلية بوقف الضربات الجوية لمدة 48 ساعة جاء دليلا على صدق ما ذهبت إليه الصحف اللبنانية حول تداعيات مأساة قانا. وهو الأمر الذي بقدر ما يدعو إلى الأمل في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار شامل، بقدر ما يبعث على الأسى بسبب الثمن الباهظ الذي دفعه الأطفال اللبنانيون جراء عدم الإصغاء لنداء العقل. وتقول إسرائيل أن هدف الهدنة القصيرة هو إتاحة الفرصة لسكان الجنوب اللبناني لكي يغادروا المنطقة. غير أن السؤال المطروح الآن هل تسعى إسرائيل عبر هذه الهدنة القصيرة إلى تخفيف الضغوط الدولية التي تزايدت بعد قصف قانا ثم استئناف الحرب بعد ذلك، أم أن الآلة العسكرية الإسرائيلية وصلت إلى طريق مسدود في حربها للقضاء على حزب الله؟.
رايس ترى إمكانية الوصل لهدنة قريبة
قبل عودتها إلى واشنطن أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس أن بالامكان تحقيق وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله هذا الأسبوع. وقالت في بيان قرأته في القدس أنها ستدعو لقرار من مجلس الأمن هذا الأسبوع بشأن وقف إطلاق النار وإنشاء قوة دولية لفرض الاستقرار في جنوب لبنان. وصرحت للصحفيين أثناء زيارتها الثانية للمنطقة في أقل من أسبوع قائلة "هذا الصباح وأنا أتوجه عائدة لواشنطن سآخذ معي إجماعا ناشئا بشأن ما هو ضروري لوقف عاجل لإطلاق النار وإبرام تسوية دائمة". وأضافت "أنا مقتنعة أن بالامكان التوصل لهذين الأمرين هذا الأسبوع. وأنا مقتنعة انه عن طريق تحقيق الأمرين فحسب سيكون الشعب اللبناني قادرا في النهاية على السيطرة على بلاده ومستقبله كما سيكون شعب إسرائيل قادرا على العيش بدون تهديد من الجماعات الإرهابية في لبنان."
على العكس من ذلك قال وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيريتس في سجال برلماني محتدم خلال جلسة للكنيست اليوم: "يجب ألا نوافق على وقف لإطلاق النار يطبق على الفور. فقط من يستطيعون تحييد الإرهاب يمكنهم أن يأتوا بالسلام". وأضاف بيريتس: "إذا أُعلن عن وقف فوري لإطلاق النار سيرفع المتطرفون رؤوسهم عالية. وخلال بضعة اشهر سنكون في نفس الموقف." وأعربت مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة عن ثقتها بأن وقف إطلاق النار مع حزب الله لن ينفذ إلا بعد انتشار قوة حفظ الاستقرار الدولية في جنوب لبنان.
النبرة المتفائلة لرايس تحيي الآمال في إبرام اتفاق قريب لوقف إطلاق النار، غير أنها تثير أسئلة حول نجاح الضربات العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها المعلنة. فقد دأبت الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية على تبرير الحملة العسكرية على أنها حرب مشروعة ضد الإرهاب، وأنها يجب أن تستمر حتى يتم تجريد حزب الله من أسلحته وإبعاده عن حدود إسرائيل. لكن كثير من المعلقين يرون أن الأيام الأخيرة أثبتت أن قدرات حزب الله القتالية لا تزال مرتفعة، فقد أطلق الحزب أمس الأحد 156 صاروخا على شمال إسرائيل خلفت 14 جريحا، وفق جمعية الإسعاف الإسرائيلية. كما تكبد الجيش الإسرائيلي خسارة 9 جنود في مواجهات مع حزب الله في مدينة بنت جبيل الأسبوع الماضي ليسجل بذلك أكبر عدد قتلى في يوم واحد. مما يعني أن حزب الله لا يزال طرفا في المعادلة رغم القصف الجوي الإسرائيلي على لبنان المستمر منذ 20 يوما. من ناحية أخرى تشير تقارير إلى أن الوضع شمال إسرائيل يزداد صعوبة حيث هرب مئات الآلاف من المدن التي تعرضت لقصف حزب الله، ولجئوا إلى مدن أخرى في الجنوب. مما يزيد من أعباء الحكومة الإسرائيلية، ويعرض الإجماع الشعبي الإسرائيلي للانهيار.
