اللاجئون السعوديون.. ما أسباب الفرار من المملكة؟
٢٠ أغسطس ٢٠٢٤في آخر تقرير صادر عن منظمة القسط الحقوقية، تمت الإشارة بوضوح إلى تزايد في عدد المواطنين السعوديين الفارين من بلادهم، ويتقدمون بطالبات لجوء في الخارج خلال العقد الماضي، استنادا لبيانات مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
هذا العقد الذي تشير إليه الدراسة، تأرجح حسب الحقوقيين بين محاولات دؤوبة من النظام السعودي في منح صورة أكثر وردية عن المملكة خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وبين صدور تقارير تدين السعودية حقوقياً وتتهم نظامها بالاستبداد وقمع الحريات.
وحسب كريم الواسطي، حقوقي وعضو بمجلس مقاطعة سكسونيا السفلى، فإن الظروف العامة بالسعودية رغم ما تحاول السلطات إبرازه للعالم من تغيير، إلا أنه لحد الآن وضع حقوق الإنسان هو وضع كارثي".
ويضيف المتحدث أنه "إن كان على مستوى حرية التعبير أو بالنسبة لحقوق النساء، فباستثناء أنهن منحن حق قيادة السيارة فالوضع الحقوقي لم يتغير، وهذا لا يعتبر تطورا على الإطلاق بالمعايير الدولية".
لماذا ترتفع أعداد اللاجئين السعوديين رغم التغييرات؟
ركزت الدراسة الاستقصائيّة السريّة التي أجرتها منظمة القسط الحقوقية حول اللاجئين السعوديّين، وأعلن عن نتائجها بداية شهر أغسطس/ آب الجاري، على الأسباب التي تدفع أعدادًا متزايدة من السعوديين إلى الفرار من بلادهم الغنيّة، والتحديّات المستمرّة التي يواجهونها أثناء العيش في الخارج.
وتشير الدراسة إلى أنه كانت للاجئين من السعودية أسباب مختلفة دفعتهم لطلب اللجوء في الخارج، أبرزها انعدام الحريّة السياسيّة والدينية، أو بسبب توجّههم الجنسي، أو العنف الأسري.
كما أفصحت نسبة كبيرة وصلت لـ 93.5 بالمئة ممن شملتهم الدراسة، أنهم متأكدون أنهم لن يكونوا آمنين إذا ما عادوا إلى السعوديّة، حتى ولو قدّمت لهم السلطات ضمانات، حسب النتائج المعلن عنها.
في هذا السياق يقول الواسطي: "أسباب كثيرة جدا على المستوى الحقوقي والوضع السياسي تدعوا لتزايد أعداد الفارين من السعودية الطالبين للحماية واللجوء في البلدان الأوروبية" ويستدرك بالقول: "إلا أن الأعداد مقارنة بالأوضاع تبقى ضئيلة جدا".
ويفسر المتحدث ذلك قائلاً: "هناك نسبة من الفقر عند بعض الطبقات في السعودية، ولكن عموما من سيفكر باللجوء سيكون في الغالب عرضة للعيش في ظروف أقل مما ألفه، كما يمكن أن يكون الحاجز خوفهم من الرفض المجتمعي لاحقا، أو أنهم غير حاصلين على شهادات أو مؤهلات مهنية وأكاديمية، مما يجعلهم يفكرون أنهم لن يجدوا لأنفسهم مكانا داخل المجتمع الأوروبي".
الخوف من اللجوء إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يقيد السعوديين أيضا حسب الحقوقي الواسطي، "على اعتبار أن الدول الأوروبية لها مصالح اقتصادية مع نظامهم، مما يمكن أن يجعلهم لاجئين غير مرحب بهم ويمنع حصولهم على الحماية". كما أشار المتحدث إلى "خوفهم من قوة المخابرات السعودية، وتنسيقها مع السفارات بالخارج"، مذكرا بحادث اغتيال جمال خاشقجي باعتباره "درسا لكل المواطنين السعوديين المتمردين".
التقرير الأخير الصادر حول هذه الفئة من المواطنين السعوديين عن منظمة القسط، أشار إلى ضرورة الالتزام بإجراءات من طرف الدول المضيفة والمجتمع الدولي، لدعم السعوديين الفارين، وذلك عبر ضمان حماية اللاجئين منهم المعرضين لخطر الترحيل، وأخذ ادعاءات التهديدات لسلامتهم على محمل الجد، إضافة إلى معالجة القمع العابر للحدود الوطنيّة الذي يتّخذ شكل المراقبة الإلكترونيّة والتسلّط عبر الإنترنت.
السعوديات المتمردات.. الحلقة الأضعف!
