القوة والأداء مقابل الصحة النفسية في عالم كرة القدم
٦ مايو ٢٠٢١أجرى لاعب خط الوسط لمنتخب إيسلندا وفريق دارمشتات الألماني، فيكتور بالسون، قبل أسبوعين حواراً صحفياً مشحوناً بالعواطف.فقد تحدث اللاعب، الذي يبلغ من العمر 29 عاماً، عما مر به من أسى بعد وفاة والدته وفقدانه ثمانية كيلوغرامات من وزنه وبكائه أمام ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات، فيما وصفه بـ ”فترة مظلمة".
ويعكس استعداد بالسون للحديث عن مواضيع نادراً ما يتم التطرق لها في عالم كرة القدم، التغيير والانفتاح الذي يشهده العالم حول كل ما يتعلق بالصحة النفسية. ولكن هنالك علامات استفهام حول ما شهدته كرة القدم من تطور بهذا المجال، إذ يقول بالسون، في حواره المنشور على موقع نادي دارمشتات الإلكتروني: ”في مجال الرياضة للمحترفين، يتم الإعلان غالباً عن أهمية البقاء قوياً والمضي قدماً دائماً… لابد أن يكون هنالك قبول للمعاناة جراء الأزمات النفسية وطلب المساعدة".
الجانب الإيجابي للأزمة!
وفي حوار أجراه موقع DW، يشرح مسؤول التعليم والمشاركة الرياضية بجمعية "فرصة رياضية" (Sporting Chance)، والمعنية بالصحة النفسية في مجال الرياضة بالمملكة المتحدة، ألكس ميلز، كيف أدت الجائحة لتغيير محوري في الاتجاهات نحو الصحة النفسية.
ويرى ميلز أن الجائحة ”وفرت فرصة ذهبية في موقف مرعب"، حيث يمكن للحديث عن الصحة النفسية أن يبدأ من مجال الرياضة. ويقول ميلز: ”التعامل مع حالتك النفسية ليس من الضروري أن يكون بشأن مواقف شديدة الحدة، لأن هذا يعني فشلاً في فهم المقصود بالمعرفة العاطفية، أي إدراكك لأفكارك ومشاعرك واستخدام آليات التأقلم وبناء مقاومة تتضمن طلب المساعدة والدعم".
القدرة على الإنجاز مقابل الصحة النفسية!
وبالرغم من سعادة ميلز بالنقاشات الحالية عن الصحة النفسية، تبقى المشكلة في الاعتقاد بأن المشاعر تعطل الأداء. وفي حوار أجراه موقع DW، يشرح الأمين العام للاتحاد الدولي للاعبين (FIFPRO)، يوناس باير-هوفمان، أن الاهتمام الحالي بالصحة النفسية يحدث بغرض ”رفع القدرة على الإنجاز". وعبر موقع "تويتر"، ينبه الاتحاد من أن "المحاربة من أجل القضاء على التأثير السلبي لكرة القدم على صحة اللاعب اتضح أنها عملية طويلة وصعبة".
من جانبه، يوضح الأخصائي النفسي الرياضي، تورستون ليبير، في حوار مع DW، أن بعض النوادي والمدربين قادرون على حماية اللاعب خلال الأزمات، إلا أن الأمر يتوقف على وجود شخص مهتم بالأمر. ويقول ليبير: ”إذا اعتقد المدير الفني أن الأمر مهم، سيتوفر حينها غالباً التفهم والحماية".
كما يتوقف الأمر أيضاً على استعداد اللاعب للحديث مع المدرب عن مشاكله النفسية.ويشكل اللاعب الإنجليزي داني روزا نموذجاً نادراً للاعب كرة قدم تحدث صراحة عن معاناته، ليشهد انخفاضاً ملحوظاً في فرص مشاركته في المباريات مع فريقه حينها.
ويؤكد ليبير أن بعض اللاعبين يسعون لطلب المساعدة لكنهم لا يتحدثون علناً عن الأمر، مضيفاً: ”ما أن تبدأ في حمل أزمة معك، ستكون أيضاً أكثر عرضة للهجوم من قبل الجماهير أو الصحافة. للأسف أنت لا تعرف أبداً كيف سيتفاعل الجمهور".
ويرى باير-هوفمان أن الإعلان الأخير عن تأسيس دوري السوبر الأوروبي البديل وعدم مناقشة اللاعبين حول الأمر ”يدعم فكرة زيادة النظر إليهم باعتبارهم سلعاً وليس بشراً".
أزمة عالمية!
وينبه باير-هوفمان من أن الوضع يبدو أسوأ على المستوى الدولي بسبب عدم ارتباط لاعبي كرة القدم بعقود عمل طويلة المدى في بعض دول العالم. فبينما من الطبيعي أن يزيد سعي النوادي للحفاظ على جودة أدائها في حالة التزامها بعقود مالية طويلة المدى، فإن الدول التي يختلف فيها هذا الوضع تنظر بشكل مختلف تماماً لموضوع الصحة النفسية.
ويقول يوناس باير-هوفمان: ”أعتقد أن في غالبية الدول التي نعمل بها لا تعد الصحة النفسية أولوية بالنسبة لصانعي القرار خلال فترة الجائحة. أعتقد أنها تأتي مع درجة معينة من الرقي الاقتصادي والقدرة، فإذا لم تمتلك المال لدفع مستخقات الفريق، من الواضح أنك لن تستطيع الدفع لأخصائي نفسي".
وينطبق الأمر كذلك على لاعبات كرة القدم، حيث تختلط مشكلات عقود العمل قصيرة المدى والدخل المنخفض مع ظروف اللعب بدول أجنبية خلال الجائحة بما يخلق تحدياً نفسياً في وضع معزول.
ويرى ميلز أن الحل يكمن في تحقيق التوازن بين ما تبديه النوادي من اهتمام بالصحة الجسدية والنفسية، فضلاً عن تعاون النوادي مع المؤسسات المعنية بالأمر.
هذا وقررت نوادي الدوري الإنجليزي الممتاز مؤخراً تضمين عضو في مجالس إدارة كل نادي مسؤول عن الصحة النفسية. كما أكدت على ضرورة تلقي لاعبي الفرق تثقيفاً إلزامياً بالصحة النفسية.
جوناثان هاردنغ / دينا البسنلي