تطوير التعاطي الإعلامي مع قضايا الهجرة والاندماج محل الاهتمام الأوروبي
٢٦ نوفمبر ٢٠٠٦احتضنت مدينة إيسين الألمانية يومي 23 و24 نوفمبر/ كانون الثاني مؤتمر الإعلام الأوروبي الذي نظمته نخبة من المؤسسات الإعلامية الألمانية والأوروبية من أجل دراسة دور الإعلام التقليدي والجديد في دعم عملية اندماج المهاجرين والأجانب في ألمانيا ودول الإتحاد الأوروبي. وتحت عنوان "الهجرة والاندماج ـ التحدي الأكبر أمام أوروبا" وضع المشاركون جملة العوائق العملية التي تحول دون تفعيل دور المهاجرين في المجتمعات الأوروبية في مجال الإعلام وتعزيز الحوار بين الحضارات والأديان تحت المجهر. وفي مداخلته الافتتاحية قال وزير الأوقاف التركي البروفيسور محمد آيدين: "يجب علينا أن نعرف المزيد عن شركائنا في الحوار من أجل الدخول في حوار حقيقي وبناء، خاصة فيما يتعلق بالمواضيع الحساسة مثل الخصوصية الثقافية والدينية للآخرين". أما الأسقف كارل ليمان، رئيس مؤتمر الأساقفة الألمان، فقد أشار في هذا الإطار إلى "ضرورة احترام الإعلام لمعتقدات ومقدسات الآخرين"، معبرا عن أمنيته في "إقامة قداس مسيحي في المملكة العربية السعودية يوما ما".
"ضرورة تعزيز الحضور الإعلامي للأجانب"
ومن جانبها شددت البروفيسورة ماريا بومر، مكلفة الحكومة الألمانية بشؤون اندماج المهاجرين واللاجئين، على ضرورة تعزيز الحضور الإعلامي للألمان من أصول أجنبية كونهم جزء لا يتجزأ من الواقع الألماني، خاصة في مجال الإعلام المرئي، مشددة في مداخلتها القصيرة نسبيا على أهمية تجنب الصور النمطية خلال التغطية الصحافية للمواضيع الشائكة. وفي هذا السياق قالت بومر: "نحن بحاجة ماسة إلى حضور إعلامي أكبر للألمان الذين ينحدرون من أصول أجنبية ورؤيتهم على شاشة التلفاز. نحن لا نحتاج إلى صور تنقل النزاعات الدموية فقط، بل إلى صور تعكس التعدد الثقافي للمجتمع الألماني". وعلاوة على ذلك عبرت السياسية الألمانية عن قلقها من "هيمنة الصور النمطية السلبية على وسائل الإعلام"، كما دعت النخبة الإعلامية الأوروبية إلى العمل يدا بيد مع صناع القرار السياسي من أجل دعم عملية اندماج الأجانب وتقديم فرص التدريب المكثف لهم، لأن "توفر القدوة الحسنة والناجحة يشكل عاملا هاما يساهم في تحسين فرص نجاح الأجانب في المجتمع الألماني".
"التطرف الديني لا يعد حكرا على الإسلام"
أما السفير الإسرائيلي السابق لدى ألمانيا آفي بريمور فقد أشار إلى مسؤولية وسائل الإعلام فيما يتعلق بـ"التفريق بين كل ما هو ديني وبين كل ما هو سياسي، فالدين لا يشكل في الغالب السبب الرئيسي للنزاعات والحروب". كما نوه الأكاديمي الإسرائيلي صاحب الحضور الإعلامي الكبير داخل أوروبا إلى أن "الأمر يتعلق مرارا وتكرارا بجملة الأحكام المسبقة، التي تعد العائق الأكبر أمام النظرة الإعلامية الموضوعية"، مشيرا في مداخلته، التي تميزت بالدقة والحصافة، إلى أن "صراع إسرائيل مع جيرانها العرب لا يعود إلى أسباب دينية بالدرجة الأولى، بل إلى النزعة القومية لدى طرفي النزاع". كما لفت بريمور انتباه المشاركين إلى أن "التطرف الديني لا يعد حكرا على الإسلام فقط"، مذكرا بأن الأصوليين المسيحيين يلعبون دورا قويا في صناعة القرار السياسي الأمريكي".
نجاح ملموس للمؤتمر
وفي الختام أثنى فريتس برلايتجين، رئيس اتحاد الإذاعات الأوروبية ومدير عام إذاعة غرب ألمانيا WDR، على المؤتمر واصفاً إياه بـ"الناجح"، وذلك في كلمته الختامية، التي قال فيها: "لقد حضرنا إلى ايسن بهدف إجراء تبادل مكثف للأفكار يتعدى حدود الدول الأوروبية. ومن الواضح أننا نجحنا في ذلك." أما النجاح الملموس لهذا المؤتمر فيتمثل في موافقة إذاعة غرب ألمانيا ومؤسسة آنا ليند على تمويل برنامج جديد لتأهيل الصحفيين من المقرر ان يبدأ العام القادم. وسيركز البرنامج التأهيلي على سبل المعالجة الإعلامية لقضايا الهجرة والاندماج في أوروبا. وسيتم الإعلان عنه في كافة الدول الأعضاء في اتحاد الإذاعات الأوروبية ودول شمال أفريقيا.
ولعل أهم ما بقى في أذهان المشاركين بعد مغادرتهم لمقر انعقاد المؤتمر هو دعوة فرانس ينكين، ممثل إذاعة NPS الهولندية، إلى إظهار الجوانب الإيجابية للهجرة في وسائل الإعلام الأوروبية: "يجب ألا نجعل الجوانب السلبية لعملية الهجرة محل تركيز تغطيتنا الإعلامية، بل علينا إظهار النماذج الايجابية، التي أفرزتها التعددية الثقافية في البلدان الأوروبية." لذلك لن تغيب قضايا الهجرة والاندماج عن مؤتمر العام القادم، الذي سيعقد في العاصمة الفرنسية باريس، حيث ستتم مناقشة مدى النجاح، الذي حققته وسائل الإعلام الأوروبية في إطار مساعيها الهادفة إلى تطوير التغطية الإعلامية لقضايا الهجرة والاندماج من خلال تقاريرها السنوية.