المحافظون الألمان يريدون العودة إلى إلى حضن الحليف الأطلسي الأكبر؟

على الرغم من تشديد قيادة حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ على أن أولوية سياسته الحكومية القادمة ستكمن في خلق فرص عمل جديدة وإصلاح آليات سوق العمل الألماني الذي يعاني من ضعف بنيوي، إلا أن برنامجه الانتخابي الذي قدمته رئيسة الحزب والمرشحة لتبوء مركز المستشارية أنجيلا ميركيل يعطي إشارات واضحة حول توجهات سياسته الخارجية التي ينوي تطبيقها في حالة فوزه بالانتخابات البرلمانية المبكرة.

إحياء العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة

فيما يتعلق بالعلاقات عبر الأطلسي لم يخف الحزب المحافظ نيته في التركيز على "العلاقة الخاصة" مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنشيط آليات التعاون مع الحليف الأطلسي الأكبر، بالإضافة إلى تحديد "هوية وماهية الإتحاد الأوروبي" التي تقوم على"الجذور والإرث المسيحي" لأوروبا وفقاً لتصورات برنامج الحزب الجديد. كما كرر برنامج الحزب المسيحي المحافظ رفضه القاطع لإنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي وتقديمه عرضاً بديلاً للحكومة التركية أطلق عليه اسم "الشراكة المميزة". والجدير بذكره في هذا السياق أن أنجيلا ميركيل اتخذت موقفاً مؤيداً للحرب الأمريكية ـ الإنجليزية على عراق صدام في عام 2003 مما أوقعها ضحية لسهام النقاد الذين حذروا من عواقب "عسكرة" السياسة الأمريكية، وإدراكها التبسيطي لحقائق الظروف العربية واعتمادها على مقارنات تاريخية لا تأخذ خصوصية هذه المنطقة بعين الاعتبار، وهو ما سيؤدي حتماً إلى تهميش دور القانون الدولي وهيبة الأمم المتحدة. موقف ميركل المؤيد للسياسات الامريكية كان حسب رأي الكثير من المراقبين السبب الرئيس في خسارة حزبها انتخابات 2002 أمام شرودر.

ميركيل ونقص الخبرة في السياسة الخارجية

المحللون السياسيون يلفتون الانتباه إلى نقص الخبرة في التعاطي مع القضايا الدولية لدى زعماء المعارضة اجمالا. فالمستشار شرورد على سيبل المثال عُرف بمواقفه المتشككة تجاه الإتحاد الأوروبي، غير أنه تحول في خضم العمل السياسي على الصعيد الدولي إلى أحد أبرز السياسيين الذين دفعوا بعجلة مشروع الوحدة الأوروبية إلى الأمام. كما ساهم موقف شرودر الرافض للحرب على العراق قي تقوية ثقته بنفسه، ولعل أبرز دليل على ذلك أنه قال بفخر واعتزار في مقابلة مع صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية: "حكومتي ابتعدت كثيرا عن المحظورات العسكرية". ونظراً لضخامة القضايا الدولية يعتقد المراقبون أن أنجيلا ميركيل "ستدخل عرين السياسة الدولية بصورة حذرة جدا" وهو ما ظهر جلياً في تصريحاتها الأخيرة التي أكدت فيها علي أن "الجنود الألمان لن يشاركوا في عمليات عسكرية في العراق مهما كانت الظروف".

مراجعة سياسية وتباين في المواقف

وعلى الرغم من أن التحول الجديد في توجهات زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي يعود في غالب الأمر إلى أسباب تكتيكية تتعلق برغبتها في عدم إثارة فزع الناخبين الألمان الذين يميلون إلى رفض كل أشكال العسكرة والعنف، إلا أن التباين في موقف التيار المحافظ وموقف الحزب الاشتراكي الحاكم يظهر بوضوح في التعاطي مع قضية انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي. ففي حين يدعم المستشار شرودر الطموحات التركية كون تركيا "جسراً مثالياُ بين الشرق والغرب"، ترفض ميركيل عضويتها الكاملة رفضاً قاطعاً مشيرة إلا أن إنضمامها إلى الإتحاد الاوروبي سيغير من "هوية اوروبا القائمة على الإرث الميسيحي وسيكلفها أكثر من طاقتها. ومن المرجح أن يدخلها هذا الموقف في صراع مع الإدارة الأمريكية التي تعمل على انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي لأسباب جيوسياسية تخدم مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط.

لا تغيير تجاه الشرق الأوسط

وفيما يتعلق بالسياسية تجاه الشرق الأوسط فمن المرجح أن لا يحدث تغيير جوهري في مرتكزات السياسية الألمانية القائمة على "الحفاظ على أمن وسلامة دولة إسرائيل" والعمل على دعم التقدم في عملية السلام. فالمعارضة المحافظة رحبت مثلها مثل الحكومة الاتحادية الحالية باستعداد إسرائيل للانسحاب الدائم والكامل من قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية وهي "مطمئنة" إلى أن هذا الانسحاب سيأتي في إطار خريطة الطريق، وسيشكل خطوة أخرى على طريق الحل القائم على وجود دولتين إسرائيلية وفلسطينية جنباً إلى جنب. كما أنها تشير إلى ضرورة إشراك السلطة الفلسطينية في عملية الانسحاب ومساندتها في أثناء ذلك للاضطلاع بمسئوليتها.

لؤي المدهون