النص الكامل للمقابلة مع رئيس البرلمان الالماني
دويتشه فيلله: سيد تيرزه، تكثف ألمانيا حوارها مع العالم العربي. فبعد مشاركته كضيف شرف في معرض فرانكفورت للكتاب استضاف البرلمان الألماني فعالية "أيام العالم العربي"، ماذا تحقق من خلال ذلك؟
تيرزه: تم من خلاله تعزيز الاتصالات والتواصل بين الجانبين بغض النظر عن التفاصيل. والجيد هنا أن الحوار تم في أجواء صريحة.
دويتشه فيلله: ما هي المجالات التي ينبغي تركيز الحوار عليها؟
تيرزه: ينبغي للحوار أن يشمل القضايا السياسية. هناك مصالح مشتركة بين ألمانيا والعالم العربي/ الإسلامي على صعيد إيجاد حل سلمي للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي واستقرار الوضع في العراق وتخفيف التوتر مع إيران. ومن الطبيعي أن الأمر يتعلق أيضاً بالتعاون الاقتصادي لاسيما وأن الشرق الأوسط، أي السعودية وجيرانها مهمون جداً لألمانيا وأوربا كمزودين للنفط وكشركاء اقتصاديين كذلك. من جهة ثالثة لا بد من اللقاء لبحث التعاون الثقافي والحوار الديني. هنا يوجد الكثير من الأحكام المسبقة التي لا بد من التغلب عليها من خلال التعرف على بعض عن قرب. وهذا أمر هام لا يمكن تحقيقه عبر التلفزيون والصحف.
دويتشه فيلله: أنت من المهتمين بتشجيع الحوار مع العالم العربي، أين تكمن نقاط ضعفه ونقاط قوته؟
تيرزه: ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال. أقول مرة أخرى هناك مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة. أما نقاط الضعف فتكمن في الاختلاف بين العالم العربي وأوروبا على أصعدة التكوين الثقافي والتاريخي وما نتج عن ذلك من سوء فهم على ضوء عدم معرفة كل طرف بالآخر بشكل دقيق. هنا لا بد من الإشارة مثلاً إلى أن الدين يلعب في البلدان العربية دوراً أكبر بكثير مما هو عليه الحال لدينا. وهو دور مهيمن بالنسبة لنا. وعلى العكس يرى العالم العربي والإسلامي أن الدين يلعب دوراً ضعيفاً للغاية في أوروبا. كما يرى أن الغلبة فيها للقيم المادية وقوى السوق وتعسفه.
دويتشه فيلله: يريد الغرب غالباً لعب دور المعلم أثناء الحوار مع العالم العربي/الإسلامي، كيف يمكن لألمانيا أن تلعب دوراً آخر؟
تيرزه: لست متأكداً أن الغرب يتصرف كمعلم، إذ لا بد من الحذر هنا. هناك أيضاً من يتهم الغرب بأنه يقوم بحملات دينية تبشيرية مقصودة ويحرم التواصل معه. على العكس يرى الغرب أن التعايش المشترك بين الناس على اختلاف مذاهبهم يتطلب التسامح والتعددية الدينية. وهذه الأخيرة ليست أمراً بديهياً في العالم الإسلامي الذي لا توفر غالبية بلدانه حرية الأديان. إن هذه الحرية نتاج تجربة أوروبية طويلة لا نستطيع طمسها، لاسيما وأنها انطوت على قرون من الحروب بما فيها الحروب الدينية. والتمثل بها لا يعني القيام بدور المعلم وإنما بعرض تجربة تاريخية مررنا بها. وقد تم تجاوزها من خلال اعتماد مبدأ الفصل بين الدين والدولة. ولهذا يعيش في أوروبا أناس على اختلاف معتقداتهم ومذاهبهم وأعراقهم بشكل سلمي إلى حد كبير. وعليه أرجو تفهم مخاوف الأوروبيين الآن من إمكانية الإخلال بهذا التعايش من قبل مواطنين مسلمين.
دويتشه فيلله: ولكن هل يعني ذلك أن التطور في العالم الإسلامي يجب أن يسير على غرار مثيله في أوروبا؟
تيرزه: هذا ما لا أستطيع التنبؤ به، لكن كل طرف يستطيع التقييم وفقاً لخبراته. يتذكر الألمان مثلاً حرب الثلاثين عاماً ذات الدوافع الدينية والتي أدت لخراب البلاد. ومع نهايتها اقروا بضرورة نبذ الحروب لهذه الدوافع. وقد أدى هذا بدوره لإقرار مباديء الحرية الدينية والتسامح والفصل بين الدين والدولة. ولهذا نرى أن القيام بالحروب المذكورة يعني الإساءة للدين. وهذا ما يقر به أيضاً العقلاء من المسيحيين والمسلمين.
دويتشه فيلله: الكثير من الفئات في العالمين العربي والإسلامي ليست مهتمة بالحوار مع الغرب لأسباب مختلفة منها أنه يحدث على مستوى رسمي ولا ينطوي على تكافؤ الفرص، كيف يمكن كسب هؤلاء إلى حوار كهذا؟
تيرزه: ينبغي إتاحة الفرصة لهم للتعرف على الآخر. ومما يتطلبه ذلك انفتاح البلد المعني بحيث يلتقي المعنيون ويزداد اهتمام بعضهم بالآخر وبالتعرف على ثقافته ومعتقداته. وبالمناسبة هذا الاهتمام لا يمكن تشجيعه من خلال التقارير التلفزيونية السطحية. أما أننا نهتم بالإسلام في ألمانيا فأمر يعود إلى عيش ملايين المسلمين بيننا. المسألة إذا ليست مسألة سياسة خارجية وإنما قضية داخلية. أنا شخصياً لدي جيران ذوي اعتقادات مختلفة مما يثير لدي حب الإطلاع على معتقداتهم وفهمها. وفي حال توفرت للناس في مصر والعراق وسورية والجزائر فرصة التواصل مع الآخر لا بد أن يقوي ذلك من حبهم للإطلاع على ثقافتهم وعلى كيفية التفاهم معهم.
