اليمن - الميليشيات المتناحرة تلتقي حول إستهداف الصحافيين
٢٩ يونيو ٢٠١٥"في إحدى النقاط العسكرية التي تفرضها المليشيات المسلحة في محافظة تعز جنوب اليمن أوقفني مسلحون وطلب مني أحدهم أن أوقف سيارتي على جانب الطريق والنزول لمحادثته وفور أن ترجلت من سيارتي شد أحدهم يدي وقام آخر بعصب عيني"، هكذا يروي (ه. ش .س ) الذي فضل عدم ذكر إسممه، وهو واحد من بين عشرات الصحفيين الذين تعرضوا للاعتقال من قبل المليشيات الحوثية وتم ايداعهم في السجون بتهمة الخيانة والتواطؤ مع قوات التحالف السعودي .
ويواصل الصحفي اليمني سرد قصة اعتقاله في حديث لـ DWعربية قائلا" فور اعتقالي قام المسلحون بنقلي عبر سيارة من نوع لاند كروزر "شبح" كما يسميها الأهالي في بلدنا إلى مكان مجهول. لم أعرف حينها أين أنا ولماذا أنا معتقل وماهي التهمة الموجهة لي؟.. وبعد مرور قرابة 30 ساعة من اعتقالي تم ترهيبي بالقتل وأخبرني أحدهم أنني في قبضة جماعة الحوثي وأواجه تهمة التواطؤ مع" العدوان "السعودي نتيجة لحديثي مع بعض قنوات التلفزة خصوصا لبرنامج "العربية الحدث"، حينها بدأت أشعر بالقلق الشديد وما قد يؤل إليه مصيري في ظل ظروف بلد تحكمه مليشيات متقاتلة".
وخلال التحقيقات معه، حوال الصحفي (ه. ش .س ) أن يوضح لمعتقليه أنه لم يكن يعمل لحساب أحد وأنه صحفي محايد، غير أن المسلحين رفضوا الافراج عنه حينها، ويقول "بعد تدخل شخيصات قبلية تم الافراج عني في 10/يونيو 2015 مقابل تعهدي بعدم ممارسة أي نشاط صحفي" .
الإستغاثة بالقبيلة
يعمل الصحفيون في اليمن بظروف خطرة للغاية بعد ان مزقت هذا البلد الكيانات المتصارعة على السلطة، فهناك المليشيات الحوثية التي تسيطر على غالبية مناطق الشمال وخصوصا المناطق ذات الاغلبية الزيدية، وهناك مجموعات مسلحة مؤيدة للرئيس هادي عبد ربه منصور وما يطلق عليه "المقاومة"المؤيدة للشرعية، والتي تواجه الحوثيين ويتركز تواجدها كثيرا في المناطق الجنوبية والوسطى "تعز ،عدن ،الضالع " ذو الاغلبية السنية(الشافعية) الرافضة لحكم الحوثي "الشيعي" والذي تتهمه السعودية بالتحالف مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح والانقلاب على السلطات الشرعية الممثلة بالرئيس هادي.
"المليشيات المسلحة المتقاتلة في اليمن لا تفرق بين الصحفي والمحارب"ولا تحترم حرية الإعلام كما يقول الصحفي شاكر الشرعبي الذي يعمل في صحيفة "الناس" القريبة من حزب "الاصلاح" الذي يتزعم إحدى جبهات القتال ضد جماعة انصار الله الحوثية في محافظة تعز جنوب اليمن أكثر المناطق سخونة.
ويتابع شاكر في حديثه لـ DWعربية "هناك مناخ عدائي للصحفيين وباتت التغطية الصحفية للأحداث ذات التوجه المحايد صعبة للغاية وشبه معدومة، سواء كانت في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين أو التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة تابعة للرئيس هادي "والمقاومة". في حين يقول أنيس الجهلاني وهو صحافي مستقل يعمل في المؤسسة العامة للتلفزيون بصنعاء التي تقع تحت نفوذ جماعة الحوثيين، أن هذه الجماعة فرضت التعتيم والإقصاء وقلصت هامش الحريات وخصوصا حريات الصحافة التي كانت موجودة سابقا، موضحا: ان هناك عشرات من الصحفيين معتقلين في حين تم قتل آخرين، اضافة إلى إغلاق بعض الصحف وتعرض الأخرى للسطو من قبل الجماعات المسلحة وخصوصا الحوثية فضلا عن حجب عشرات المواقع الصحفية على شبكة الانترنت.
صحفيون في قوائم سوداء وكدروع بشرية
ومن أكثر الفصول مأساوية للصحافيين في اليمن، كما يقول الصحفي أنيس لـDW عربية، إقدام جماعة الحوثيين على "نشر عدد من القوائم السوداء بأسماء وصور صحفيين قالوا إنهم يواجهون تهم الخيانة والعمالة لما يصفونه بالعدوان السعودي"، وهو ما دفع بكثير من الصحفيين إلى الهروب خارج البلاد خوفا من تعرض حياتهم للخطر و"هذه سابقة خطيرة لم تحدث في تاريخ الصحافة اليمنية" كما يقول الجهلاني، في المقابل يقول شاكر إن المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة المؤيدة للرئيس هادي "لا يزال فيها متنفس من الحرية الصحفية".
مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي "منظمة تعني بالحقوق والحريات " كانت مليشيات الحوثي قد اقتحمت مقر منظمته في صنعاء الشهر السابق وقامت بنهب ممتلكاتها بتهمة توجهات رئيسها وميوله لحزب "الاصلاح" الإسلامي.
ويؤكد نصر في لقاء مع DW عربية ان "الصحافة في بلدنا تعيش وضعا سيئا لم نشهده منذ ما قبل إعلان التعددية في اليمن موضحا: ان الحوثيين باتوا يتخذون من الصحفيين دروعا بشرية في الصراع" مستشهدا بمقتل الصحفيين "عبدالله قابل، ويوسف العيزري" اللذان وضعتهما جماعة الحوثي في احد المراكز العسكرية المستهدفة من التحالف السعودي بقصد تعريضهم للقتل.
وفي ظل هذه الاتهامات الموجهة إلى جماعة الحوثي كأحد الجماعات التي تنتهك حرية الرأي والصحافة في اليمن، نفى عضو المكتب الإعلامي للحوثيين، حامد البخيتي، هذه الاتهامات قائلا في حديث مع DWعربية إن الاتهامات التي تسوقها المنظمات الدولية الحقوقية والصحفية ضد جماعته "تأتي في إطار الحملة الغاشمة التي يقودها العدوان السعودي ضد اليمن". مضيفا أن "العدوان السعودي يستهدف المقدرات اليمنية بما فيها البشر". ويضيف قائلا:"من يقوم بقتل الصحفيين هو التحالف السعودي ونحن لانعرف ماهي مشاريعه المستهدفة في اليمن نافيا في الوقت استخدام الصحفيين كدروع بشرية".
وفي الوقت الذي تتهم فيه الكيانات الداخلية المتصارعة على السلطة في اليمن بممارسة القمع ومحاولة تغييب حرية الإعلام إلا أن عددا من المراقبين يشيرون باصبع الاتهام إلى طرف ثالث ويتهمونه بنتهاكات في حق الصحافيين، أي قوات التحالف السعودي الذي يحاول، برأي صحافيين تحدثوا لـDW عربية، "إخفاء جرائم العدوان على اليمن من خلال استهداف المقرات الإعلامية ووسائل الإعلام التابعة للحوثيين وصالح". قوات التحالف "تحاول ممارسة التضليل عبر نشر الشائعات والأكاذيب وإخفاء الحقائق عن طريق وسائلها الإعلامية" كما يقول سكرتير تحرير اليمن اليوم في حديثه لـDW في حين يقول الصوفي أن "الرئيس هادي والقوى التي تسمي نفسها بالشرعية المتواجدة في الخارج والمتحالفة مع السعودية تتولى منع الصحفيين في اليمن من العمل ومعاقبة من لم يواليها".
مسؤولية حماية الصحفيين
ومن جهتها رصدت منظمة "حرية " وهي منظمة مجتمع مدني يمنية تعني بالحقوق والحريات الصحفية، في أحدث تقاريرها 359 انتهاكا تعرض له الصحافيون في اليمن، وتنوعت تلك الانتهاكات بين القتل والتعذيب والاحتجاز والحجب والالغاء والمصادرة والاغلاق، وذلك منذ عام 2014 حتى مطلع العام الجاري. في حين وصف اتحاد الصحفيين العرب والاتحاد الدولي للصحافة هذه الانتهاكات بـ"الخطرة" وحمل مسؤوليتها الأطراف المتنازعة على السلطة في اليمن وقال في بيانه الأخير ان ثمانية صحفيين تعرضوا للقتل منذ مطلع العام الجاري.
وفي ظل الجدل الدائر حول المسؤولية عن حماية الصحفيين، يطرح سؤال أساسي: من يرتكب الانتهاكات والقمع للحريات الصحافية؟
يقول نبيل الصوفي رئيس وكالة "خبر" التابعة في ملكيتها للرئيس السابق صالح، إن"المجتمع في حالة تشظي(انقسام) وجرائم الانتهاك يمارسها من يملك قرار الانتهاك، وفي اليمن هناك أطراف عدة". في إشارة إلى تحميل الجميع المسؤولية، ويوافق الصوفي في الرأي عبدالملك الفهيدي رئيس موقع "المؤتمر نت" ذو التوجه الحزبي المتقارب مع الصوفي، حيث يقول إن الاجهزة الحكومية وعلى رأسها الأمنية هي من يتحمل مسؤولية حماية الصحفيين.