السياحة البيئية... فرصة لإنعاش الاقتصاد في ناميبيا
١٦ مارس ٢٠١١عندما تشرق الشمس صباحا فوق صحراء ناميبيا ويخضب اللون الأحمر الكثبان الرملية الشهيرة، تبدأ أول أفواج السياح بالتوافد إلى هناك. ويحرص معظم الزائرين على مشاهدة هذا المنظر الطبيعي الخلاب. وحول منطقة سوسولفاي Sossusvlei، يتسلق السياح الكثبان الرملية التي يفوق ارتفاع بعضها 300 مترا وعندما يصلون إلى قمة هذه الكثبان عندها يتضح لهم بوضوح مساحة الصحراء الشاسعة. وبغض النظر عن بعض الطرق القليلة التي تخترق الصحراء، فإنها تبدو من الأعلى وكأنها بحر من الرمال مترامي الأطراف ولا نهاية له.
مثل هذه التجارب تجتذب السياح إلى ناميبيا، ولاسيما إلى المناطق في جنوب غرب البلاد، التي تحظى بإقبال كبير خصوصا من قبل السياح الألمان. و يلعب عامل اللغة دورا كبيرا في ذلك، إذ كانت ناميبيا مستعمرة ألمانية حتى عام 1915، وتستخدم اللغة الألمانية هناك على نطاق واسع حتى اليوم. وتتمتع ناميبيا باستقرار سياسي نسبي، كما أن خطر الإصابة فيه بمرض الملاريا منخفض للغاية، وهذه العوامل تجعل ناميبيا بلدا جذابا للسياح الراغبين في قضاء عطلتهم في إفريقيا.
السياحة البيئية تدفع عجلة النمو
إن ازدهار السياحة في ناميبيا له جوانب ايجابية متعددة، على رأسها توفير مصدر دخل للسكان من عائدات السياحة. لكن من ناحية أخرى، يصعب تحقيق أهداف حماية البيئة، بالنظر إلى العدد المتزايد من السياح، الذين يبلغ عددهم أكثر من مليون سائح كل عام، بينما لا يتجاوز عدد سكان البلاد مليوني نسمة. ويستهلك قطاع السياحة كميات إضافية من الطاقة، وكمية كبيرة من مياه الشرب، في بلد يعاني أصلا من ندرة المياه. هذا في الوقت الذي تعتمد فيه ناميبيا على جارتها جنوب إفريقيا لتوفير إمدادات الكهرباء، حيث تستورد من الخارج ما يصل إلى 80 في المائة من حاجتها للطاقة.
يمكن للسياحة البيئية أن تمثل حلا في هذا الخصوص، فهنا يتم وضع اعتبار خاص للحفاظ على البيئة والطبيعة. وهذه الجوانب تكتسب أهمية متزايدة بالنسبة للسياح. وفقا لاستطلاع أجراه الصندوق العالمي لحماية الطبيعة WWF، فإن 25 في المائة من الألمان يرغبون في التركيز على المعايير البيئية، لدى سفرهم لقضاء عطلة في الخارج.
غياب الدعم الحكومي الكافي
وكما يلاحظ اندرو جيليس، وهو مالك إحدى الشركات في جنوب أفريقيا، فإن الاهتمام والوعي بالمعايير البيئية يزداد يوما بعد يوم. وتدير شركته co Lodgistix خمسة فنادق صغيرة في ناميبيا وعلى رأسها فندق DesertHomestead، الذي يبعد بضعة كيلومترات من الكثبان الرملية الشهيرة في منطقة Sossusvlei. وتعمل أنظمة التدفئة والتبريد والإضاءة في تلك الفنادق الصغيرة بالطاقة الشمسية. وكما يقول جيليس فإن "هذا المفهوم ليس بالجديد، لكن هناك دائما سياح يطلبون الإطلاع عن قرب على كيفية العمل في الفندق، ويستفسرون عن المصادر التي تأتي منها الطاقة. ويضيف "إلا أن توليد الطاقة بواسطة تكنولوجيا صديقة للبيئة أمر مكلف، والحكومة في ناميبيا لا تقدم أي نوع من الدعم لبناء أنظمة الطاقة الشمسية، وهكذا ينبغي علينا رصد أموال كثير للحصول على تلك الأنظمة، وكان ذلك سيصبح في حكم المستحيل، لولا الدخل الذي نجنيه من قطاع السياحة."
