الثورات العربية في الاعلام الالماني- سقوط صور نمطية وتثبيت أخرى
١٥ سبتمبر ٢٠١١وسائل الإعلام الألمانية اهتمت كغيرها بمتابعة تطورات الثورات العربية منذ انطلاق شرارتها نهاية السنة الماضية من تونس والتي أسقطت حتى الآن ثلاثة أنظمة عربية. ماجد الخطيب الكاتب والصحفي العراقي المقيم في ألمانيا يتحدث عن رؤيته لكيفية تفاعل الإعلام الألماني مع تلك الثورات.
دويتشه فيله: كيف تقيم اهتمام الإعلام الغربي بالثورات العربية؟
ماجد الخطيب: الصحافة الألمانية أبدت اهتماما كبيرا بالثورات العربية، وذلك من خلال التغطيات المستمرة لما حدث ويحدث في كل من مصر وتونس أو ليبيا وسوريا واليمن، وأرى أن تلك التغطيات كانت جيدة، وإن لم ترتق تفصيليا إلى تغطيات الصحافة العربية، لكن في العموم كانت جيدة، لأنها قدمت للقارئ والمستمع والمشاهد الألماني الكثير مما يبحث عنه والكثير من المعلومات التي تجعله يكون فكرة شاملة عما يجري في تلك المنطقة الحساسة من تغييرات على المستوى السياسي والاجتماعي وحتى الثقافي.
قلت إن تغطية وسائل الإعلام الألمانية للثورات العربية لم ترق في كثافتها إلى مستوى الإعلام العربي، هل من أسباب تقف وراء ذلك؟
الإعلام الأوروبي وخاصة الألماني يتميز بأنه يمنح الأحداث التي تقع في معظم أرجاء العالم الكثير من الاهتمام، فهو لا يهتم بمنطقة الشرق الأوسط فقط، ولكن يسلط الضوء على بعض القضايا ذات الاهتمام العالمي، وهنا اقصد الاحداث التي تقع في اسيا او افريقيا أو امريكا. إضافة إلى الإحداث الأوروبية كمشاكل اليورو وغيرها، في حين أن الإعلام العربي فإنه يركز على الاحداث التي تسود العالم العربي، وأظن أن هذا الأمر طبيعي جدا.
هل غيرت الثورات العربية بعض الصور النمطية الموجودة في الإعلام الألماني عن العالم العربي؟
اعتقد أن الربيع العربي غير جزئيا من تلك الصور، فقد اثبت ان الشعوب العربية تريد التحرر من قبضة الدكتاتوريات وأنها تريد مستقبلا أفضل، لكن أعمال العنف التي طبعت تلك الثورات أعطت انطباعا معاكسا. وبذلك فإن الصورة النمطية للعربي في أوروبا لم تتغير كثيرا. كما أننا نقرأ ونشاهد عملية التخويف من وصول التيارات الاسلامية إلى السلطة بعد تلك الثورات، وهذا الأمر قد ينعكس سلبا على صورة العربي في أوروبا مستقبلا.
لكن ما يجب قوله أن الإعلام الألماني الذي يتمتع بمهنية عالية التزم الحياد نسبيا في نقل الأخبار المتعلقة بالثورات العربية، بل كان حذرا في بعض الأحيان، وهو أمر واجب. وقد استطاع أن يتخلص من بعض الكليشهات السابقة، بل وساهم إلى جانب الإعلام العالمي في الكشف عن الجانب الآخر من الحقائق. كما حدث في الشأن الليبي حينما ركزت الصحافة الألمانية على العلاقة التي كانت تربط اجهزة المخابرات الغربية بنظام القذافي وكيف تحولت هذه الأجهزة إلى آلة تعمل ضده وتحاول إسقاطه. وهو أمر يستحق الثناء. من ناحية أخرى ابتعد الإعلام الألماني عن نظرية المؤامرة السائدة في الشارع العربي، والتي تقول إن هذه الثورات مفتعلة من قبل الغرب.
لكن نفس وسائل الإعلام ركزت على بعض الصور النمطية، من خلال الحديث بشكل مستمر، بل وتخويف الرأي العام من خطر الإسلاميين في هذه الثورات، وهو ذات التخويف الذي استعملته تلك الأنظمة الدكتاتورية للدفاع عن نفسها وتبرير بقائها. وهو أمر سيئ.
هل تناول الإعلام الألماني الثورات العربية على انها تغيير حقيقي في المنطقة أم انه ركز على المخاوف المستقبلية؟
الإعلام الألماني عرض وتابع هذه الثورات وحلل أسبابها بشكل جيد جدا، اذ فهموا أن السيل بلغ الزبى عند تلك الشعوب، بل ووصل الامر إلى حتمية هذه الثورات. وهذا ما يفسر تخلي الغرب عن الكثير من حلفائه في المنطقة. كما ركزت ذات وسائل الاعلام على مستقبل الحياة السياسية في المنطقة والمخاوف التي قد تعكر مسار التغيير فيها، بداية من المخاوف الامنية وصولا إلى صعود التيار الإسلامي.
في مقارنة بسيطة بين التغطية الإعلامية للثورات العربية بين وسائل الإعلام العربية والألمانية، ما الفرق الذي سجلتموه؟
هناك اختلاف في التغطية الإعلامية، وهذا راجع إلى بنية تلك المؤسسات الإعلامية. فطبيعة الإعلام العربي إما أن يكون حكوميا أو شبه حكومي، ولذالك فإن حياد تلك المؤسسات يبقى محل تساؤل. أما بالنسبة للإعلام الغربي، وهنا لا أنكر وجود جهات داعمة له، إلا انه يبقى يتمتع بنوع من الحيادية، أو يستطيع طرح نفسه على انه محايد وذلك استنادا للخبرة التي يتمتع بها.
كما أود أن اذكر هنا أن المواطن الغربي يستقي 61 بالمائة من معلوماته من الصحافة المكتوبة، وذلك حسب دراسة أمريكية. فالإعلام الغربي يظهر على أنه ناقل محايد للأخبار، في حين ان هذه الصفة تفتقدها إلى حد كبير أجهزة الإعلام العربية، كما أن الإعلام الغربي يأخذ بعين الاعتبار أن جمهوره ذو تركيبة خاصة تتميز بنسبة أمية اقل ومستوى ثقافي أعلى، في حين أن الإعلام العربي لا يولي اهتماما كبيرا بذلك، أضف إلى ذلك نسبة الأمية العالية في العالم العربي.
لاحظنا مؤخرا ان الصحافة الألمانية انتقدت بشدة موقف الدبلوماسية الالمانية وكيفية تعاملها مع الملف الليبي، إلى أي مدى ساهم الاعلام الألماني في الضغط على حكومة ميركل في تغير مواقفها؟
لا يمكن إغفال دور الإعلام الألماني في ذلك، وان كانت مساهمته ضئيلة مقارنة بالانتقادات التي حصلت عليها ألمانيا من الولايات المتحدة وأصدقائها في دول الناتو. أضف إلى ذلك أن النخبة الحاكمة، وهنا اخص بالذكر النخبة السياسية الاقتصادية وليس بالضرورة الحكومة، شعرت بأن ايطاليا وفرنسا حققوا مصالح اقتصادية اكبر من خلال تدخلهم عبر الناتو، وهذا ما افتقده الجانب الألماني، وهو الامر الذي كاد ان يطيح بوزير الخارجية غيدو فسترفيله.
حاوره: يوسف بوفيجلين
مراجعة: هبة الله إسماعيل