تطبيق الشريعة في اتشه بعد عقوبة تسونامي "الإلهية"
١ يناير ٢٠١٥مر عقد من الزمن على كارثة التسونامي التي ضربت إقليم اتشه الاندونيسي، عندما قتلت الأمواج العالية أكثر من 160 ألف شخص ودمرت المنطقة بأكملها، ومسحت آثار المدن القريبة من السواحل. لكن الحياة عادت بعد الكارثة وأعيد بناء ما دمر بأموال الدولة الاندونيسية وأموال المساعدات الخارجية، التي يقدر حجمها بسبعة مليارات دولار. وعاد الصيادون إلى البحر وانتشرت الأسواق الحديثة في شوارع اتشه المبلطة وأعيد بناء الفنادق والمنازل والمساجد. لكن هناك وجها جديدا ظهر بقوة في المنطقة.
مقاطعة اتشه هي الوحيدة في البلد الإسلامي اندونيسيا الذي يطبق نظاما متشددا للشريعة الإسلامية. فالشريعة تطبق بحذافيرها "تغيرت الحياة العامة تماما خلال عشرة أعوام في اتشه"، يقول فيليكس هايدوك خبير الشؤون الاندونيسية في مركز العلوم والسياسة في برلين. ويشرح فيليكس، الناشط أيضا في منظمة "شاهد اندونيسيا" لحقوق الإنسان، بأن "عقوبة الجلد بدأت تطبق على كل من يلعب القمار، أو يشرب الخمر أو أي رجل وامرأة يخرجان معا. كما يمنع على النساء الخروج إلى الشارع من دون ارتداء الحجاب الشرعي".
تطبيق هذه الأحكام يتم عن طريق شرطة الشريعة العاملة بالتوازي مع الشرطة المحلية. ويقول فيليكس: "في المرة الأولى يتم تحذير المخالفين بلطف، وإذا أعادوا الكَرّة يتم تطبيق العقوبة بحقهم". ومن المعروف أن اتشه هو الإقليم الأكثر تشددا ومحافظة على الشريعة، كونه البوابة التي دخل إليها الإسلام إلى جنوب شرق آسيا. "ويرى المواطنون هناك أن كارثة التسونامي كانت عقوبة إلهية على الذنوب التي اقترفها الناس في الإقليم"، كما يقول فيليكس، الذي يشير إلى أن الجماعات الإسلامية المتشددة استغلت هذه النظرية كأداة لتطبيق الشريعة في الإقليم، ولا يمكن للناس أن يقاوموا هذا المفهوم، إذ يمكن اعتبارهم حينها "غير مسلمين".
منطقة قلقة
قبل كارثة تسونامي بعقود كانت مقاطعة اتشه مدمرة بفعل الحرب الأهلية بين الدولة وجماعات مسلحة تطالب باستقلال الإقليم عن اندونيسيا. ففي منتصف السبعينات ظهرت "حركة اتشه الحرة" التي دخلت في حرب مع الدولة، ومنذ التسعينات أعلنت السلطة المركزية بشكل غير رسمي إقليم اتشه منطقة عسكرية. وبعد فترة هدوء نسبية في الفترة بين عامي 2003 و 2004 اندلعت المواجهات العسكرية من جديد بعد قرار الرئيس الاندونيسي حينها ماغواتي سوكارنوبوتري اتخاذ الخيار العسكري لمواجهة الجماعات المسلحة. وقبل أشهر من كارثة تسونامي تراجعت جماعة "حركة اتشه الحرة" أمام قوة الجيش الاندونيسي. لكن مستشار الرئيس للشؤون الأمنية سوسيلو بمبانغ يودهونينو خسر في الانتخابات الإقليمية باتشه، بعد أن كانت المنطقة على وشك الانتعاش بسبب الاستقرار الأمني، ثم جاءت مباشرة بعدها أمواج تسونامي التي دمرت كل شيء.
نموذج لباقي المقاطعات
"بعد الكارثة توصل الطرفان المتنازعان في عام 2005 إلى اتفاق يقضي بمنح الإقليم صلاحيات أكبر، فدخلت الحركة إلى عالم السياسة وبدأت تستمتع بدورها الجديد"، كما يقول فيليكس هايدوك خبير الشؤون الاندونيسية في مركز العلوم والسياسة ببرلين. لكن الحزب الأكبر غير بشكل مفاجئ من توجهه العقائدي ليصبح إسلاميا. "كان هدف الحركة الأساسي هو الاستقلال وحقوق الإنسان خلال فترة النضال ضد المركز"، يقول هايدوك.
واليوم، لا ترى العاصمة الاندونيسية جاكارتا في توجه اتشه القوي نحو تطبيق الشريعة مشكلة كبيرة. ومازالت ترى في تحقيق السلام هناك نجاحا كبيرا، ولا تريد أن تتدخل، كما يعتقد هايدوك. لكن الخطورة تكمن، كما يرى مراقبون، في أن نموذج تطبيق الشريعة في اتشه بدأ يلقى قبولا في مقاطعات أخرى، مثل جاوا وكاليمانتان وسولواسي، في أكبر بلد مسلم يصل عدد سكانه إلى 240 مليون مسلم. وذلك رغم أن تطبيق الشريعة في مثل هذه المقاطعات لا يصل إلى حد الجلد كعقوبة في الأحكام المخالفة للشريعة.