"انسحاب القوّات الأمريكية لا يعني تخلي واشنطن عن العمليّة السياسية في العراق"
٢٩ يونيو ٢٠٠٩بانسحاب القوات الأمريكية، والبالغ عددها 131 ألف جندي، من جميع المدن العراقية إلى خارجها، يبدأ العراق صفحة جديدة من تاريخه. ويُنظر في بغداد إلى هذا الحدث كخطوة مهمّة على طريق طويل ووعر ومليء بالدّماء نحو استعادة العراق لسيادته عقب الاجتياح العسكري الأمريكي للعراق عام 2003، والذي أدّى إلى الإطاحة بصدّام حسين، كما وتسبب في الوقت نفسه في اندلاع أعمال العنف بين الطوائف الدينية والعرقية في بلاد الرّافدين.
مهمّة صعبة وبالغة الأهمّية
واحتفالا بهذا بانسحاب الجنود الأمريكيين تعتزم الحكومة العراقية تنظيم عددا من التظاهرات الاحتفالية، من ضمنها استعراض عسكري كبير وحفلات موسيقية ولوحات رقص شعبية، في شوارع بغداد وعدد من المدن العراقية الأخرى. من جانبه وصف رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي انسحاب القوّات الأمريكية من المدن العراقية "بالنّصر العظيم"، هذا على الرّغم من أن الأيام القليلة الماضية شهدت سلسلة من العمليات الإرهابية الجديدة، التي أودت بحياة أكثر من مائتي شخص.
وبانسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية تستعد القوات العراقية لتولّي مهمّة الحفاظ على الأمن والاستقرار في تلك المدن، حيث سيتم نشر نحو 130 ألف جندي و180 ألف شرطي فقط في العاصمة بغداد. وإجمالا من المقرّر أن يتولّى نصف مليون شرطي و250 ألف جندي القيام بمهمة حفظ الأمن في العراق، بينما من المنتظر أن تختفي المظاهر العسكرية الأمريكية من شوارع المدن العراقية.
ترحيب شيعي وتحفّظ سنّي
وعلى الصعيد السياسي رحب الكثير من الساسة المنتميين إلى الأغلبية الشيعية بإعلان الانسحاب الأمريكي، على الرّغم من أن الشيعة العرب هم من استفادوا بالدّرجة الأولى من سقوط نظام صدّام حسين. على الجانب الآخر أعرب العديد من السّنة عن تحفّظهم، على الرغم من أن الأمريكيين كانوا قد تمكّنوا من السّيطرة على الوضع في بعض الأقاليم السّنية من خلال إشراك القبائل المحلية في عمليّة مكافحة الأعمال الإرهابية. وبهذا الإشراك تمكّنت القوات الأمريكية من السيطرة على المناطق المضطربة ذات الأغلبية السنية، حيث تراجعت أعمال العنف بشكل ملحوظ منذ عام 2006، وهو العام الذي سُجّل فيه أكبر عدد من العملياّت الإرهابية والانتحارية.
لكن العديد من البرلمانيين العراقيين ابدوا تفاؤلهم في أن تتمكّن القوات العراقية من السيطرة على الوضع في البلاد دون مشاركة أجنبية. في هذا السياق يقول إياد جمال الدين، النائب البرلماني اللّيبرالي الشيعي إن القوات العراقية أكثر قدرة من القوات المتعدّدة الجنسيات على أداء هذه المهمّة بنجاح، مشدّدا على أن رجل الأمن العراقي قادر على التعرّف على الناس وتمييزهم بشكل أفضل من الأجنبي، بالإضافة إلى معرفته الجيّدة بجغرافيا البلاد. كما أعربت النائبة السّنية شذى العبوسي عن ثقتها في أداء القوات العراقية مهمتّها بنجاح، مناشدة في هذا السياق مواطنيها بالتّعاون مع القوّات الأمنية العراقية لاستتباب الأمن في البلاد.
تحدّيات داخلية وخارجية
بيد أن كلا النائبين العراقيين توقّعا أن تواجه القوّات العراقية تحدّيات كبيرة في فرض سلطتها في المدن العراقية. وهذه التحديات لاتكمن ـ كما يقول جمال الدّين ـ في الصراعات الداخلية بين المجموعات الدينية والطائفية والمذهبية، بل وأيضا التحديات الناجمة عن التدخلات الخارجية والتنافس الإقليمي، كما هو الحال بالنسبة لإيران وسوريا والسّعودية التي تتنافس فيما بينها لبسط نفوذها على العراق. وليس سرا أن تمويل بعض الجماعات المسلّحة للقيام بعمليّات إرهابية لزعزعة استقرار البلاد يأتي من الخارج، الأمر الذي من شأنه أن يشكّل تحدّيا كبيرا أمام القوات العراقية.
لكن ليس من المتوقع أن تدير الولايات المتحدة ظهرها للعراق قبل أن تتمكّن الحكومة والأجهزة الأمنية من السّيطرة على زمام الأمور في البلاد، ذلك أن القوّات الأمريكية لن تنسحب من الأراضي العراقية وإنمّا ستبقى مرابطة بالقرب من المدن العراقية، حيث سيبقى على الأقل جزاء منها حتّى نهاية عام 2011. في هذا السياق ترى النائبة شذى العبّوسي أن انسحاب القوّات الأمريكية من المدن العراقية لا يعني انسحاب الولايات المتّحدة من العمليّة السياسية في البلاد. وتشير السّياسية العراقية، رغم ثقتها في كفاءة القوات العراقية وفي عملية الاتفاق الوطني في بلادها، إلى أن دور الولايات المٌتّحدة في العراق من شأنه أن يساهم في تبديد مخاوف البعض من انزلاق العراق في دوّامة العنف مرّة أخرى.
الكاتب: حسن حسين / شمس العياري
تحرير: عبده جميل المخلافي