الدراسات العليا في مصر: استفادات وظيفية واجتماعية بلا تطبيق عملي
٤ سبتمبر ٢٠١٢لم يعد كثير من المصريين يكتفي بتخرجه من الجامعة والحصول على درجة البكالوريوس، بل أصبح جزء كبير منهم يسعى للحصول على الماجستير ثم من بعده الدكتوراه. وبنسبة الحاصلين على تلك الدرجات العلمية في مصر قد يكون من المنطقي وجود تقدم علمي في شتى المجالات نظراً لوجود عدد كبير ومتزايد من الخبراء لكن على عكس المتوقع هو الواقع. لتبقى مصر من أقل الدول تقدماً في المجال العلمي وتبقى الأبحاث والمشاريع العلمية حبيسة أوراق ملقاة في أدراج المكاتب يغطيها الغبار. وتظل الاستفادة الوحيدة من تلك الأبحاث إما ترقية وظيفية أو وجاهة اجتماعية بالحصول على لقب "دكتور".
الترقي في السلم الوظيفي هو الدافع
الدكتورة جيهان كمال، طبيبة الأمراض الباطنة، حاصلة على درجة الدكتوراه لكن دوافعها في الحصول عليها كانت أبعد ما تكون عن طلب العلم على حد قولها. وتشرح جيهان لـDW عربية قائلة: "كان يجب علي الحصول على الماجستير ومن بعده الدكتوراه للترقي في السلم الوظيفي للجامعة لكن الغرض العلمي لم يكن في الحقيقة دافعاً". وتضيف الدكتورة جيهان "في جميع الأحوال أنت لا تنجح في مصر في مناقشات تلك الرسالات إلا بعلاقاتك الشخصية وليس بما أنجزته حقيقة في البحث". عشر سنوات هي المدة التي احتاجتها جيهان لتحضير ومناقشة رسالتي الماجستير والدكتوراة لكن رغم طول تلك المدة ترى أن المردود العائد عليها كان مساوياً لتعبها إلى حد كبير. وتقول في هذا الشأن: "استفدت منها في الترقي والحصول على مكانة وظيفية أفضل لكني أعرف جيداً أن بمجرد خروجي من النطاق الذي أنا فيه، فرسالاتي لا تساوي شيئاً".
وعلى جانب آخر، لا ترى جيهان انه بالإمكان تطبيق الرسالات العلمية بشكل عملي في مصر لسببين. وتفندهما طبيبة الأمراض الباطنة لـDW عربية قائلة: "الأول هو أن معظم الرسالات ليس بها الجديد فعادة يكون موضوع قديم ولا تضيف إليه الرسالة شيئاً". وتضيف: "أما السبب الثاني فهو حتى إذا ما قدمت الرسالة الجديد في موضوع البحث يبقى ضعف الإمكانيات والتكلفة العالية عائقاً أمام تنفيذها". وتبقى الدكتورة جيهان شبه واثقة أن أحداً لم يمس نسخ رسالاتها أو حتى يلقى عليها نظرة منذ أن ناقشتها ووضعت في مكتبة الجامعة.
"تسعون بالمائة من الرسالات محلها أدراج المكاتب"
"تسعون بالمائة من الرسالات تراكمية لا تقدم جديداً محلها أدراج المكاتب أما العشرة بالمائة المتبقية فتقدم إضافة لكن أحداً لا يهتم بمتابعاتها لتحصل الآخريات في الأدراج"، بهذه الكلمات بدأ حديث دكتور محمد نبيل لـDW عربية. ويحمل نبيل درجة الدكتوراه في الحقوق من جامعة عين شمس وحصلت رسالته على لقب أحسن رسالة في كليته لعام مناقشتها لكن رغم ذلك لم تجد الاهتمام. ويسرد نبيل قصته لـDW عربية قائلاً: "كان من المفترض أن يتم ترشيح الرسالة لجائزة الدولة التشجيعية لكن تم رفض ذلك نظراً لما أسموه صغر سني رغم أنني كنت في الحادية والثلاثين من عمري". ويرى نبيل أن أفعال كتلك تصيب الباحث بالإحباط ومع ذلك فهو لا يرى في قضاء سبع سنوات من عمره إهدارا لوقته. "على الأقل استفدت معنوياً لوصولي لما كنت أبحث عنه كما أن للدرجة العلمية فوائد من الناحية الوظيفية".
