"الفاشية الإيكولوجية" ـ شكل من التطرف بقناع حماية البيئة
٢٦ مايو ٢٠٢٢
أشارت تقارير إلى أن ارتكاب جماعات تزعم "تفوق البيض" ثلاث مذابح في السنوات الأخيرة ونفذها أشخاص يُمكن وصفهم بأنهم "فاشيين بيئيين".
فخلال الأسبوع الماضي، قام شخص متهم بقتل عشرة أشخاص من ذوي البشرة السمراء في متجر بمدينة بفالو بولاية نيويورك الأمريكية فيما تبنى القاتل مزيجا من نظريات المؤامرة المعادية للسامية والحفاظ على الطبيعة.
ففي خطاب عنصري مؤلف من 180 صفحة، ربط القاتل وهو شاب لم يتجاوز عامه الـ 18 بين الهجرة الجماعية والتدهور الذي لحق بالبيئة كمبرر لجريمة القتل التي أقدم عليها.
ويبدو أن القاتل قد تأثر كثيرا بأفكار روج لها الشاب الذي ارتكب مذبحة إل باسو بولاية تكساس في 2019 وأيضا الشاب الذي نفذ مذبحة كرايستشيرش في نيوزيلندا عام 2019، حيث يبدو أن المنفذ لمذبحة بوفالو قد كرر بعض كلمات من خطاب لمنفذ مذبحة كرايستشيرش.
وكان منفذ مذبحة كرايستشيرش التي أسفرت عن مقتل 51 شخصا خلال إطلاق نار في مسجدين بنيوزيلندا، قد وصف نفسه بأنه "فاشي بيئي يؤمن بالتفوق العرقي"، حيث دعا إلى ما يُعرف بـ "استقلال عرقيات بعينها" وأيضا دعا لخطط من أجل "الحفاظ على الطبيعة والنظام الطبيعي".
وربط الأسترالي برينتون تارانت، منفذ مذبحة مسجدي كرايستشيرش، بين التغير المناخي والاكتظاظ السكاني لغير الأوروبيين وهو ما يعد ركيزة رئيسة في أفكار حركات الفاشية البيئية.
ما هي "الفاشية البيئية"؟
يعد كاسيدي توماس – الذي يدرس في جامعة سيراكيوز في نيويورك لنيل درجة الدكتوراه - من بين الأشخاص الذين يسعون إلى دراسة التداخل بين التطرف اليميني والسياسات البيئية. وفي مقابلة مع DW، قال إن أبسط تعريف هو كل شخص "يتبنى سياسة أو وجهة نظر فاشية للعالم تستند على استدعاء القلق البيئي أو الخطاب البيئي لتبرير العناصر البغيضة والمتطرفة في ايديولوجيتها".
وأضاف إن الفاشيين العاديين هم قوميون شعبويون متطرفون يقومون بالاستشهاد بـ وسرد الأزمات الحضارية، والزيادة أو الانخفاض في معدلات الولادة على أسس ثقافية وقومية. ويرى الفاشيون البيئيون أن التغير المناخي أو الظواهر البيئية المتفاقمة تعد تهديدا حضاريا في محاولة لتبرير جرائمهم.
وتابع توماس إن الفاشيين البيئيين في الغالب يتبنون أفكارهم المتطرفة عبر الإنترنت كما يزعم منفذ أحدث جريمة إطلاق النار، إذ يعتقدون أن الجنس الأبيض إلى جانب البيئة يواجه تهديدا بالاكتظاظ السكاني من غير البيض فيما يطالبون بوقف الهجرة أو القضاء على مجتمعات غير البيض.
وأضاف توماس إن الفاشيين البيئيين يروجون "لتفكيك الدول الديمقراطية الليبرالية ذات الأعراق والقوميات المختلطة والتعددية واستبدالها بإنشاء دول محددة على أساس عرقي وبيئي في إطار مجتمع أصغر."
وقد فشلت هذه النظرية المتطرفة في معالجة الحقائق المعقدة وراء ظاهرة التغير المناخي والتداعيات الخطيرة لهذه الظاهرة فضلا عن تجاهلها لحقيقة مفادها أن سكان دول الشمال هم وراء معظم الانبعاثات التي تسببت في ارتفاع درجة حرارة الأرض.
سبب الإعجاب بحركات الفاشية البيئية
تجذب الأفكار اليمينية المتطرفة مثل أيدلوجيات الفاشية البيئية، فئة الشباب الذين عاصروا بأعينهم تفاقم ظاهرة تغير المناخ لكنهم يرون في المقابل أن الحكومات قد أخفقت في حل هذه الأزمة بالشكل الصحيح.
وفي ذلك، قال توماس"لسوء الحظ وفي ضوء تفاقم ظاهرة تغير المناخ على مدار الثلاثين عاما الماضية وبالتزامن مع صعوبة تجاهل الأمر أو التشكيك فيه حتى من قبل أكثر العناصر اليمينية المتطرفة أو الحركات المحافظة داخل المشهد السياسي، بدأنا في رؤية أفراد لديهم وجهة نظر عدمية بشكل لا يصدق ووجهة نظر قاتمة للغاية بشأن مستقبل البشرية".
يشار إلى أن العدمية تقوم على فكرة رئيسية تتمثل في نفي وجود أي معنى متأصل في الحياة.
وقال توماس إن نظريات حركات الفاشية البيئية تدعو أنصارها إلى "العمل لتحقيق هدف"، مضيفا "هنا يكمن الخطر في أن هذه النظريات يجرى نشرها في ثقافات فرعية عبر الإنترنت".
