المدونات الإيرانية تتحدى الرقابة
٦ ديسمبر ٢٠٠٩أهلاً بكم إلى عالم "ويبلوغستان"، العالم الرقمي الفارسي، حيث يتحول الناس إلى نشطاء سياسيين، ويحبون ويخلقون ثقافتهم ولغتهم الخاصة. كل هذا بكل بساطة وهم يحتسون الشاي ويجلسون خلف شاشات الكمبيوتر.
هذه هي قصة ما وصل إليه المدونون الإيرانيون، واليوم وبعد ثماني سنوات على أول تدوينة كتبها سلمان جاريري باللغة الفارسية، لا يمكن لأحد الجزم بعدد المدونات الإيرانية.
هذا المقال يريد تتبع الطريق التي سلكها محتوى المدونات حتى يصل إلى المستقبلين في ويبلوغستان. وخلال هذه الرحلة، سنحاول توضيح بعض عناصر التدوين الفارسي ومناقشتها، لنعطي لمحة للقارئ عن المدونات الفارسية ومؤسسيها وأهم مميزات الناشطين الأساسيين فيها.
سوق لإمكانيات الاتصال
في كتابه الرائع "الكنيسة والسوق"، عرف إيريك ريموند مجتمع المدونات المفتوح بأنه "هدية ثقافية"، لأنه مجتمع تسوده ثقافة العطاء والمشاركة بدلاً من نظام الأوامر والسلم الوظيفي.
ولا توجد حتى الآن أي تقارير موثوقة توضح إذا كانت المدونات الفارسية تحقق أرباح مادية. لكن هناك مدونين بدأوا عملهم الصحفي فقط عبر المدونات، ثم تألقوا بعد ذلك في مجال العمل الإعلامي. والكثير من المدونين يوضحون أن الهدف من مدوناتهم هو النقاش وبناء الشبكات الاجتماعية. لكن المدونين يحققون الشهرة والشعبية عن طريق تقديم محتوى جيد، ويبدو أن هذا هو النموذج السائد في ويبلوغستان.
المدونات الفارسية تشبه السوق، ليس لها تركيب مركزي، ويختلف محتواها باختلاف عادات الإنتاج لدى المدونين. وهذا يظهر بوضوح في نشاطات المدونين على شبكات الفيسبوك وفريند فيد وغوغل، والتي يمكن اعتبارها جزءاً من المشهد التدويني الإيراني.
ويمكن اعتبار عدم وجود بنية مركزية للمدونات الفارسية على أنه سر بقاء هذه المدونات، فهذه التركيبة أعاقت عمل الدوائر الإيرانية الرسمية في السيطرة على المدونات الإيرانية وزعزعة تركيبتها.
ندرة التقارير المسموعة والمرئية في عالم المدونات الفارسية
معظم المدونات الفارسية عبارة عن مدونات نصية تكملها بعض الصور. وغالباً ما تشكل الصور عناصر جمالية، تدعم رأي المدونين. وفي الوقت الذي تتوفر فيه فرصة نشر المقالات في عدد قليل من الصحف المستقلة، لا توجد إذاعة أو قناة تلفزيونة مستقلة في إيران، لذلك تبقى التقارير المسموعة والمرئية مرهونة بالنشر عبر شبكة الانترنت، أو التناقل عبر الهواتف الجوالة.
وخلال الانتخابات الماضية التي أجريت في يونيو/حزيران 2009، استخدم حسين موسوي، مرشح الإصلاحيين، في حملته الانتخابية العديد من الفيديوهات القصيرة. وحملت هذه الحملة اسم "الإدعاءات والإحصائيات"، حيث استخدمت إحصائيات رسمية لدحض إدعاءات الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد.
ونشرت الفيديوهات عن طريق موقع يو تيوب الالكتروني ليتناقلها مستخدمو الانترنت بعد ذلك، كما تم إنتاج نسخ مضغوطة من الفيديو، ليمكن تحميلها عن طريق البلوتوث على الهواتف الجوالة. وكان هذا استخداماً إبداعياً للتقنية، لأن تقنية البلوتوث المزودة بها الهواتف الجوالة لم تكن تستخدم حتى ذلك الوقت إلا لتبادل الأفلام الإباحية.
ويمكن اعتبار يوتيوب أهم منتدى لمتصفحي الفيديو الإيرانيين، حتى لو لم تتوفر حتى الآن إحصائيات حول عدد المستخدمين. كما أن الفيديوهات المنشورة على موقع يوتيوب، يتم تناقلها بعد ذلك في شبكات أخرى مثل فيسبوك وفريندفيد.
وليس من المعتاد نشر فيديو في المدونات الفارسية نظراً لبطء خدمات الانترنت هناك، وكذلك يندر استخدام الملفات الصوتية، إلا إذا كانت تحتوي على معلومات هامة، مثل تسجيل لمناقشة أجريت خلال لقاء رسمي.
الشبكات الاجتماعية
وبغض النظر عن الوسيلة التي يستخدمها المدونون، فالمجال مفتوح في ويبلوغستان للإضافات والتعليقات. ويمكن إضافة هذه التعليقات بطرق مختلفة، فمثلاً في غوغل ريدر وفيسبوك، يتم إخبار المستخدمين بما تم إضافته من تعليقات على المحتوى عن طريق الـ"فيد" Feed، وتقدم هذه التعليقات للمستخدم بطريقة مقروءة.
