بوش لم يكشف بوضوح عن استراتيجيته القادمة
تبدأ اليوم الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي المنتخب ثانيةً جورج بوش. يستقبل البيت الأبيض ساكنه في مزاج احتفالي، فلقد وصلت الميزانية المرصودة للإحتفالات إلى رقم قياسي. ورغم دعوة بوش إلى وحدة الأمة في هذا اليوم، فلقد أعلنت مجموعات كثيرة عن قيامها باحتجاجات مناهضة للاحتفال. ويطمح بوش في هذه الفترة إلى تنفيذ اصلاحات داخلية في قطاعات التأمينات الصحية والمعاشات، كما يسعى إلى إقرار الأمن في العراق وايجاد حل للصراع العربي الاسرائيلي على الصعيد الخارجي.
البساط الأحمر
يؤدي الرئيس الأمريكي جورج بوش اليوم الخميس اليمين الدستورية ليبدأ فترة ولايته الثانية رسمياً. ويستمر الحفل طوال اليوم، حيث يتدفق الآلاف على العاصمة الفيديرالية واشنطن ليشتركوا في الحفلات والمسيرات التي تعقد بهذه المناسبة. وسيصل الحفل إلى ذروته في الساعة السادسة مساءً، حيث سيؤدي بوش القسم الدستورية على عتبات "كابيتول هول" مقر الكونجرس الأمريكي واضعاً يده فوق الكتاب المقدس، ثم ينطق بالقسم متعهداً بصيانة الدستور أمام كبير القضاة الأمريكين. بعدها تُطلق المدافع 21 طلقة احتفالية، ثم يلقي بوش خطاباً يستمر نحو ربع الساعة. وكما جرت يتناول فيه الرئيس سياسة البيت الأبيض في المرحلة المقبلة. وبعد الفراغ من الطقوس الإحتفالية يقطع الرئيس جادة بنسلفانيا التي تربط مقر الكونجرس بالبيت الأبيض في موكب مهيب من السيارات، ويلوح لآلاف المشاهدين المصطفين على جانبي الطريق.
ستستقبل العاصمة واشنطن، والتي صوتت لمصلحة المرشح الديموقراطي جون كاري في الإنتخابات الأخيرة، اكثر من مائتين وخمسين ألف ضيف في هذا اليوم. وتقام مراسم الإحتفال وسط اجراءات أمنية غير مسبوقة، فهو أول احتفال تنصيب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لذلك تم حشد عشرة آلاف رجل من قوات الشرطة والجيش لتأمين المراسم. كما ستحلق طائرات بلاك هوك الحربية في سماء العاصمة، ومُنعت حركة الطائرات المدنية إلا بتصريح خاص. ولقد وصلت تكاليف الإحتفالات إلى رقم قياسي يقدر بـ 40 مليون دولار يمول معظمها من تبرعات الشركات الصناعية الكبيرة، أما تكاليف الاجراءات الأمنية فستُدفع كلها من ميزانية الدولة، وكأن مدينة واشنطن تنتقم لمرشحها المفضل.
متاعب داخلية
بوش هو الرئيس الثالث والأربعون في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدأ فترة ولايته الثانية بنسبة تأييد شعبي تقل عن أي رئيس أمريكي في التاريخ الحديث وبلغت نحو 50 بالمائة. فلقد أسفرت الإنتخابات الأمريكية الأخيرة عن "شرخ" في وحدة الأمة الأمريكية وذلك على حد قول المراقبين .هذا يعني أن بوش لن يتمتع بشهر عسل بعد توليه المنصب، نظراً للإنقسامات الحزبية التي استقطبت الكثير من الأمريكيين. وأظهر الإستجواب الذي قاده الديمقراطيون في مجلس الشيوخ "لكوندوليزا رايس" وزيرة الخارجية الجديدة عزمهم على مواصلة الضغط على بوش.
ويعترض كثيرون على سياسة بوش الخارجية، كما يعترضون على التكلفة الباهظة للإحتفالات، خاصةً لمجيئه بعد كارثة الفيضانات في آسيا. ويعتزم معارضون تنظيم احتجاجات مناهضة للإحتفال اليوم، منها مسيرة معارضة للحرب في منتزه "مالكولم اكس"، كما تنظم الإحتجاجات على طول جادة بنسلفانيا، يدير خلالها المواطنون ظهورهم للرئيس في حركة رمزية تعبر عن عدم ترحيبهم به.
الفجوة مع أوروبا
"تحركنا الأحداث ويقودنا المنطق إلى نتيجة واحدة: يعتمد بقاء الحرية في أراضينا بدرجة كبيرة على نجاح الحرية في الأراضي الأخرى." مقتطف وزعه البيت الأبيض من خطاب بوش. ربما يعكس هذا رغبة الرئيس المنتخب في إكمال السياسة التي بدأها في ولايته الأولى، والتي تعطي الأولية إلى محاربة الإرهاب. فقبل أن تهدأ الأوضاع في العراق، وقبل أن تتحقق الحرية والديمقراطية فيه، لوح بوش عشية تنصيبه باستخدام القوة لوقف البرنامج النووي الإيراني. مما أثار في المعسكر الأوروبي مخاوف كثيرة من استمرار حالة الشقاق بين جانبي الأطلنطي. فكما هو معروف حصدت الحرب على العراق اختلافات حادة بين أمريكا وأوروبا كما لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية.
وقد أظهرت ردود الافعال الأوروبية تمسكها بسياستها الهادئة في محاورة إيران، فلقد أبرزت صحيفة "تاجس تسايتونج – دي تاتس" البرلينية في عددها اليوم تصريح جاك سترو وزير الخارجية البريطاني الذي قال فيه بأن الإستراتيجية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي هي "أفضل من بدائلها"، مشيراً ضمنياً إلى الخيار العسكري الذي تحدث عنه بوش. وأضاف: "من يقولون بأنه ليس في مقدورنا ابرام اتفاقية حاسمة (مع إيران) يجانبهم الصواب." وهكذا تقترب بريطانيا، على الأقل بشأن هذه القضية، من ألمانيا وفرنسا حيث كان البلدان من أقوى المعارضين للحرب على العراق.
هيثم الورداني