الكاميرا الخفية في المغرب: مصيدة جماعية للمشاهدين؟
٢٠ أغسطس ٢٠١٢تحتل برامج الكاميرا الخفية، التي قدمتها القناتان المغربيتان الأولى والثانية خلال رمضان صدارة البرامج الأكثر مشاهدة، حيث بلغت نسبة متابعة سلسة "جار ومجرور" التي تعرض على شاشة القناة التلفزيونية الثانية مثلا 63.8%، ونفس الشيء ينسحب على برنامج "الصورة المقلوبة" على القناة الأولى.
ويعتمد البرنامجان على مقالب تحاول الإيقاع بعدد من الفنانين والنجوم المغاربة في فخ معد مسبقا، يرتكز على مشاهد درامية، واقعية، ومحبوكة بشكل جيد. لكن ومنذ أن خرج مدير سابق لمديرية الإنتاجات الدرامية بالقناة الأولى إلى العلن، مؤكدا على أن هذه البرامج مفبركة ومتفق عليها بين منتجي السلسلة والفنانين، تزايد الجدل في المغرب عن الجهة التي تقف وراء خداع المشاهدين.
"الكاميرا الخفية ليست خفية"
اعتبر إدريس الدريسي، المسؤول السابق عن مديرية الدراما بالقناة الأولى، في تصريح لـDW عربية أن الإنسان لا يحتاج لكثير من الذكاء ليكتشف أن الكاميرا الخفية في المغرب ليست خفية بالمعنى المتعارف عليه عالميا، "لأن المشاركين في هذه البرامج يتم الاتفاق معهم مسبقا، ويتقاضون أجورا مقابل أدائهم لتلك المشاهد المفبركة". وأضاف المخرج المغربي أن ما تقوم به شركات إنتاج الكاميرا الخفية لفائدة القناتين هو تدليس وخداع للمشاهد آن له أن يتوقف.
وأكد الدريسي أنه ومنذ 13 سنة والكاميرا الخفية التي يشاهدها المغاربة مفبركة ويتم الاتفاق مسبقا مع الضيوف على سيناريو وكل التفاصيل الدقيقة للحلقة، ووحدهم التقنيون والمتوفرون على خبرة في الإخراج يعرفون بأن برامج الكاميرا الخفية المقدمة على القناتين مفبركة وليست حقيقية.
ويرجع المسؤول السابق في القناة سبب اقتناعه على أن هذه البرامج مزيفة، إلى جودة الصوت والصورة في البرامج المقدمة، مشيرا أن جميع من مارس الإخراج أو عنده إلمام بسيط بتقنية الصوت أو الصورة يعرف على أن هذه الكاميرا الخفية إنتاج درامي متفق عليه مسبقا، "لأن المشاركين إما يحملون ميكروفونات صغيرة مخفية أو أن الكاميرا والميكروفونات تلاحقهم كما يحدث في البرامج العادية، وفي كلتا الحالتين نحن بعيدون عن الكاميرا الخفية".
من جهته، قال محمد العوني، الإعلامي المغربي، رئيس منظمة حرية الإعلام والتعبير لـDW عربية إن الشكوك التي تحوم حول هذه البرامج، بعد أن تحولت من الطابع الخفيف للمقالب إلى إنتاج درامي كبير، مشروعة. واعتبر العوني الذي يعمل صحافيا بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون أن "المعدات الكبيرة التي استعملت لإخراج البرنامج والطريقة التي يتم الإيقاع ببعض الفنانين تعطي الانطباع بأن بعض الحلقات مفبركة فعلا".
"لا يمكن أن نتفق مع التدليس"
في مقابل الانتقادات الحادة التي وجهت لبرنامج الكاميرا الخفية داخل القناتين المغربيتين، يستغرب العلمي الخلوقي، مدير الإنتاج والبرمجة في القناة الأولى، من الاتهامات الكثيرة التي نالت من القناة، قائلا "لا يمكن أن تكون هذه الاتهامات صحيحة، لأنه ليس من أخلاقنا أن نتفق مع الضحايا لنخدع المشاهد، ولا يمكن أن نسمح بذلك أبدا". مضيفا لـDW عربية "نحن واضحون ولا نتواطأ مع أي أحد لتزييف الحقيقة، وحتى شروطنا مع الشركة المنتجة للبرنامج كانت صارمة جدا".
وفي حالة ما إذا اكتشفت القناة بأن الشركة المنتجة لبرنامج الكاميرا الخفية اتفقت مع الضحايا ودفعت لهم المال مقابل إيهام المشاهدين بأن الأمر يتعلق بمقلب حقيقي وعفوي، أكد الخلوقي على أن القناة الأولى تحتفظ بحقوقها الكاملة لمتابعة الشركة وستتخذ في ذلك الإجراءات القانونية الصارمة واللازمة، على حد قول المسؤول بالقناة.
فنانون مغاربة مستاؤون
وعبر عدد من الفنانين المغاربة من "ضحايا الكاميرا الخفية" عن استيائهم من اتهامات بعض وسائل الإعلام لهم بالتواطؤ مع شركات الإنتاج لخداع المشاهدين، خاصة بعد أن دعا المسؤول الإداري السابق بمديرية الدراما بالقناة الأولى الفنانين إلى الكف عن أخذ المال مقابل التآمر على المشاهد. ويعتبر المغني سعيد مسكير من أكثر الفنانين الذي تعرضوا للانتقادات خلال الأيام الأخيرة، بعدما أعد موسيقى برنامج "الصورة المقلوبة"، ولعب في نفس الوقت دور "الضحية" في إحدى حلقاته.
ويقول مسكير لـDW عربية إن ما لم يفهمه الجمهور المغربي هو أنه تعرض لمقلب الكاميرا الخفية قبل أن يعرض عليه المسؤولون عن السلسلة أن يقوم بإعداد موسيقى البرنامج. وزاد مسكير أن "المغاربة يحبون الانتقاد، وهم يقومون بذلك في جميع الحالات سواء كان العمل جيدا أو رديئا"، مشيرا إلى أن الفن هو الآخر يعيش بالانتقاد وهو شخصيا يتقبل ذلك بصدر رحب، طالما فهم الجمهور بأن الفنان سعيد موسكير اتفق مع منتجي السلسة على إعداد موسيقى البرنامج بعد أن تعرض لمقلب الكاميرا الخفية وليس قبلها.
وعن الانتقادات التي توجه للكاميرا الخفية في المغرب بسبب جودة الصوت والصورة أكثر من اللازم، في برامج مشابهة وفي وضعيات من المفترض أن تكون صعبة لالتقاط الصوت والصورة بشكل جيد، وصف مسكير من يطلق مثل هذه لاتهامات بـ"الجهل"، "لأن الصوت يتم التقاطه بجودة عالية وبسهولة بميكروفون صغير وحديث كما يقع في الأفلام السينمائية، وكذلك الشأن بالنسبة للصورة".
محمد أسعدي
مراجعة: أحمد حسو