تصريحات عنصرية "مستفزة" من شباب ألمان.. كيف يراها المهاجرون؟
٢٧ مايو ٢٠٢٤على جزيرة زولت الألمانية، حيث يقضي بعض الشباب الألمان ميسوري الحال إجازتهم، ظهروا وهم يحتفلون ويهتفون بطريقة عنصرية. منهم من أدى "تحية هتلر" وآخرون رددوا شعارات عنصرية معادية للأجانب مثل "ألمانيا للألمان" و"أخرجوا الأجانب".
عنصرية واضحة في قالب احتفالي، بلحن أغنية L’amour toujours للمغني الإيطالي جيجي داجوستينو، وهي أغنية مستخدمة في الأوساط اليمينية المتطرفة لنشر أفكار تعادي الأجانب. كان أول رد فعل رسمي حول الحادثة العنصرية التي انتشر الفيديو الموثق لها كالنار في الهشيم، تفاعل الشرطة السريع، حيث تم الإعلان عن فتح تحقيق في ما يحتويه الفيديو والمتورطين فيه.
اختراق يميني للمجتمع الألماني!
محمد عسيلة، الخبير في مجال الهجرة والاندماج، الذي يشغل منصب أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للوظيفة العمومية و الشرطة بمدينة دويسبورغ أيضا، في قراءته لمحتوى الفيديو المنتشر، قال "من صدرت عنهم تلك العبارات العنصرية هم شباب ألمان من فئة اجتماعية ميسورة، لا يعانون من ضائقة على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، وهو ما يظهر أن هناك نوعاً من الاختراق للخطاب اليميني المتطرف في المجتمع الألماني".
وأضاف المتحدث، أن "التخويف منهج يسلكه اليمين المتطرف، يجر فئات من المجتمع إلى الخضوع لخطاب سياسوي مؤدلج يمثل خطورة على الديمقراطية". وأبرز عسيلة أن "هذا الفيديو، أوضح أن المجتمع الألماني يعاني من جرح يجب أن نسهم جميعاً في معالجته بصفتنا مواطنين نؤمن بالتعددية والديمقراطية، وأن تسهم في ذلك مؤسسات الدولة والمؤسسات المجتمعية".
ردود فعل تعلن إحباطا وقلقاً!
تداوُلُ الفيديو أحدث ردود فعل حادة، سواء لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أو في أحاديث المواطنين اليومية. ومن بين من حصلنا على آرائهم حوله، ثريا، لاجئة سورية حاصلة على الجنسية الألمانية منذ سنتين، تعيش رفقة أسرتها في قرية قريبة من مدينة كوبلنز الألمانية، قالت في تعليقها لمهاجر نيوز، "إن العنصرية تجاه الأجانب واحدة فقط من بين أمور عديدة محبطة نعيشها في ألمانيا".
وأضافت المتحدثة قائلة "حتى وإن حصلنا على الجنسية، مثل هذه الأحداث تفسر لنا أنه لن يتم الاعتراف بنا كجزء من ألمانيا من قبل شريحة واسعة من المجتمع. مثل هذه الأحداث العنصرية تفقدني شخصياً الثقة في أن الوضع سيتغير نحو الأفضل في ألمانيا، وتؤكد لنا جميعاً أن القادم أسوء".
أما علاء، المهاجر اليمني الذي يعيش في ألمانيا منذ خمس سنوات، فاعتبر أن موضوع العنصرية كما ظهر في الفيديو، يخلق داخل المجتمع موجة كراهية متعددة الاتجاهات". وأضاف المتحدث قائلا "مثل هذه التصرفات، تخلق هوة بين أفراد المجتمع، فمن جانب ستحدث لدى بعض المتلقين الألمان تأثيرا سلبيا ويتبنون الفكر العنصري تأثراً، وعلى الجانب الآخر تخلق إحساسا باللا انتماء لدى الأجنبي الذي يحاول جاهدا أن يصير جزءاً من المجتمع الألماني".
اللاجئ السوري محمد محمد غير متفائل أبدا بما يحدث في ألمانيا، ويشعر أنه مهدد في بلد لم يختارها بنفسه للعيش فيها، بل اضطر لذلك بسبب الأوضاع المأساوية في بلده ويقول في تعليق له على موقع فيسبوك "الأيام القادمة أسوء للأجانب إذا استمر حزب البديل بالحشد وتجييش الشعب وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة في ألمانيا. ويبقى الأجانب هم الحلقة الأضعف".
من جهته، اعتبر اللاجئ السوري قيس جورج، فيرى الأمر بشكل مختلف "عندما أكون من بين دافعي الضرائب، فأنا لا أختلف عن أي ألماني آخر ولا يحق لأحد أن يطالبني بالخروج من هذا البلد".
أما أحمد، فيرى أن دور المهاجرين في بناء المجتمع الألماني لا يمكن إغفاله، ويضيف بالقول "إضراب ليوم واحد من جميع "الأجانب" في ألمانيا سيوضح للمتعاطفين أزمة الخطاب الشعبوي لليمين المتطرف. يوم واحد سيعطي القوى الديمقراطية زخماً لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد اليمين المتطرف".
سامي، يرى أن تصريحات عنصرية كهذه موجهة لأولئك الأجانب غير المنضبطين " من خلال تجربتي في ألمانيا، أرى أن كل شخص يعمل ويدفع ضرائبه وملتزم باحترام الآخرين مرحب فيه في ألمانيا".