تواجه النساء في السعودية وضعا أكثر صعوبة من الراجل حينما يتعلق الأمر بالتمييز والعنف الأسري، مما يدفع بعضهن إلى القيام بمحاولات خطرة للفرار من البلاد.
وكانت هيومن رايتس ووتش، قد توصلت في تقرير لها صدر سنة 2019، لعشرة أسباب تدفع النساء السعوديات للفرار، أجملها التقرير في الحرمان من حرية واختيار شريك الحياة، وزواج القاصرات، والعنف الأسري، والتمييز في التوظيف، والتمييز في الرعاية الصحية، وعدم المساواة في الطلاق وحضانة الأطفال والميراث، وتحديات نقل الولاية، وقيود ترك السجن والملاجئ، وقيود على الدراسة في الخارج، ثم القمع السياسي.
لماذا تتم إعادة طالبي اللجوء السعوديين من بلدان غربية؟
برزت في الآونة الأخيرة، قصتان لفتتا الانتباه دوليا على الصعيد الحقوقي، ويتعلق الأمر بكل من لوليتا سفير الدين، السيدة السعودية (وهي أم لطفلين) التي اختفت من استراليا حيث لجأت منذ عام 2022، والتي تم "اختطافها" منذ عام حسب ادعاءات محاميتها، وتتم إعادتها قسرا إلى السعودية.
انقطعت أخبار لوليتا منذ أيار/ مايو 2023 عندما كانت في ملبورن كما تقول محاميتها أليسون باتيسون لكنها فوجئت أخيرا، أنها توجد في السعودية منذ أكثر من سنة، حسب ما نقلته صحيفة "ذا أستراليان".
القصة الثانية، تعود لعبد الرحمن الخالدي، البالغ 30 عاما والأب لطفلين، اشتهر كمعارض في السعودية إبان فترة الربيع العربي في 2011، لكنّه غادرها إلى تركيا خشية توقيفه، ومنها إلى بلغاريا.
منذ 3 سنوات، يقبع الشاب الثلاثيني في مركز احتجاز مغلق في صوفيا، وهناك خاض إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ الأسبوع الأول للشهر المنصرم احتجاجا على انتهاك السلطات البلغارية لحقوقه الإنسانية والقوانين الأوروبية والمعاهدات الدولية، حسب تعبيره.
السلطات البلغارية رفضت في أيار/ مايو 2023 منحه اللجوء السياسي بسبب عدم قدرته على تقديم ما يثبت أنه سيتعرّض للاضطهاد في بلاده حسب تقارير إعلامية. واستأنف الخالدي القرار أمام المحكمة الإدارية العليا التي قررت في أيلول/ سبتمبر الماضي إعادة النظر في قضيته مجددا.
طالبت كل من المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات حقوقية دولية بما فيها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش مرارا بلغاريا بالإفراج عن الخالدي، لكن اعتقاله مستمر.
كريم الواسطي ، أكد في حديثه لمهاجر نيوز، أن نسبة لجوء السعوديين إلى ألمانيا ليست كبيرة، وأنه مثلا خلال السنة الماضية، لم يسجل سوى 29 طلب لجوء تم تقديمه من مواطنين سعوديين، تم اتخاذ قرار أولي إيجابي بخصوص 25 منها، بنسبة اعتراف أولي بلغ 64 بالمئة لطلبات الرجال، وحوالي 75% بالمئة للنساء.
المتحدث اعتبر أن مثل هذه الخروقات الحقوقية المذكورة في القصتين، لم تسجل أبدا في ألمانيا. ويقول: "لم نوثق أو نسجل أنه قد تمت إعادة أو تهديد أي طالب لجوء سعودي في البلاد".
لكن الحديث عن حالات تم تهديدها بالإعادة إلى السعودية، أو أعيدت فعلا من دول أوروبية، "أمر مرفوض على المستوى الحقوقي"،حسب الواسطي، الذي يرى أنه "من واجب الدول المضيفة الموقعة على مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان، توفير الحماية الكاملة لهؤلاء الأشخاص، هذا واجب قانوني وأخلاقي وإنساني لهذه الحكومات"، حسب تعبيره.
على المستوى الحقوقي، يقول الواسطي أن "المآخذات على تصرفات الحكومة البلغارية وبعض الحكومات الأخرى ضمن بلدان الاتحاد الأوروبي كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتطبيق قانون اللجوء، لكن يجب على مؤسسات الاتحاد الحقوقية والقانونية التدخل بفعالية لمنع هذه الممارسات، فمعلوم للجميع ما يمكن أن يتعرض له سعودي فر من البلاد وطلب اللجوء ثم أعيد إليها".