واشنطن تستأنف دعمها العسكري لمصر
١ أبريل ٢٠١٥رحب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقرار الولايات المتحدة استئناف توريد الأسلحة الثقيلة إلى مصر التي جُمدت إثر القمع الدامي لأنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي، في خطوة يرى فيها المراقبوننهاية الفتور في التعاون العسكري بين البلدين، وحرصا من واشنطن على إبقاء علاقات وثيقة مع حليف قديم في منطقة تمر باضطرابات عميقة. وأبلغ الرئيس الأميركي في اتصال هاتفي نظيره المصري أنه تم رفع قرار تجميد تسليم مصر 12 طائرة حربية وعشرين صاروخا و قطع غيار لدبابات.
وكانت واشنطن اشترطت لاستئناف مساعداتها العسكرية لمصرالمعلقة منذأكتوبر/تشرين الأول2013، إجراء إصلاحات ديمقراطية في البلاد، لكن يبدو أن الدور الاستراتيجي لمصر باعتبارها أكبر بلد عربي من حيث السكان وأهمية جيشها بالإضافة إلى ما توليه واشنطن من أهمية للدور المصري في الحرب الدولية على الإرهاب، جعل البيت الأبيض، حسب المتابعين، يعدل عن موقفه.
تقارب مصري غربي
ويأتي القرار الأمريكيقبل وقت قصير من زيارة مرتقبة سيجريها السيسي للعاصمة الألمانية برلين بناء على دعوة منها،وبعد حوالي شهرين من تعاقد مصر مع فرنسا على شراء 24 طائرة رافال. واعتبرت الصحف الفرنسية وقتها أن السيسي يفرض نفسه حليفا للغرب في محاربة الإرهاب. بالإضافة إلى تصريحات عواصم غربية بخصوص ضرورة كسر العزلة عن مصر وجيشها، فهل نجحالسيسي بالفعل في خلق تقارب مع الغرب؟
هذا السؤال يجيب عليه مصطفى كامل السيدأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة بالقول إن التقارب بين مصر والغرب قائم بالفعل رغم التصريحات التي تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر. ولكن أهمية القرار الأمريكي تكمن، حسب اعتقاد الخبير المصري، في أنه "يزيل عقبة كانت أمام استئناف علاقات طبيعية بين البلدين خاصة أن وقف المساعدات كان يعتبر نوعا منالعقاب للحكومة المصرية بسبب قيام السيسي بتزعم حملة ضد حكومة منتخبة هي حكومة الإخوان المسلمين".ويضيف الخبير المصري في تصريحات لـ DWعربيةبخصوص خلفيات القرار الأمريكي"قد يكون السبب الأبرز في القرار هو الدور البارز الذي تلعبه مصر في محاربة جماعات إرهابية كانت موجودة قبل الإخوان وأثناء فترة حكمهم لكننشاطها تصاعد مع خلع مرسي".
وبينما يربط البعض بين قرار واشنطن والعملية العسكرية التي تقودها الرياض ضد الحوثيين في اليمن بدعم من دول عربية، منها مصر، أكدت أوساط مقربة من أوباما أن القرار لا يرتبط بالتطورات في اليمن والتدهور الأمني الحاصل فيه.
الحرب على الإرهاب أولوية
وبحسب ما أكده البيت الأبيض، فقد أخطر أوباما نظيره المصري السيسي بأن التمويل الأمريكي سيوجه اعتبارا منعام 2018، بشكل خاص نحو برامج تتعلق بمكافحةالإرهاب وضمان الأمن بمنطقة سيناء. وقالت الناطقة باسم مجلس الأمن القوميالأمريكي، برناديت ميهان، إن هذا التطور "سيتيح ضمان التأكد من إنفاقالمساعدات الأمريكية على برامج تضمن تحقيق الرؤية المشتركة للبلدين في ضمانأمن المنطقة وإلحاق الهزيمة بالجماعات الإرهابية. ويعتبر محمد المنشاويمدير مكتب صحيفة الشروق المصرية في واشنطنأن هذا الجزء من القرار الأمريكييغضب الحكومة المصرية كثيرا، إذ أنهكان بمثابة شيك على بياض لتمويل أي مصاريف مصرية مستقبلية. ويضيف المنشاوي في حوار مع DWعربية"من هنا يعد قرارواشنطن مزدوج الأهداف، خاصة مع رفض البيت الأبيض الإقرار بأن مصر تشهد تحولا ديمقراطيا".
