السبسي.. مخضرم ثمانيني يرأس بلد ثورة الشباب
٢٢ ديسمبر ٢٠١٤
بفوزه في أول انتخابات رئاسية تعددية في تونس بعد الثورة، يكون الباجي قايد السبسي رئيس حزب "نداء تونس" الليبرالي العلماني، قد أحدث مفارقة في تاريخ البلاد السياسي، حيث تمكن السياسي المخضرم ذو الـ88 عاماً، من الفوز على محمد المنصف المرزوقي الرئيس المؤقت للبلاد والذي كان يحظى بدعم من شباب بلد مهد الربيع العربي الذي أشعلت ثورة شبابها المنطقة بأسرها.
ولذلك فإن فوز السبسي في أول انتخابات رئاسية تعددية بعد إقرار الدستور الجديد، يشكل انتكاسة لرموز ثورة الربيع العربي، ورسالة إخفاق لتجربة تحالف حكومة الترويكا التي قادها حزب النهضة الإسلامي. ولا يملك الرئيس سوى صلاحيات محدودة فيما يتعلق بالسياسة الدفاعية والخارجية. وسيكون البرلمان ويقوده حزب "نداء تونس" أيضاً - إذ فاز بمعظم المقاعد - هو الأساس في اختيار رئيس وزراء جديد لقيادة الحكومة.
سليل عائلة ملكية يرأس الجمهورية
ولد قايد السبسي عام 1926 في ضاحية سيدي بوسعيد شمال العاصمة تونس، وينتمي إلى أسرة لها صلات بعائلة الباي الحسيني التي كانت تتولى العرش الملكي قبل استقلال تونس وتأسيس الجمهورية. ويعتبر السبسي من رموز نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس بين 1956 و1987، وتولى في عهده العديد من المناصب بينها وزارات الداخلية والدفاع والخارجية.
كما تولى في بداية عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي منصب رئيس مجلس النواب بين 1990 و1991 وشغل حتى 2003 عضوية اللجنة المركزية لحزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم في عهد بن علي.
وفي مطلع شباط/ فبراير 2011، عاد قايد السبسي إلى السياسة التي هجرها قبل عشرين عاماً بعدما تم تعيينه رئيساً للحكومة خلفاً للمستقيل محمد الغنوشي. وبقي في هذا المنصب حتى نهاية 2011 تاريخ تسلم حزب النهضة الإسلامي الحكم إثر فوزه في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011. وكانت تلك أول انتخابات حرة وديمقراطية في تاريخ تونس.
مناوئ شرس لإسلاميي "النهضة"
وفي مسعى لكسر هيمنة التحالف الذي كان يقوده حزب النهضة، أسس الباجي قايد السبسي عام 2012 حزب "نداء تونس" الذي فرض نفسه سريعاً على الساحة السياسية كأكبر خصم علماني لحزب النهضة، وحل الأول في الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
ويقدم الباجي قايد السبسي نفسه كامتداد للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، بل إنه ظهر في مقاطع دعائية مصورة للانتخابات كشبيه لـ"الزعيم بورقيبة" الذي يُنظر له كزعيم محرر للبلاد من الاستعمار وكرائد في مجال الإصلاحات الاجتماعية وتحرر المرأة.
واعتذر السبسي في وقت سابق للتونسيين عما اعتبره "خطأ ارتكبه"، عندما زكى قبل انتخابات 2011، إسلاميي حركة النهضة لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما. وفي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال إن عودته إلى السياسة في سن متقدمة تهدف إلى "إصلاح ذاك الخطأ". وذكر بأنه أبلغ أوباما عند زيارته إلى الولايات المتحدة في 2011 بأن "الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية" وأن حزب النهضة التونسي "ليس مثل الآخرين".
وغير قائد السبسي موقفه من حركة النهضة بعد وصولها إلى الحكم، بسبب ما اعتبره "تراخياً" منها في التعامل مع عنف مجموعات إسلامية متطرفة ظهرت بعد الثورة. ويضم حزب نداء تونس نقابيين ويساريين وأيضاً منتمين سابقين إلى حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم في عهد بن علي الذي حكم تونس بين 1987 و2011. وتم حل هذا الحزب بقرار قضائي في آذار/ مارس 2011.
وتقول المعارضة إن نداء تونس "تجمع جديد" (أي حزب بن علي في ثوب جديد) وإن قايد السبسي من "أزلام" نظام بن علي. واستبعد السبسي مخاوف بعض فئات التونسيين من عودة "منظومة الاستبداد" ويُقصد بها شبكات سياسية وأمنية ومالية وإعلامية مرتبطة بنظام الرئيس السابق بن علي.
"منقذ لتونس"
وتزعم الباجي قايد السبسي حملة احتجاجات شاركت فيها قوى يسارية ونقابية وليبرالية علمانية، في صيف 2013، ضد حكومة الترويكا بقيادة حزب النهضة، وذلك في أعقاب اغتيال السياسيين المعارضين، اليساري شكري بلعيد والعروبي محمد البراهمي، وأدت تلك الاحتجاجات إلى عقد جلسات حوار وطني توجت باستقالة حكومة علي العريض القيادي في حزب النهضة، كمخرج من الأزمة السياسية التي دخلت فيها البلاد.
ثم تولت حكومة من الكفاءات المستقلة، بقيادة المهدي جمعة، إدارة شؤون البلاد بموجب خارطة طريق طرحها الرباعي الراعي للحوار الوطني وخصوصاً مركزية الاتحاد العام التونسي للشغل ذات النفوذ الواسع في البلاد، لإقرار دستور جديد وتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية.
وإثر إزاحة حزب النهضة من الحكم، بدأ السبسي يقدم نفسه كرجل توافقي، و"منقذ لتونس" من مرحلة عدم الاستقرار والإرهاب الذي تُتهم حكومة إسلاميي النهضة في التساهل في انتشاره في البلاد.
وكرس السبسي توجهه التوافقي في حملته للانتخابات الرئاسية وإثر فوز حزبه في الانتخابات التشريعية، حيث تبادل حزبه نداء تونس التصويت في انتخابات رئاسة مجلس النواب مع حزب النهضة الذي جاء ثانياً في الانتخابات التشريعية، الأمر الذي حمل إشارات على وجود بوادر توافق حول تشكيل الحكومة المقبلة.
بيد أن حزب النهضة أبقى على موقفه "الحيادي" إزاء السباق الرئاسي، وسط أنباء عن تصويت قسم كبير من مناصريه لفائدة المرشح منصف المرزوقي.
ومن بين أبرز الوعود التي قدمها السبسي خلال حملته الانتخابية، "إعادة هيبة الدولة" في مواجهة مظاهر الانفلات الأمني وأعمال العنف والإرهاب التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، كما تعهد السبسي بتعديلات في السياسة الخارجية ومنها الموقف من الأزمتين السورية والليبية، وإعادة الدفء لعلاقات تونس مع المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة التي تدهورت في فترة حكومة الترويكا التي يتهمها البلدان الخليجيان، بالتحالف مع قطر وجماعة الإخوان المسلمين وتركيا.