الترحيل الطائفي سلاح دول الخليج في وجه المعارضة
١٨ مارس ٢٠١٥لم يرد حتى الآن توضيح رسمي إماراتي أو لبناني لأسباب قرار السلطات الإماراتية المثير للجدل بترحيل سبعين لبنانياً، معظمهم شيعة، من أراضيها. وبينما تزداد التكهنات حول تلك الأسباب، يأتي قرار السلطات الإماراتية ليسلط الضوء مجدداً على الاتهامات التي تواجهها دول خليجية بانتهاك حقوق الإنسان من خلال الترحيل بشكل تعسفي، سواءً لمن يحملون جنسياتها أو للأجانب. ويتهم حقوقيون خليجيون ومنظمات دولية سلطات تلك الدول بلعب الورقة الطائفية للضغط على المعارضين من جهة، وعلى الدول التي تجمعها بها خلافات من جهة أخرى.
هي ليست المرة الأولى التي ترحل فيها الإمارات ودول خليجية أخرى لبنانيين شيعة من أراضيها. فقد سبق وأن رحّلت العشرات منهم عام 2009 للاشتباه في علاقتهم بمنظمة حزب الله. وفي عام 2013 رحلت قطر 18 لبنانياً بناءً على قرار صادر عن دول مجلس التعاون الخليجي بفرض عقوبات على حزب الله بسبب اتهامه بتقديم الدعم العسكري لقوات نظام الأسد في سوريا. لكن القرار الأخير أثار المزيد من الجدل بسبب حالة الاستقطاب السياسي والطائفي الحاد التي تشهدها المنطقة حالياً.
"اضطهاد سياسي وطائفي"
وتشير بعض التقارير إلى أن أكثر من مائة ألف لبناني يعملون في الإمارات. كما تستضيف دول الخليج أعداداً كبيرة من المهاجرين اللبنانيين من مختلف الطوائف. ويعتبر يوسف المحافظة، نائب رئيس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، أن قرار السلطات الإماراتية هو رسالة موجهة لحزب الله اللبناني بعد تصريحات زعيمه حسن نصر الله المنتقدة لدول خليجية. ويقول المحافظة في حديث لـDW عربية: "الرد على تصريحات نصر الله كان بالتهديد بطرد الشيعة من الخليج، خصوصاً في البحرين. بشكل عام، هناك اضطهاد سياسي من جهة وطائفي من جهة أخرى للمعارضين لسياسات دول خليجية والمطالبين بالديمقراطية فيها".
لكن الصحفي والخبير السعودي خالد الغنامي ينفي أن تكون هناك أسباب طائفية وراء قرار الإمارات، مضيفاً، في حواره مع DW عربية أن "الإمارات لم تكن يوماً دولة طائفية، ولا أعتقد أنه يمكن اتخاذ قرارات كهذا لمجرد الرد على انتقادات جهة ما. الواقع هو أن لبنان - شئنا أم أبينا - متورط في الحرب الأهلية السورية، التي يسعى الجميع كي لا تنتشر، بما فيهم الإمارات". ويعتقد الغنامي أن قرار الإمارات بترحيل هؤلاء الأشخاص راجع إلى علاقتهم بحزب الله، الذي "يبدي جلياً التزامه بمبدأ تصدير الثورة كما جاء في نصوص (مرشد الثورة الإسلامية في إيران) الخميني"، حسب تعبير الخبير السعودي.
قرارات ملكية
ويرى الغنامي أن من حق كل دولة السعي للحفاظ على أمنها الداخلي في حال استشعرت أن أفراداً أو جماعات أو طوائف "يمكن أن يتسببوا في كارثة أمنية مفاجئة أو يمكن أن يشكلوا خطراً على السلم الاجتماعي ولو بعد حين، أو يمكن أن يكونوا جهاتٍ استخباراتية لحزب الله، مثلاً". لكن الناشط الحقوقي يوسف المحافظة يقول إن دول الخليج ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وللمواثيق الدولية بإقدامها على سحب جنسيات وترحيل أعداد كبيرة ممن تعتبرهم معارضين لتوجهاتها بدعوى أنهم يشكلون خطراً على أمنها.
وكانت منظمة العفو الدولية قد انتقدت الشهر الماضي لجوء السلطات البحرينية إلى سحب الجنسية من 72 مواطناً "لتكميم أفواههم"، من ضمنهم أربعة صحفيين. وصرح وزير الإعلام البحريني عيسى الحمادي بأن معظم من أسقطت عنهم الجنسية متواجدون في الخارج، مضيفاً أن بإمكانهم التقدم بطلب تظلم أمام القضاء حسب ما يخوله لهم القانون. لكن المحافظة يؤكد أن قرارات الترحيل وسحب الجنسية تعارض القوانين الدولية وحتى دساتير هذه البلدان، ويتابع بالقول: "الدستور البحريني، مثلاً، لا يجيز ترحيل المواطنين. لكن ذلك يحدث على أرض الواقع، وقرارات ترحيل الناس، سواءً كانوا مواطنين أو أجانب، هي قرارات سياسية وتحديداً قرارات ملكية وليست قرارات تمر عبر القضاء كما ينبغي".
ورقة سياسية
السعودية بدورها تعرضت للكثير من الانتقادات بهذا الخصوص، خاصة بعد عزل الرئيس المصري السابق المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي. فقد تم اتهام السلطات السعودية بترحيل قيادات من الإخوان من أراضيها. لكن الغنامي يقول إن ما تقوم به هذه الدول لا يدخل في نطاق ممارسة للضغط عبر استخدام السياسية أو الطائفية، وإنما "هي إجراءات قانونية تماماً، بل من واجب تلك الدول الحفاظ على أمن أوطانها ومواطنيها في ظل ظروف سياسية غير طبيعية والتعامل مع الملف الأمني بما تقتضيه المصلحة الوطنية. الترحيل قانوني تماماً بناءً على ما يمليه مبدأ السيادة الوطنية".
لكن الناشط البحريني المحافظة يعتبر أن الحالات التي يتم فيها سحب الجنسية، مثلاً، إذا حدث ذلك في دول متقدمة، يكون عبر محاكمة عادلة وبقرار قضائي وأدلة واضحة على أن هؤلاء الأشخاص ارتكبو جرائم أو مخالفات في الدول التي استضافتهم، مضيفاً: "هؤلاء ضحايا قبل أن يكونوا ورقة سياسية تستخدمها هذه الدول بحجة أنهم يشكلون خطراً على سلمها وبقرارات يعتبرونها غير قابلة للنقاش لأنها سيادية ومصادرها سرية".