الجفاف وأزمة المياه في شمال سوريا.. من المسؤول؟
١٨ ديسمبر ٢٠٢١لم ترحم أشعة الشمس الحارقة بستان الزيتون القديم الذي كان مصدر رزق أحمد محمود (52 عاما) بشمال سوريا. فقد جفت أشجار الزيتون وباتت تسقط واحدة تلو الأخرى خاصة في ظل نقص المياه. يقضي محمود نهاره وهو يمشي في بستانه يطوف بين الأشجار، عله يجد شجرة لا تزال على قيد الحياة.
وبنبرة يغلب عليها الأسى، يتذكر حال بستانه في الماضي، ويقول " زرعت مع شقيقي قرابة ثمانية آلاف شجرة في هذه الأرض. لم نزرع فقط الزيتون وإنما أيضا أشجار الليمون والكروم". ويضيف "عندما قام مسلحو داعش بقطع إمدادات المياه لإجبارنا على الإذعان لهم، هلكت 3 آلاف شجرة. وتوقعنا في ذاك الوقت أن الأمور لن تزداد سوءا، بيد أن هذا العام ماتت 3 آلاف شجرة أخرى في ظل نقص المياه".
وقد حدث هذا، رغم أنه يعيش في قرية "عايد صغير" التي لا يتجاوز عدد سكانها ألف نسمة في محافظة الرقة ولا تبعد سوى ثلاثة كيلومترات عند سد الطبقة على نهر الفراتالذي يعد أكبر أنهار سوريا، إذ لا تبعد بحيرة الأسد التي تشكلت خلف السد كثيرا عن أشجار الزيتون التي جفت وماتت.
يشار إلى أن طول بحيرة الأسد يبلغ حوالي 80 كيلومترا وعرضه نحو 8 كيلومترات فيما تصل مساحتها إلى نحو 640 كيومتر مربع وتستطيع تخزين أكثر من 14 مليار متر مكعب من المياه. لكن منذ العام الماضي، انخفض منسوب مياه بحيرة الأسد بمقدار ستة أمتار فيما انخفض أيضا منسوب نهر الفرات حتى باتت المضخات التي من المفترض أن تزود القرى والمزارع بالمياه، غير قادرة على الوصول إلى مياه النهر.
وعلى وقع استمرار تراجع مستوى المياه خلال العام الماضي، تضرر ثلث المضخاتوالبالغ عددها 200 مضخة على طول النهر. وإزاء ذلك، حُرم أكثر من خمسة ملايين شخص في المنطقة من الوصول إلى مصادر المياه، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
أسباب أزمة المياه
لا يمكن البحث عن أسباب نقص وشح المياه في شمال سوريا دون الإشارة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تعد من بين المناطق الأكثر تضررا من ظاهرة التغير المناخي. فقد أفادت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" بأن موسم الأمطار في سوريا تأخر لقرابة شهرين وانتهى قبل شهرين على خلاف المعتاد، مضيفة بأن ارتفاع درجة الحرارة خلال شهر أبريل / نيسان قد أثر على الكثير من المحاصيل في العديد من الأماكن.
وتزامن هذا مع تحذير صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية جاء فيه أن سوريا تعاني من أسوأ موجة جفاف منذ 70 عاما خلال فصل الصيف. ويتوقع المكتب خسارة حوالي 75 بالمائة من المحاصيل البعلية وما لا يقل عن 25 بالمائة من المحاصيل المروية في كافة أنحاء شمال شرق سوريا. وتتفاقم أزمة المياه في شمال سوريا مع انخفاض منسوب مياه نهر الفرات الذي ينبع من تركيا. وقد حذر فيكتور نيلوند، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة في سوريا (يونيسف)، من التداعيات الخطيرة لهذه الأزمة.
وقال نيلوند "يؤثر عدم تدفق مياه نهر الفرات بشكل كاف، على الحياة اليومية لملايين الناس بشكل مباشر. إذ أن مياه الشرب تتناقص في ثلاث مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة في سوريا هي دير الزور والرقة وحلب". وأضاف "نحن بحاجة ماسة إلى إجراء نقاش إقليمي لإيجاد حل لهذه الأزمة في أسرع وقت ممكن".
يشار إلى أن نهر الفرات ينبع في تركيا ويمر عبر سوريا ليصل إلى العراق، وقد شيدت تركيا سدا ضخما على النهر أطلق عليه اسم "سد أتاتورك". وعقب اكتمال بناء السد عام 1987 ، تعهدت تركيا بالسماح بمرور أكثر من 500 متر مكعب في الثانية على الأقل من مياه الفرات إلى سوريا، بيد أن هذا المقدار تضاءل خلال الصيف ليصل إلى 215 مترا مكعبا فقط في الثانية.
من المسؤول عن تعطيش شمال سوريا؟
في ظل هذه الأزمة، يرى المزارعن أحمد محمود، أن تركيا تعد مسؤولة بالدرجة الأولى عن تعطيش شمال سوريا، ويقول "تركيا تريد تجفيفنا ولا فرق (بينها وبين) داعش". يشار إلى أن تنظيم "داعش" سيطر على قرية أحمد محمود "عايد الصغير" لمدة ثلاث سنوات قبل دحر مسلحي التنظيم من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عام 2017. ومنذ ذلك الحين، أصبحت القرية ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تتهمه تركيا بكونه الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره منظمة إرهابية.