دويتشه فيلله: ولكن ألا ينبغي التركيز على الحوار مع مؤسسات المجتمع المدني بدلاً من الجهات الرسمية؟
تيرزه: إن أي حوار لا ينبغي أن يتم على المستوى الرسمي. شيء جميل لو أُتيحت الفرص للأوروبيين للسفر إلى البلاد العربية والتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني فيها. لا بد للحوار أن يجري في البلدان العربية التي ينبغي عليها القيام بمزيد من الانفتاح دون خوف.
دويتشه فيلله: هل تعني أن هناك ثغرة كبيرة في مجال انفتاح الدول العربية على الآخر؟
تيرزه: نعم، على البلدان العربية الانفتاح أكثر على أوروبا الجارة لها. وهي جارة مهتمة بالعالم العربي دون ميول إمبريالية. كل ما في الأمر أن لديها اهتمام بالتعاون معه في مختلف المجالات لمصلحة الطرفين.
دويتشه فيلله: يهدف موقع دويتشه فيلله باللغة العربية لمخاطبة الشباب بالدرجة الأولى كونهم يشكلون غالبية سكان البلدان العربية. وعلى اعتبار أن حكوماتهم ليست قادرة على تأهيلهم وتشغيلهم فإن خطر وقوعهم ضحية التطرف كبير، أين تستطيع ألمانيا وأوربا المساعدة هنا؟
تيرزه: كما سبق وذكرت لا بد من تشجيع التبادل الاقتصادي الذي يخدم مصالح البلدان العربية وتطورها. ولا بد أيضاً من المساعدة في بناء الحياة الديمقراطية في هذه البلدان من خلال التعاون السياسي. الكثير من الدول العربية ما تزال في طريقها نحو الحياة الديمقراطية ولم تحقق بعد العدالة الاجتماعية التي تعتبر مقياساً للمشاركة الشعبية في صنع القرار وخاصة لمشاركة الشباب. أعتقد الديمقراطية والانفتاح من أهم التحديات التي تواجه العالم العربي لأن المجتمعات المنغلقة لا يمكن أن تحقق النمو والتقدم.
دويتشه فيلله: ماذا يعني ذلك على الصعيد الملموس؟
تيرزه: هناك الكثير من المشاريع التنموية التي تدعمها مالياً ألمانيا وأوروبا في الدول الإسلامية. ومن بينها على سبيل المثال مشاريع تعليم وتأهيل مهني. أنا من جهتي أؤيد تشجيع وتعزيز تبادل الشباب، غير أن الأمر يتعلق بانفتاح البلدان العربية. ليس من الوارد قيام أوروبا بالانفتاح في الوقت الذي لا يقوم فيه العالم العربي بالمثل، إذ المطلوب قيام الطرفين بذلك. وعلى ذكر المشاريع سيكون بوسع الطلاب العرب التدريب والتأهيل في البرلمان الألماني اعتباراً من عام 2006.
دويتشه فيلله: تشهد ألمانيا نقاشاً حامياً حول اندماج العرب والمسلمين الذين يعيشون هنا في المجتمع الألماني. وفي هذا الإطار يجري الحديث عن مجتمع بثقافة موجّهة بدلاً من مجتمع متعدد الثقافات، ما هو رأيك بهذا النقاش؟
تيرزه: أقف بين هاتين النظرتين. أعتقد أنه لا ينبغي خوض النقاش في كلاهما لأن الأهم التوصل إلى صيغة تفاهم بين مختلف الثقافات. يعني ذلك بالنسبة لنا في ألمانيا أن علينا التوقف عن اعتبار الذين حضروا إلينا قبل 40 عاماً مجرد قوة عمل. وعليه لا بد من توفير إمكانيات أفضل لدمجهم والاعتراف بهم كجزء من مجتمعنا. من جهة أخرى لا بد للذين قدموا إلينا أن يكونوا على استعداد لتقبل ذلك. يجب عليهم الأخذ بالاعتبار أنهم جاؤوا إلى هنا للعيش الدائم وليس كضيوف.
دويتشه فيلله: ترى انجيلا ميركل زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي أن فكرة مجتمع متعدد الثقافات فشلت، هل ترى ذلك أيضاً؟
هذه شعارات كبيرة وعلى الحزب الديمقراطي المسيحي أن يعرف أنه ولأكثر من 40 سنة دعم كذبة عدم الإقرار بأن ألمانيا بلد هجرة. كما دعم كذبة أن الذين قدموا إلينا هم مجرد قوة عمل أجنبية ضيفة ستعود إلى مواطنها الأصلية. لقد حان وقت التوقف عن ذلك. أما أن تصبح ألمانيا وأوروبا مجتمعات متعددة الثقافات فهذا أمر سيحدده المستقبل.
أجرى المقابلة د. ابراهيم محمد