ترحيب ألماني
من ناحيتها رحبت ألمانيا اليوم الاثنين بتعهد إسرائيل بتعليق الضربات الجوية في لبنان لمدة 48 ساعة وقالت انها تأمل أن يؤدي التحرك إلى وقف إطلاق نار مستمر. وقال اولريك فيلهلم المتحدث باسم الحكومة في المؤتمر الصحفي الدوري "الحكومة تظل قلقة للغاية بشأن الموقف في الشرق الأوسط." وأضاف "غير أنها ترى في توقف الضربات الجوية الإسرائيلية لمدة يومين مؤشرا ايجابيا على ان ذلك يمكن استخدامه ليس فحسب من اجل توفير المعونة الإنسانية التي تعد هناك حاجة ماسة إليها ولكن أيضا في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن."
كما تفق رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل على ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان "في أسرع وقت ممكن"، خلال محادثة هاتفية اليوم الأحد، كما أعلن متحدث باسم بلير. وذكر البلدان في بيان مشترك ان "الأحداث المأساوية التي وقعت أكدت على الضرورة الملحة لوقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن". وأضاف البيان "ينبغي العمل الآن في نيويورك حول الشروط المسبقة لوقف إطلاق النار وهي اتفاق سياسي قائم على التطبيق الشامل للقرار 1559".
شعبية حزب الله في ازدياد
وسواء نجحت رايس في الوصول إلى اتفاق شامل لإطلاق النار أم لم تنجح فالحقيقة التي تتكشف عنها مجريات الأيام الأخيرة هي ازدياد كبير في شعبية حزب الله. فالحزب كسب سياسيا الكثير بسبب استهداف الجيش الإسرائيلي أعصاب الاقتصاد الوطني اللبناني، واستهتاره الشديد في التعامل مع حياة المدنيين، ولا أدل من قصف قانا الأخير على ذلك. وبذلك لم تدفع الضربات الإسرائيلية اللبنانيين إلى الاحتراب الداخلي وتحميل حزب الله مسؤولية الوضع الكارثي كما ظنت الإدارة الإسرائيلية، بل أدت إلى وحدة اللبنانيين وتكاتفهم في وجه عدوان غاشم من وجهة نظرهم. واكتسبت الحكومة اللبنانية، التي تضم أيضا وزراء من حزب الله، زخما جديدا بعد الإعلان عن وحدة الموقف الداخلي، والتمسك بمطلب الوقف غير المشروط لإطلاق النار.
على الصعيد العربي جاءت الحملة الإسرائيلية بنتائج عكسية تماما، فلقد ازدادت شعبية حزب الله في البلدان العربية رغم التحفظات التقليدية التي تشوب علاقة الحزب الشيعي بالمحيط العربي السني. الحركات الإسلامية مثل حماس والإخوان المسلمون أشادت بصمود حزب الله، ورفضت فتوى شيخ وهابي سعودي تمنع مناصرة حزب الله باعتباره حزب رافضي(شيعي). أما بالنسبة لرجل الشارع فإنه لا يكتم إعجابه وهو يتابع كيف يحطم حزب الله أسطورة الجيش الذي لا يقهر. هذه النتائج التي تمخضت عنها الحملة الإسرائيلية، سواء لبنانيا أم عربيا، ستصب في مصلحة التيار المتشدد وليس التيار المعتدل. مما يعني استمرارا للوضع المتأزم في المنطقة.
مبادرة أوروبية
تجتمع خيوط اللعبة السياسية في الشرق الأوسط في يدي سيد البيت الأبيض، فالإدارة الأمريكية هي الوحيدة التي تستطيع التأثير على حليفتها إسرائيل من أجل تحقيق وقف إطلاق النار. ولقد أثبتت الدبلوماسية الأمريكية نفوذها بعد أن عطلت قراري إدانة من مجلس الأمن بشأن استهداف القوات الإسرائيلية مقرا للأمم المتحدة ومبنى في قرية قانا. لذلك فالهامش المتاح للأوروبيين صغير للغاية، ولا يتجاوز المساعدة في إعادة الإعمار.
بالرغم من ذلك وفي انتظار ما ستفسر عنه مبادرة رايس، سارعت فرنسا في طرح مسودة قرار في مطلع الأسبوع تتضمن عناصر وقف مستدام لإطلاق النار واستعدادات لنشر قوة حفظ سلام في جنوب لبنان من المتوقع ان يناقشها مجلس الامن اليوم الاثنين او غدا الثلاثاء. وتقول مسودة القرار الفرنسي بان القوة يجب ألا تنشر قبل أن تتفق إسرائيل ولبنان "من حيث المبدأ" على إطار لوقف دائم لإطلاق النار. ويشار إلى فرنسا كثيرا على أنها الدولة المحتمل أن تقود هذه القوة والتي تأمل الولايات المتحدة إرسالها إلى جنوب لبنان باسرع وقت ممكن. من ناحية أخرى من المنتظر أن يجدد مجلس الأمن تفويض قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة والمتواجدة حاليا في جنوب لبنان لمدة شهر واحد فقط.