بعد أحداث كولونيا – هل تجني أقلية على الأغلبية المهاجرة؟
٢٥ يناير ٢٠١٦تتجدد في ألمانيا النقاشات حول اللاجئين القادمين من بلدان في الشرق وحول فرص اندماجهم في مجتمع ذي ثقافة غربية بحتة. نقاشات لم تخل من مخاوف تهديد السلم الاجتماعي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الاجتماعية ومظاهرها مثل المعاملات بين الجنسين. ويصبح ذلك أكثر خطورة عندما ينتشر منظور التعميم انطلاقا من أحداث حالات فردية، كما حدث في مدينة فرايبورغ الألمانية مثلا، عندما منع لاجئون من دخول نوادي ليلية وقاعات رقص، في أعقاب سلسلة من الحوادث ُزعم أن أجانب متورطون فيها.
إجراءات عنصرية؟
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "باديشه تسايتونغ" الألمانية في عددها الصادر نهاية الأسبوع – استنادا إلى بيانات أصحاب هذه النوادي – أن تلك الحوادث تتعلق خاصة بتحرش جنسي بنساء ومحاولة اغتصاب. وأوردت الصحيفة أن هؤلاء يتخوفون من أن تؤدي تلك الحوادث إلى تراجع عدد زبائنهم، حيث يقول بيتر بيتش، صاحب أحد الملاهي الليلية في فرايبورغ، بأنه لاحظ أن "الكثير من النساء لم يعدن يشعرن بالأمن". ويقول ميشائل موزيول، صاحب "دار الجاز" في فرايبورغ: "نحن نعير أهمية كبيرة لأن يكون نادينا منفتحا على العالم"، ملاحظا في الوقت ذاته: "لكن لا يمكننا أن نترك الأمور تسير على هذه ألاحوال. فما نؤمن به من جهة، والواقع من جهة أخرى أمران يختلفان عن بعضهما البعض." ووفقا لصحيفة باديشه تسايتونغ، فإن أصحاب النوادي الليلة وصالات الرقص يخشون أن يهجرهم زبائنهم بسبب عدم القيام بإجراءات لمواجهة هذه المشكلات.
هذه الحادثة ليست بالأولى، فبعد أحداث الاعتداءات الجنسية كانت هناك أعمال سرقة ليلة السنة الميلادية والتي لم تقتصر على مدينة كولونيا فحسب وإنما طالت 12 من إجمالي 16 مقاطعة ألمانية. ووفق أحدث تقرير للشرطة الألمانية نقلته صحيفة زود دويتشه تسايتونغ نهاية الأسبوع، سجلت بعدها عدة حوادث مشابهة. في مدينة بورنهايم الألمانية قررت السلطات منع اللاجئين من دخول المسابح العمومية بسبب شكاوى التحرش قبل أن تتراجع عن قرارها، وهاهي أيضا مدينة لايبتسيغ تسجل شكاوى مماثلة متكررة من نساء من رواد مسابح عمومية تردد أنهم من اللاجئين ذوي الملامح العربية والمغاربية.
"حوادث فردية لا يجوز تعميمها"
وفيما يستغل اليمين المتطرف مثل هذه الحوادث لشحن الأجواء ضد اللاجئين، يرى الكثيرون أن هذه الحوادث فردية ولا يجوز تعميمها على كل اللاجئين الذين تجاوز عددهم المليون شخص. كما حذر صناع القرار من اتخاذ إجراءات عامة ضد مجموعة معينة على غرار اللاجئين ذوي الملامح العربية أو المغاربية، كمنعهم من دخول ملاهي ليلية أو مسابح عمومية. وفي سياق متصل، حذر عمدة مدينة فرايبورغ أولريش فون كيرشباخ من مثل هذه التصرفات الأحادية، وقال "لا يمكن معاقبة مجموعة بأكملها بسبب تصرفات البعض." وأكد في تصريح لصحيفة باديشه تسايتونغ في عددها الصادر مطلع الأسبوع بالقول: "في الوقت نفسه لا يجوز ترك فراغات في ما يتعلق بالجنح والجرائم وكذلك لا يجوز أن يُفهم التسامح بشكل خاطئ." وأيده في ذلك المتحدث باسم شؤون السياسة الداخلية لحزب الخضر المعارض فولكر بيك: "في دولة القانون لا أحد يتحمل أخطاء الآخرين. وإلا لفتحت للعنصرية الأبواب على مصراعيها"، مشيرا إلى قانون المساواة الذي يحظر التمييز بين الأشخاص على أساس العرق أو الانتماء الديني.