وتنتشر مثل هذه النظريات في مواقع إلكترونية خفية ولا تحظى بمراقبة كبيرة مثل 4chan و 8chan ومنتدى Iron March الذي لم يعد موجودا في الوقت الحالي بالإضافة إلى حسابات على منصات التواصل الاجتماعي.
وقد لاحظ الباحثون بعد سلسلة المذابح السابقة تزايدا كبيرا في اهتمام "الفاشية البيئية" بالمجتمعات الهامشية على شبكة الإنترنت بالإضافة إلى عمليات البحث عبر الإنترنت.
الفاشية البيئية واللعبة السياسية
تنكر الحركات الشعبوية اليمينية المتطرفة بشكل أساسي ظاهرة تغير المناخ، لكنها في المقابل ترى إمكانية الاستفادة من المخاوف الناجمة عن هذه الظاهرة خاصة في ظل ظواهر الطقس المدمرة التي تعصف بالعالم مثل الفيضانات العارمة ومواسم الجفاف طويلة الأمد.
فعلى سبيل المثال، استشهد المدعي العام لولاية أريزونا الأمريكية بقضية حماية البيئة عندما رفع دعوى قضائية ضد خطط إدارة الرئيس جو بايدن الرامية إلى تخفيف قوانين الهجرة، زاعما أن المهاجرين من أمريكا اللاتينية سوف يستنزفون الموارد ويتسببون في انبعاثات وتلويث أكبر للبيئة إذا لم يتم إبعادهم عن طريق بناء جدار حدودي مع المكسيك.
ولم يتوقف الأمر على الولايات المتحدة بل ظهرت أصوات ودعوات مماثلة في القارة الأوروبية. فقد أشارت مرشحة اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية السابقة في فرنسا مارين لوبان إلى تغير المناخ وحماية البيئة في حملاتها الانتخابية لجذب أصوات اليمين بينما دعا جناح الشباب في حزب " البديل من أجل ألمانيا " اليميني إلى تبني قضية تغير المناخ كأداة لجذب عناصر جديدة رغم إنكار الحزب لظاهرة التغير المناخي.
أصول نازية لحركات الفاشية البيئية
رغم أن حركات الفاشية البيئية تستند إلى العديد من نظريات اليمين المتطرف، إلا أن الكثير من ايديولوجيتها تعود إلى الحركات النازية والحزب الفاشي في إيطاليا. وفي ذلك، قال توماس "سوف تستخدم (هذه الحركات) نقاط الحوار بشأن البيئة لتبرير بعض مبادراتها الرئيسية مثل إنشاء موطن" وهو المفهوم الذي روج له النازيون الاستعماريون لإنشاء "مكان عيش" خاصا بالألمان في المستعمرات. وأضاف "لقد رأت هذه الحركات وجود مجتمعات غير ألمانية باعتبارها تمثل تهديدا ضد الثقافة والبيئة الألمانية."
يشار إلى أن هذه الأيديولوجية مهدت الطريق أمام تبني ما يُعرف بأول قوانين حماية الألمانية عام 1935 بالإضافة إلى الدفع نحو توسع الزراعة العضوية. ولا تزال عناصر حركات اليمين المتطرف في ألمانيا وأوروبا تناصر القضايا البيئية مثل الزراعة العضوية فيما باتت الجماعات المدافعة عن البيئية في خطر التسلل من قبل متطرفين يمينيين.
وأشار توماس إلى وجود تشابه في دوافع الفاشية البيئية في الوقت الحاضر وحركات النازية في الماضي، مضيفا أنه في ألمانيا خلال الحقبة النازية وإيطاليا إبان الحكم الفاشي، رأى البعض أن الرأسمالية والتقدم والازدهار الصناعي يجلبان أيضا التحضر السريع والتدهور البيئي بما في ذلك تهجير سكان الريف.
وفي الولايات المتحدة، استغلت شخصيات يمينية متطرفة المخاوف البيئية كمبرر للترويج لأفكارها حيث قام ريتشارد سبنسر الذي يصف نفسه بالزعيم القومي الأبيض قبل مظاهرة "توحيد اليمين" في مدينة شارلوتسفيل الأمريكية عام 2017 بالإشارة إلى ضرورة حماية الطبيعة في منشورات على شبكة الإنترنت.
وزعم سبنسر في السابق بأن "الحل الواضح لأضرار تغير المناخ" يتمثل في "الحد وتقليل عدد السكان".
حماة البيئة يرفضون "أفكار اليمين المتطرف"
من جابنها، أكدت الحركات التي تدافع عن البيئة رفضها للفاشية البيئية في عدة مناسبات حيث شددت على أن أفكار الفاشية البيئية تعمل على تبييض خطاب الكراهية وتركز بشكل أكبر على تفوق الجنس الأبيض أكثر من حماية البيئة.
وتؤكد حركات الدفاع عن البيئة على أن الدول الغنية والغربية وراء تدمير البيئة وليس المجتمعات التي يسعى الفاشيون البيئيون إلى تدميرها، فيما أظهر تقرير أممي أن زيادة الثروة وليس النمو السكاني يعد المحرك الأكبر لاستنزاف موارد الكرة الأرضية.
وقد ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن التأثير الناجم عن النمو السكاني يتضاءل مع ارتفاع معدل الانبعاثات، مشيرة إلى أن السكان في أغنى دول العالم يتسببون في انبعاثات تفوق بمعدل 50 مرة عن انبعاثات سكان البلدان الأكثر فقرا رغم تباطؤ النمو السكاني بها.
وتدعو المنظمات المدافعة عن البيئة إلى فضل النمو السكاني عن استهلاك الموارد الطبيعية ومعدل الانبعاثات من خلال إعادة تنظيم الاقتصادات وتبني الممارسات الأكثر استدامة.
أليستير والش / م ع