وليس المهاجرون فقط من شعروا بالسوء من الحادثة، بل عبر ألمان كثر عن امتعاضهم من الإساءة لمجتمع المهاجرين واللاجئين في ألمانيا. ومن بينهم موريس كونغاد، الذي أكد في تغريدة على موقع X، أن "البلد يعاني من مشكلة النازية، التي تخترق المجتمع" واعتبر أن "في التقليل من شأن ذلك أو إخفاءه أو إضفاء طابع نسبي عليه هو إسهام فيه وخرق للدستور".
تصريحات سياسية منددة.. هل تكفي؟
ردود الفعل لم تتوقف في ألمانيا على آراء المواطنين وتعبيرهم عن امتعاضهم، وفتح تحقيق في الحادثة فقط، بل تجاوزت ذلك لتصل إلى المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي قال في تعليقه على الفيديو "مثل هذه الشعارات مثيرة للاشمئزاز وليست مقبولة ولا ينبغي أن يكون هناك أدنى شك في ذلك، ولذلك فإننا نقوم بالأمر الصحيح عندما نركز كل جهودنا لمنع انتشار مثل هذا الشيء".
وزراء مثل وزيرة الداخلية الفيدرالية نانسي فيزر، وبرلمانيون منتمون لمختلف الأحزاب، مثل يوهانس فاغنر، عبروا عن رفضهم لما حصل، إذ قال هذا الأخير في تغريدة على موقع X "عندما تصبح شعارات يمينية أو حتى أعمال إجرامية مثل تحية هتلر "ثقافة شعبية" فإن هذا يعني أن هناك مشاكل في بلدنا".
يتفق المتدخلون الذين أدلوا بتصريحاتهم لمهاجر نيوز، كما أغلب من عبر من السياسيين على رفضهم لمحتوى الفيديو، أن الحلول تتمثل بالأساس في محاربة العنصرية على مختلف المستويات وبشتى الطرق من طرف السلطات، وأيضا في تظافر الجهود للحد من تجليات الظاهرة.
وفي هذا الصدد، قال محمد عسيلة، الخبير في شؤون الهجرة والاندماج "إن مثل هذه التصرفات العنصرية التي وثقها الفيديو، تمثل ضربة قوية للديمقراطية، وأن لمثل هذه الفيديوهات نتائج كالإجهاد النفسي الذي يتعرض له الأجانب، فالعنصرية تجعل شريحة واسعة من المجتمع الألماني اليوم تشعر بالرفض والإقصاء والعداء، مما يؤثر سلبا على الصحة العقلية والجسدية أيضاً".
وأوضح عسيلة، أن خرجات السياسيين المنددة لها وزنها طبعاً، سواء منها تصريح شولتس أو وزيرة الداخلية الفيدرالية أو غيرهما من السياسيين الذين يتوعدون بالتصدي للتطرف اليميني، خاصة أن الفيديو جاء في مرحلة حاسمة في أوروبا، فنحن على أبواب انتخابات البرلمان الأوروبي وانتخابات داخلية أيضاً، مما يوضح اكتساح حزب البديل للخطابات". واعتبر المتحدث الحادثة "هدية من السماء للأحزاب التي تريد رفع دعوى قضائية لعرقلة اختراق حزب البديل من أجل ألمانيا المشهد السياسي أكثر".
سبب هذا الاختراق اليميني حسب المتحدث، يمكن إجماله في "توالي الأزمات الاقتصادية العالمية وأزمات الهجرة واللجوء والتغييرات الديموغرافية الذي صار بالنسبة للبعض تهديداً ثقافياً، إضافة لتنامي المد اليميني المتطرف الذي يشجع الهوية القومية، والذي صارت أفكاره تنخر أيضاً أحزاباً عُرفت تاريخياً كأحزابٍ ديمقراطية داخل ألمانيا. إضافة للماكينة الإعلامية التي تساعد على نشر هذه الأفكار في غياب إعلام حر قوي اقتصادياً وممولاً مثلها".
نتائج كارثية للعنصرية!
وأضاف المتحدث قائلا "أنه من أسوء نتائج العنصرية في ألمانيا "انخفاض مستوى الثقة بين أفراد المجتمع ومؤسساته، وتدني شعور الأفراد بالأمن، إضافة إلى الشعور بالدونية من قبل شريحة تعمل جاهدة منذ أجيال على بناء هذا المجتمع". ويدفع كل هذا حسب المتحدث إلى تكوين مجتمعات موازية، وهي "أسوء تجليات العنصرية في كل المجتمعات الغربية، ما يسبب من الرفع من منسوب العنف والتطرف من الجانبين".
الحل والمطلوب حاليا حسب المتحدث، هو إيلاء الأهمية للتربية والتعليم، باعتباره المجال الذي يمكن من خلاله مواكبة كل الفئات العمرية للمجتمع وتأطيرها بشكل يبعدها عن التشنج والعنف وإقصاء الآخر.
في انتظار تحقق بعض من هذه الآمال، يظل تزايد الحوادث العنصرية في ألمانيا مقلقاً بالنسبة لجزء كبير من المجتمع، والسلطة أيضا. وقد سجل في الأسبوع نفسه حوادث أخرى في مناطق متفرقة، منها هجوم عنيف في آيخستات على امرأتين إيرانيتين في بافاريا شغلت السلطات.
وقد تم القبض على رجل يبلغ من العمر 40 عامًا، بعدما أهان امرأتين إيرانيتين في آيخشتات بترديد شعارات معادية للأجانب، وفقًا للشرطة. وحسب ما أكده تقرير لموقع BR24 الإخباري الألماني، ضرب الرجل الأربعيني السيدتين على وجهيهما. أصيبت إحداهما بكسر في أنفها وأصيبت الأخرى بجروح في وجهها. ويُنتظر متابعة الرجل بتهمة الإيذاء الجسدي والتحريض على الكراهية، حسب المصدر ذاته.