مخاوف لدى أبناء المهاجرين العرب
في غضون ذلك، تزداد المخاوف لدى أبناء المهاجرين –وخاصة المغاربيين منهم والذين يقيمون في ألمانيا منذ مدة طويلة من أن يزج بهم في خانة واحدة مع "الوافدين الجدد والمتورطين في أعمال التحرش الجنسي والسرقة". واحدة منهم نجلاء، وهي مدرسة من أصول تونسية ولدت ونشأت في ألمانيا، حيث تعتبر أن "من يبحث هنا عن الأمن ووطن جديد، ويرحب به بكرم، وفي الوقت نفسه لا يجد شيئا آخر أفضل من احتقار النساء والتحرش بهن، فلا يستحق البقاء في ألمانيا." وتضيف قائلة في حديث لبرنامج شتيرن تي.فاو على قناة أر.تي.أل الألمانية الخاصة:"في نهاية المطاف عندما يصدمني أحدهم في المترو أو عندما يبصق علي أحدهم، فإن ذلك يألمني جدا. ذلك أنه ليس الأوغاد (الذين اعتدوا على النساء بالتحرش والسرقة) في كولونيا هم الذين سيتحملون تبعات ذلك وإنما أنا (ذات الأصول الأجنبية)." إنها أقلية ضئيلة منحرفة تجنى على الأغلبية المسالمة من اللاجئين الذين يأملون في عيش كريم في ألمانيا، كما تجني أيضا على آخرين لا يعرفون وطنا آخر غير ألمانيا ولا يرتبطون بأوطانهم العربية سوى من خلال الأسماء والملامح"
الجندية الألمانية من أصول مغربية ناريمان راينكه انتقدت من يضع جميع اللاجئين في خانة الاتهام، حيث كتبت – في أعقاب اتهام لاجئين من أصول مغاربية بأعمال تحرش وسرقة ليلة رأس السنة الميلادية في كولونيا على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي قائلة: "الاغتصاب جريمة في المغرب أيضا. والمسلمون يعتبرون هتك عرض المرأة من الكبائر". وتضيف ناريمان راينكه قائلة: "مرة أخرى (أقولها) للجميع: لا، لا يمكنني رغم أصولي المهاجرة ورغم ديني أن أتصور أن النساء يتعرضن للاغتصاب – بغض النظر عن أي طرف (...) عدم إلحاق الضرر بأي شخص كان دائما أمرا بديهيا في كل مكان في الداخل والخارج."
وفيما يستمر الجدل على الصعيد السياسي بشأن تحديد سقف عدد اللاجئين القادمين إلى ألمانيا، تبقى النقاشات دائرة حول تلك الأقلية من اللاجئين التي يعتبرها البعض مسيئة للأغلبية المسالمة وللمواطنين الألمان ذوي الأصول العربية والمسلمة. كريستينه لودرز، مديرة مكتب مناهضة العنصرية لدى الحكومة الألمانية، اعتبرت أنه كيفما كان الأمر فإن الأجواء المشحونة عقب أعمال التحرش الجنسي والتي تعرضت لها النساء خلال احتفالات ليلة رأس السنة "لايجوز أن تثار للتشكيك في كل اللاجئين"