الجهاديون يزاحمون القوى الثورية المعتدلة في سوريا
١٨ سبتمبر ٢٠١٣دخل العديد من التغيرات على الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد. ومن أبرز تلك التغيرات انضمام مقاتلين إسلاميين إلى الثوار المعتدلين ليزاحموهم في ساحة المعركة ضد قوى النظام القائم. وحسب دراسة جديدة صادرة عن دار النشر "يانز" المتخصصة في السياسة الأمنية، فإن نصف المقاتلين المعارضين للنظام السوري هم من الإسلاميين من مختلف التوجهات، أي ما يقدر بـ500 ألف مقاتل. ويندرج حوالي عشرة آلاف منهم ضمن الجاهديين الذين يسعون أيضاً لمواصلة الحرب في مناطق أخرى بعد نجاح الثورة السورية.
لكن الوضع في سوريا، التي تعيش حرباًً أهليةً، أصبح مُبهماً ومتشابكاً. ويرى ميشائيل شتيفانس من المعهد الملكي البريطاني للدفاع والدراسات الأمنية (RUSI) في حوار مع DW بأنه "يجب النظر بحذر إلى تزايد عدد القوى الثائرة ضد النظام السوري القائم". ويضيف ميشائيل شتيفانس بأنه من الصعب تصنيف المقاتلين والمنظمات التي ينتمون إليها في تيارات معينة، لأن الإسلاميين والجهاديين ـ حسب شتيفانس ـ يتبعون أيديولوجية تستند على مرجعية دينية، إلا أنه قد تكون هناك اختلافات في الأهداف والبنيات الداخلية لتنظيماتهم. غير أن العديد من الإسلاميين يعتبرون معتدلين. ويصل عدد المتطرفين الذي يعتبرون مصدر قلق ـ حسب نفس الباحث ـ إلى ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص.
سعي لإقامة دول الخلافة الإسلامية من جديد
وخلافاً للإسلاميين المعتدلين، يُعتبر الجهاديون ذوو مخططات جهادية في باقي بلدان العالم الأكثر تطرفاً. وفي سوريا، فإن هدفهم يتجلى في تحويل هذا البلد إلى دولة دينية متشددة. ولتحقيق ذلك، التحق بجبهة الإسلاميين مقاتلون من عدة دول عربية ومن أوروبا وآسيا. وبحسب ميشائيل شتيفانس، فإن عدد المقاتلين الإسلاميين القادمين من أوروبا يقدر بنحو عدة مئات. ويضيف الباحث في المعهد الملكي البريطاني للدفاع والدراسات الأمنية أن "الجماعات الإسلامية المتطرفة تشمل خلايا للاستقطاب في شمال ألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية ،ويتم الدخول إلى سوريا للقتال عبر الأراضي التركية".
وتعتبر جبهة النصرة من أشهر تلك التنظيمات الجهادية ويرجح أن لها علاقات بتنظيم القاعدة الإرهابي. ويقدر عدد المقاتلين المنضوين تحت لوائها بحوالي خمسة آلاف عضو، لكن ميشائيل شتيفانس يعتقد أن عددهم أقل من ذلك. إضافة إلى ذلك، فالعديد من مقاتلي جبهة النصرة ليسوا متطرفين، حسب قوله. وُيرجع ميشائيل شتيفانس سبب التحاق العديدين بجبهة النصرة وإطلاق اللحى إلى تنظيمها الداخلي الجيد وغياب الفساد داخلها. ويرجح الباحث البريطاني أن جبهة النصرة كانت وراء العديد من العمليات الانتحارية والهجمات بالقنابل. وإلى جانب جبهة النصرة توجد أيضاً جماعة "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، التي تعتبر فرعاًً من فروع تنظيم القاعدة، وازداد حجم تأثيرها في المنطقة.
هذا وتلجأ مختلف الجماعات الإسلامية المقاتلة في سوريا إلى دول الخليج من أجل الحصول على الدعم المالي، كما يوضح بول سالم، مدير مكتب الشرق الأوسط لمنظمة كارينغي. لكن لكل جماعة بنية خاصة بها، حسب سالم، إلا أن هدفهم المشترك يتجلى في إقامة دولة دينية عوض الدولة المدنية. وعبّر الناس في المناطق التي تخضع لسيطرة تلك الجماعات عن تقززهم من تصرفاتها، التي يسعى قياديو ميلشياتها للعب دور القضاة الذين يقطعون أيادي الناس ويقتلونهم، حسب بول سالم. كما تتعرض النساء للاضطهاد هناك، ولو أن ذلك يتم بدرجة أقل مما تفعله طالبان في أفغانستان. ويعتبر ذلك "فهماً للإسلام يرفضه المسلمون المعتدلون الذين لم يتعودوا عليه لا في المدن ولا في غيرها من المناطق"، كما يؤكد الخبير في منظمة كارينغي.
انتقادات لتقاعس الغرب
ويعتقد بول سالم أن السوريين لن يكون باستطاعتهم القضاء على المقاتلين الجهاديين لوحدهم، فالأمر يتطلب دعماً كبيراً من الخارج. ولهذا السبب، يلح سالم على دعم الجماعات غير الدينية كالجيش الحر، التي تسعى لإسقاط نظام الأسد من خلال إمدادها بالأسلحة ومساعدتها بالتدريب العسكري، وينظر إلى تردد الغرب في دعم الثوار كموقف ينطوي على مخاطر.
ويقول بول سالم في هذا الصدد: "الجهاديون يحظون بدعم غير مباشر من خلال ترك المجال أمامهم بسبب عدم دعم الغرب للجيش الحر". وعكس الجيش الحر، يبدو أن المتطرفين يمتلكون إمكانات مالية كبيرة وأسلحة ممولة من مصادر خاصة أو من قبل بعض الدول الخليجية. وفي حال عدم دعم الجيش الحر من قبل الغرب، فإن نفوذ الجماعات الإسلامية سيتزايد، بحسب تقديره.
إن انتقال زمام الأمور إلى القوى المعارضة يمكن أن يساهم في تغيير موقف الغرب تجاه الصراع في سوريا. لكن حتى اللحظة، جاء التهديد الوحيد لنظام الأسد من الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال التلويح بضربة عسكرية جوية. وبالنسبة لبول سالم من مركز كارنيغي، فإن هذه الضربة العسكرية لن تكون مستبعدة في حال ازدياد نفوذ الجهاديين وقوتهم وتهديدهم للمصالح الغربية.
كما يوضح سالم أن القوات الأمريكية تتفاوض مع الحكومة العراقية حول نشر طائرات أمريكية بدون طيار على الأراضي العراقية، وذلك لدعم بغداد في مكافحة أنصار القاعدة في العراق. ويضيف الخبير لدى منظمة كارنيغي: "لا أستبعد أن تتفاوض الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلاً مع القوى المحلية والمعارضة السورية بهدف نشر تلك الطائرات الأمريكية في المناطق التي تنشط فيها القاعدة وجبهة النصرة بسوريا".