ويتحدث نبيل عن فوائد الدرجات العلمية من الناحية الاجتماعية والوظيفية فيقول لـDW عربية: "في صعيد مصر، نظراً لقلة عدد الحاصلين على تلك الدرجات، فبعضهم يتجه للحصول عليها كنوع من الوجاهة الإجتماعية امام اهل بلدته". لكن في رأيه أن الدافع يختلف عند ساكني العاصمة "فالحصول عليها يكون للترقي الوظيفي". ويعترف نبيل بتأثير الحصول على درجة الدكتوراه في حياته الوظيفية فيقول لـDW عربية: "في العمل الجامعي حيث أحاضر فالحصول عليها يعني ترقية وزيادة في الراتب". ويضيف: "وأيضاً لها تأثير في عملي في المحاماة فالذهاب لمحامي حاصل على درجة الدكتوراه تختلف عن غيره ممن يعمل بالبكالوريوس فحتى أتعابهم تختلف". وعلى جانب آخر، يسعى نبيل حالياً لتكملة أبحاثه من حيث أنتهى هو في رسالته بعدما يأس من اهتمام احد بتكملتها.
"لن أضيع عمري في كتابة أوراق لن يستفيد منها أحد"
وكان لـDW عربية استطلاع لرأي بعض الجماهير في هذا الموضوع. وتعتقد ساندرا فرج، خريجة كلية الإعلام، أن الحصول على تلك الدرجات العلمية بالفعل أصبح للوجاهة الاجتماعية عوضاً عن العلم في حد ذاته. وتقول ساندرا لـDW عربية: "لم أفكر بتاتاً في الحصول على الماجستير أو الدكتوراه لكني أنصح من يريد أن يقوم بذلك بأن يحصل عليها من الخارج". ورغم إقتناعها بأن البعض قد ينظر إلى تلك الأبحاث بعد نهايتها ويأخذها على محمل الجد إلا أنها تظل تعتقد بأن تلك الأبحاث والرسالات لا فائدة منها في مصر.
"بالطبع الحاصلين على الدكتوراه تحديداً يتم النظر إليهم على أنهم في مكانة إجتماعية عالية رغم معرفة الجميع أن تلك الأبحاث التي قاموا بها لا تُفعل على أرض الواقع". تقول رضوى أسعد، سكريتيرة، لـDW عربية. وترى رضوى أن الدوافع للحصول على تلك الدرجات العلمية يقتصر على العمل الجامعي "فهي لا تفيد إلا من يعمل في هيئات تدريس الجامعات". وتستبعد خريجة كلية التجارة أن تفكر في سلك هذا المسار موضحة أنها غير مستعدة لإهدار عمرها بين الأوراق والأبحاث على حد تعبيرها.
"كلها أوراق بلا فائدة وتظل حبيسة ادراج المكاتب"، يقول الموظف محمود شهاب لDW عربية تعليقاً على سؤال إذا ما كان يفكر في عمل دراسات عليا والحصول على درجة علمية أعلى من البكالوريوس. ويضيف شهاب: "لن أضيع عمري في كتابة أوراق لن يستفيد منها أحداً فالأفضل أن أكتسب خبرات عملية تفيدني في وظيفتي". ويرى شهاب أن لقب دكتور هو كل ما يسعى إليه الباحث وليس أي إضافة علمية. ويقول في هذا الشأن: "حتى إذا ما توصل لشيء فلن يتم تطبيقه فالروتينية والتقليدية تغلب على طريقة تفكير الغالبية العظمى ولن يترك أحداً الآخر ليبدع".