ويقدم الاتحاد الأوروبي الدعم لشركة Lodgistix وللفنادق التي تديرها جنوب غرب الحديقة الوطنية في إيسوتا Etosha. وهي مملوكة بالكامل للبلديات، وهو الأمر الذي لا يعتبر بديهيا في ناميبيا، حيث لا تزال ملكية الأرض غالبا في يد الأقلية البيضاء. لكن الآن أصبح بإمكان السكان المحليين المشاركة في مجال السياحة. وقد أصبح ذلك بدوره يمثل حافزا لهم للتخلي عن الصيد كمصدر أساسي للدخل، كما يوفر من ناحية أخرى الظروف الملائمة لازدهار الطبيعة والحياة البرية، دون العوائق التي كانت قائمة من قبل. وفي هذا السياق يقول جيليس "نحن نحاول الحد من الصراع القائم بين الحيوانات والبشر، وتعزيز التعايش السلمي بينهما".
وينطبق هذا أيضا على الشركات العاملة في مجال تنظيم الرحلات البرية، وكما توضح هيلين دافنر التي أسست شركة لتنظيم رحلات السفاري عام 1983: "نحن نعتبر أنفسنا منظمين لرحلات السفاري وحماة للبيئة في آن واحد." فمن يقرر القيام برحلة سفاري للاستمتاع بالطبيعة البرية في ناميبيا، عليه أن يبيت في المخيمات المصممة بأسلوب رفيق بالبيئة. فشمس الصحراء توفر الكهرباء، أما مياه الأمطار فتستخدم لغسل المراحيض. ويذهب جزء من عائدات المخيمات لمشاريع حماية الطبيعة وتنوع الحياة البرية، ومنها على سبيل المثال المشروع الخاص بحماية وحيد القرن الذي يعيش في الصحراء والمهدد بالانقراض. وقد أشادت جهات عديدة بتلك الجهود من بينها الصندوق العالمي لحماية الطبيعة.
ضرورة التواصل بشكل أفضل
إن عددا متزايدا من الفنادق والشركات العاملة في مجال تنظيم رحلات السفاري، تركز بشكل مدروس على عامل الاستدامة. وكما يقول فولفغانغ تراسداس، البروفيسور المتخصص في مجال السياحة المستدامة في جامعة إيبرسفالده للعلوم التطبيقية، فإن"السياحة في ناميبيا تتأثر بالاعتبارات البيئية. فقد أصبح الناس يدركون الآن أن الطبيعة والحياة البرية تمثل موارد سياحية."
ويجري البروفيسور تراسداس في الوقت الراهن عددا من الأبحاث في ناميبيا، وهو يشعر بالسرور عندما يرى أن الأماكن المخصصة لاستقبال السياح مزودة بالخلايا الشمسية، بدلا من مولدات الديزل المعتادة. وهو يؤمن بشكل قاطع بأن السياحة يمكن أن تساعد على إدخال التقنيات لتوليد الطاقة بأساليب رفيقة بالبيئة.
وهناك الكثير من الأساليب لتحقيق ذلك الهدف. فالعديد من الفنادق والأماكن المخصصة لإقامة السياح تلتزم في عملها بالمعايير البيئية، إلا أنه ينبغي عليها الآن تكثيف جهودها في مجال التنسيق للإعلان عن خدماتها وتقديم نفسها بصورة أفضل. وكما يقول تراسداس "لقد فشلت صناعة السياحة فيما يتعلق بأسلوب الاتصالات المتبع بين العاملين على تقديم هذه العروض المستدامة." وبحسب البروفيسور المتخصص في مجال السياحة المستدامة، فإن هناك شيء واحد فقط، يمكن له المساعدة في هذا الصدد، وهو قيام السياح بالاستفسار عن تلك العروض على وجه التحديد.
آنيا كوخ/ نهلة طاهر
مراجعة: طارق أنكاي