أما زيارة السيسي المرتقبة لبرلين فيرى فيها المنشاوي انعكاسا لتعامل المجتمع الدولي مع "الواقع الجديد" في مصر،ويقول "ليس لواشنطن أو برلين أو غيرهما من بديل إلا التعامل مع من يحكم مصر، والتفكير بشكل براغماتي يبرر سمو مصالح الدول على أي مبادئ تتمنى وجودها".
وبالإضافة إلى ذلك يعتبر الخبير المصري أن تصاعد الحرب على الإرهاب وظهور تنظيم داعش وزيادة وتيرة العنف والصراعات المسلحة في عدة دول تسهل كثيرا من قبول الغرب بالواقع المصري الجديد.ويرى البعض في الموقف الأمريكي تجاوزا عن موضوع حقوق الإنسان في مصر رغم إعلانالبيت الأبيض أن أوباما كرر أثناء محادثته مع السيسي مخاوفبلادهبخصوصسجن ناشطين سلميين والمحاكمات الجماعية، ودعا إلى احترام حرية التعبير والتجمع.
ومنذ عزل مرسي قتلأكثر من 1400 متظاهر من أنصاره خلال سنة ونصف،كما سجن أكثر من 15 ألفا منهم. وحكم على مئات الأشخاص بالإعدام في محاكمات جماعية سريعة أثارت استنكارادوليا.
هل تتأثر العلاقات المصرية السعودية؟
ويتفق الأستاذ مصطفى كامل مع أن السيسي سيكون حليفا وصديقا قويا للغرب معتبرا أن هناك عدة عناصر تجعل منه ذلك،ويقول "سياسات السيسي لا تتناقض مع خطاب الغرب بخصوص الحرب على الإرهاب، خاصة فيما يتعلق بمساندة مصر لحكومات تصارع الإرهاب"، أما العناصر الأخرى فتكمن، حسب كامل، فيعلاقات مصر القوية مع إسرائيل وفتح السوق المصرية أمام الاستثمارات الغربية "كل هذا يتيح المجال للسيسي ليكون ليس مجرد حليف موضوعي، بل حليفا يحيطه الكثير من الود والاحترام".
ويتساءل البعض، عما إذا كان التقارب المصري الغربي سيخفف من تبعية مصر الاقتصادية للسعودية، خاصة في ظل وجود مايعتبره بعض المتابعين إشاراتبأن العلاقات بين الحليفين تمر بحالة من البرود، ومنها أن السعودية لم تظهر حماساً كبيرا للمواقف المصرية في ليبيا، بالإضافة إلى بدء السعودية عمليتها العسكرية في اليمن قبل أيام من انعقاد القمة العربية في مصر، وهو ما ربطه البعض بحرص الرياض على أن لا ترتبط هذه العملية بموافقة مصرية.
لكن الأستاذ كامل يتبنى رأيا مختلفا ويقول "العلاقات المصرية السعودية مازالت قويةبدليل التعاون العسكري بينهما في اليمن، كما أن السعودية دعمت مقترح مصر بإنشاء قوة عربية. ولا ننسى أن مليون مصري يعيشون في السعودية ويحولون أموالا لمصر".
أما المنشاوي فيعلق على هذه النقطة قائلا "لا أعتقد أن السيسي يمتلك ترف السماح بعلاقات متوترة مع الرياض. الملك سلمان مهتم ببناء جبهة سنية لمواجهة النفوذ الإيراني وهو يريد دورا أكبر لتركيا وقطر وهذا قد يغضب مصر. لكن السيسي لا يملك الكثير أمام ذلك". ويرى المنشاوي أن مصر لا تملك بدائل أخرى غير الغرب والخليج ويقول "الحديث عن البديل الروسي أو الصيني مبالغ فيه فالوضع الاقتصادي الروسي متأزم والصين لا تمنح منحا مالية دون ردها".