وبالتالي تلعب برامج قراءة الفيد دوراً هاماً من خلال تجميعها المحتويات، الأمر الذي يساعد على تدفق المعلومات في عالم المدونات، لأن تعقب الكم الهائل من التدوينات والتعليقات عليها بشكل فردي يعد أمراً شبه مستحيل. وهذه البرامج، وأشهرها جوجل ريدر، تساعد المدونين أيضاً لتتبع كل ما ينشر على مدونتهم من تعليقات.
ويعتبر استخدام الفيد واستخدام منتديات مختلفة، وسيلة هامة لتجاوز الرقابة، فالحكومة يمكنها حجب العناوين الشخصية. لكن الكثيرمن المدونين الذين تحدثت إليهم أكدوا لي أن الرقابة يمكن فقط أن تطال المدونين قليلي الخبرة. والنقاشات اليومية التي تتم عبر المدونات، تؤكد أن الجيل الشاب في إيران ستطيع التعامل مع التقنيات الجديدة بكل سهولة.
بالاتارين – نشر التدوينات المختلفة وتقييمها
مؤخراً، أسست وسيلة جديدة في ويبلوغستان تحت اسم "بالاتارين" أو "الأعلى"، وهو موقع يقوم بنشر روابط مختلفة لتدوينات وأخبار. وعندما يتم تقييم بعض تلك الروابط بشكل إيجابي من عدد كبير من المستخدمين، يظهر الرابط بشكل مباشر على الصفحة الرئيسية لموقع بالاتارين. ويعد هذا الموقع خليط من عروض مواقع "المفضلات الإخبارية" التي تتيح للمستخدمين إضافة وتقييم الأخبار والمدونات، مثل عروض ديج digg ونيوزفاين Newsvineوريديت reddit . وقد تطور موقع بالاتارين بعد الانتخابات الإيرانية ليصبح واحداً من أهم المواقع الفارسية، كما استخدم الموقع بعد الانتخابات لتنسيق بعض الحركات الاعتراضية ضد النظام.
الرقابة كفرصة
النصوص وكذلك الفيديوهات التي ينشرها المدونون الإيرانيون، تصل الجمهور اليوم عبر متاهات معقدة من الشبكات الاجتماعية وبرامج الخدمات. ورغم أن الصعوبات التي مثلتها الرقابة الحكومية وملاحقة المدونين والعقوبات الواقعة عليهم وبطء شبكة الانترنت والمشاكل التقنية شكلت عقبة أمامهم، إلا أنها زادتهم قوة وأعطتهم القدرة على تشكيل مجموعة مختلفة التوجهات السياسية والفئات الاجتماعية والاهتمامات.
واستغل المدونون الإيرانيون نقد الحكومة واعتبروه فرصة من أجل كشف مغالطات التقارير الإخبارية التي تنقلها وسائل الإعلام الرسمية. ومن هنا أطلق بعض المدونين على وكالة الأنباء الفارسية "فارس نيوز" “Fars News”، اسم تهكمي وهو “Farce News”، أي وكالة "الأخبار الهزلية"، حيث أن كلمة "فارس" بالإنكليزية تعني مسرحية هزلية.
ويمكن الاستنتاج بأن التدوين أصبح فرصة تقنية أمام الشباب الإيراني، تمكنهم من الحديث عن الحقائق وتطوير الأفكار الخاصة والاجتماعية وكذلك السياسية. وإلى ذلك، فقد هاجم المدونون الإيرانيون الدولة باستمرار، وكانت النتيجة هي تعرض المدونين للمضايقات والملاحقات، مما اضطرهم أحياناً إلى ممارسة الرقابة الذاتية في ويبلوغستان.
وفي الوقت الذي تعتمد فيه الحكومة الإيرانية سياسية تخويف المدونين، تعلمت فيه ويبلوغستان قلب السحر على الساحر. فالشبكات الاجتماعية الكثيرة، وطرق نشر محتواها المتعددة وانتشارها الجغرافي يعني أن الحكومة غير قادرة على مراقبة المدونات والتحكم بها. والتقدم التقني يتيح للمدونين فتح شبكات اجتماعية مختلفة تعمل أحيانا بالتوازي، الأمر الذي يجعل مراقبتها من قبل الدولة مستحيلا.
هذا المقال عبارة عن لمحة بسيطة عن المدونات الإيرانية، فهناك عدد لا يحصى من الشبكات في ويبلوغستان والتي لم يتم ذكرها هنا.
وبينما يمكن للحكومة التصدي بالقوة للمظاهرات في الشوارع، يصعب عليها التحكم فيما يدور في رؤوس الناس. فالمدونات الإيرانية تحولت إلى منارة نحو الحرية، يصعب على الحكومة الإيرانية التأثير عليها.
(أراش أبادبور يعمل كمبرمج كمبيوتر في كندا، ويدون تحت اسم "كامانجير" باللغتين الفارسية والإنكليزية.
الكاتب: أراش أبادبور/زاهي علاوي
مراجعة: سمر كرم