الجيل اليهودي الجديد في ألمانيا بين حلاوة العيش وشبح المحرقة
يتطلع الكثير من أبناء الجالية اليهودية في ألمانيا الى حياة جديدة ومستقبل خال من تعقيدات الماضي ومشاكله. هذه الرغبة عبر عنها الكثير من أبناء الجيل الجديد لهذه الجالية ممن شكلوا لانفسهم "اتحاد الطلبة اليهود" في برلين والذي يضم في عضويته ما يقرب ألـ 300 عضو. هذا الجيل الذي لم يعايش المحرقة وإنما لا زال متأثرا بها، يأمل بطريقة جديدة في التعاطي مع مختلف نواحي الحياة والمجتمع في هذا البلد. ويتعامل الكثير من الألمان بحساسية تامة مع اليهود، نظرا لما تعرضوا له من ويلات في هذا البلد. وعند معرفة أن الشخص المخاطب يهودي، يلتقط الناس أنفاسهم خوفا من تعبيرات قد تفهم خطئا. هذا التعامل لا يعجب الكثير من أبناء الجيل الجديد، حيث تقول كاتارينا غووس، طالبة السياسة في برلين: "إنني أرغب بالتخلص من هذا الشعور، خاصة عندما يعرف الشخص ديانتي، فإن المعاملة تنقلب كليا، ويبدأ الناس بالحذر في تعبيراتهم وحديثهم إلي." وتعتبر ابنة الـ 29 عاما بأن هذه الطريقة في التعامل ليست ضرورية ولا داعي لها.
اتحاد الطلبة والاندماج
يعتبر إتحاد الطلبة اليهود في برلين من الإتحادات الطلابية الكبيرة، فقد سجل أكثر من 1500 طالب يهودي أنفسهم في هذا الإتحاد منذ تأسيسه في العام 1968. وبعد انهيار سور برلين زادت الهجرة اليهودية من شرق أوروبا إلى ألمانيا، الأمر الذي أدى إلى زيادة طبيعية في عدد أعضاء الإتحاد الطلابي. هذه الزيادة جلبت معها بعض المشاكل الاجتماعية، حيث أن أكثر من 85% من المنتسبين له يتكلمون الروسية، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على الاندماج في المجتمع الألماني. ولذا فإن كاتارينا غووس تخصص جزءا من وقتها من أجل خدمة التعايش المشترك والحوار في هذا البلد والاندماج فيه.
وتعتبر طالبة السياسة "بأن لهذا النشاط الخاص سببين، أولا تعريف اليهود في ألمانيا بدينهم وكذلك تعريف الآخرين بالدين اليهودي وباليهود، إضافة إلى إعطاء صورة مختلفة عن اليهود في ألمانيا." كاتارينا والتي اعتنقت الديانة اليهودية قبل عامين، لا تأكل إلا ما شرعت به هذه الديانة وكذلك بالطريقة الدينية الصحيحة والمتعارف عليها باسم "كوشر"، هذا إلى جانب التزامها بجميع الأعياد اليهودية. من جهة أخرى تعمل هذه الطالبة وبشكل مباشر على دعم الحوار المشترك مع غير اليهود في هذا البلد. ويشارك كاتارينا العديد من زملائها السابقين في الإتحاد مثل دانييل ايرانيي البالغ من العمر 25 عاما والذي عاد من إسرائيل مع والديه قبل 23 عاما. ويعتبر دانييل أن الحياة اليهودية في ألمانيا تعبر عن ذاتها بذاتها ويقول: "إنني أحب ألمانيا والعيش في برلين. ورغم كل المشاكل التي يعاني منها هذا البلد، فإن الحياة هنا جميلة، وخاصة بالنسبة لي كمواطن يهودي، قد يخالفني الكثير في هذا الرأي، إلا أنني أعتبر نفسي مواطنا أوروبيا بخلفية يهودية."
الخيار بين البقاء والهجرة
يرفض الكثير من جيل الشباب اليهودي مسألة الهجرة من ألمانيا، على الرغم من أنهم وفي كثير من الأحيان بحاجة إلى تبرير ذلك، خاصة وأن الكثير من أبناء هذا الشعب يعتبر أنه من الصعب العيش في بلد قام حكامه يوما بقتل الملايين من اليهود. لكن الأمر مختلف تماما بالنسبة لكاتارينا ودانييل اللذين يعتبران أن ممارسة الطقوس اليهودية في ألمانيا هو شي ضروري ومهم جدا. ورغم المأساة اليهودية في ألمانيا فإن برنامج الإتحاد الطلابي مليء بالحفلات والنشاطات الأخرى، وفي هذا المجال يقول دانييل: "إنني أتمنى أن يدرك الناس أن حياة اليهود لا تنطوي فقط على الأحزان وإنما أيضا هناك حياة يهودية مزدهرة في ألمانيا، رغم الفصل المؤلم الذي مرت به الجالية اليهودية في ألمانيا."
وينظر الكثير من أبناء الجيل الجديد للجالية اليهودية بعين الامل الى حياة طبيعية تتناسب مع الواقع الذي يعيشه هذا الجيل والجالية اليهودية في هذا البلد. ويتمنى هذا الجيل أن تكون النظرة إلى القبعة اليهودية على الرأس لا تختلف عن النظرة لحجاب المرأة المسلمة على أنها جزء من الديانة.