وليس محمود الوحيد الذي وجه لتركيا هذا الاتهام إذ أن الكثيرين في قريته "عايد الصغير" يعتقدون أن تركيا تتعمد منع تدفق المياه. بيد أن نيلوند قال إن هذا الزعم لا يمكن إثباته، مضيفا "تناقصت المياه كثيرا ونرى ذلك، لكننا بحاجة إلى إجراء المزيد من التحاليل لمعرفة السبب وراء انخفاض مستويات المياه". في المقابل، لم ترد وزارة الخارجية التركية على استفسارات DW في هذا الصدد.
قطاع الصحة والطاقة على المحك
ولا تتوقف تداعيات أزمة نقص وشح المياه على الضرر الذي تلحقه بالمحاصيل الزراعية، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى قطاعات حيوية لاسيما الصحة والطاقة. وتقول يونيسف إن سوء جودة المياه يؤدي إلى زيادة الإصابات بأمراض مثل الإسهال خاصة بين الأطفال. وتضيف بأن انخفاض مستويات المياه يهدد أيضا مصادر الطاقة خاصة أن حوالي ثلاثة ملايين شخص في شمال شرق سوريا يحصلون على الكهرباء بشكل أساسي من ثلاث محطات للطاقة الكهرومائية على نهر الفرات.
وفي محافظة الحسكة التي كانت تُعد سلة غذاء سوريا، باتت أزمة المياه أكثر ضراوة. فبعد أن كانت مصدرا لنصف الحبوب في البلاد، أصبح الوضع بائسا إذ انخفض مستوى المياه في الخزانات لتتحول إلى برك كبيرة يمكن للشباب صيد الأسماك بأيديهم.
وما زاد الأمر سوءا جفاف نهر الخابور بسبب قلة الأمطار، والذي كان يُفترض أن يزود الحسكة بمياه الشرب. وإزاء كل ذلك، لم يبق أمام أهالي الحسكة في الوقت الحالي سوى محطة مياه علوك قرب الحدود التركية حيث توفر هذه المحطة مياه الشرب النظيفة لنحو 460 ألف شخص. وحتى هذا المصدر أصبح مهددا، إذ إنه خلال العامين الماضيين باتت المحطة تعمل بشكل متقطع.
الخلاف بشأن "محطة علوك"
وقد دعت يونيسف في يوليو / تموز الماضي إلى ضرورة "توقف الإعاقات المستمرة في عمل محطة مياه علوك". بدورها قالت ماجدة أمين، نائبة رئيس بلدية الحسكة، "إن الوضع أصبح متوترا على وجه الخصوص منذ احتلال تركيا سري كانيه (رأس العين) عام 2019 وسيطرتها على (محطة) علوك".
وكان الجيش التركي قد توغل في شمال سوريا في أكتوبر/ تشرين الأول قبل عامين حيث أقام "منطقة عازلة" بطول 30 كيلومترا تقع في نطاقها محطة مياه علوك التي توقفت عن العمل لأكثر من 90 يوما منذ يناير/ كانون الثاني فيما عملت خلال الفترة نفسها بنصف طاقتها لأكثر من 140 يوما. وتلقي تركيا باللائمة في قطع إمدادات الطاقة عن محطة علوك على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فيما باءت بالفشل كافة محاولات وضع المحطة تحت إشراف إدارة محايدة مثل إدارة الأمم المتحدة.
المياه أصبحت باهظة الثمن
وفي ظل هذا الوضع الصعب، يضطر أهالي الحسكة في الوقت الحالي إلى الحصول على مياه الشرب من صهاريج المياه بتكلفة مرتفعة تصل إلى 6 آلاف ليرة (2.25 دولار) لألف ليتر من المياه، وهو يمثل عبئا كبيرا على كاهل السكان إذ يبلغ متوسط الأجور 53 يورو فقط في الشهر. ويقول محمد عبدو (60 عاما) أحد سكان الحسكة، إن مصدر دخل عائلته الوحيد هو "راتب نجله الذي يكسب 250 ألف ليرة سورية شهريا من عمله كسائق في الجيش". ويضيف "يتعين علينا إنفاق 60 ألف ليرة شهريا على المياه التي تكفي الأسرة بالكاد".
ويرأس محمد عبدو، الذي يقطن في حي خشمان في الحسكة، مجلسا محليا منذ شهور، ويقول إن كثيرين من سكان الحي أصبحوا في حالة يأس لأن مزارعهم قد جفت تماما. وصب عبدو جام غضبه على تركيا على وجه الخصوص والسلطات المحلية والمجتمع الدولي، قائلا "لا أحد يساعدنا..لا منظمات إغاثة ولا أي جهة". وأضاف "إذا كانوا يرغبون في القتال يتعين عليهم القتال في ساحة المعارك، لكن دون استخدام المياه كسلاح.. الحياة التي نعيشها ليست حياة إنهم يقتلوننا ببطء".
دانييلا سالا وبارت فون لافرت وشفين محمد / م ع