الانتخابات الجزائرية: ترنح المواطن بين الأمل في التغيير ونوايا السلطة
١٢ مارس ٢٠١٢قبل أشهر من موعد الانتخابات البرلمانية في الجزائر زارت دي دبليو عربية حي باب الوادي لجس نبض سكانه. في حي" باب الواد " القريب من حي القصبة العتيق الذي احتضن معركة الجزائر في ثورة التحرير حتى عام 1962، والمجاور أيضا لساحة الشهداء التي احتضنت اعتصام مناضلي جبهة الإنقاذ في يونيو 1991 ، كما أنه أحد الأبواب التاريخية الستة للمدينة البيضاء، هناك تتباين الآراء حول فوز الإسلاميين في الاستحقاقات المقبلة. ففي الوقت الذي يبحث فيه شبان هذا الحي عن الخلاص، وربما الهجرة إلى ما وراء البحار، يتوقع رجال الحي ممن عاشوا التجارب الانتخابية السابقة فوز الإسلاميين.
لا شيء تغير في سوق الدلالة (سوق بيع الخردة) أكبر الأسواق الشعبية في حي باب الوادي منذ توقيف المسار الانتخابي الذي فازت خلاله الجبهة الإسلامية للإنقاذ، سوى أن محمد 45 سنة أصبح رجلا بعدما كان في عز شبابه في بداية التسعينات. محمد يفترش الأرض ويبيع الهواتف النقالة بسوق الدلالة. بالنسبة إليه الهواتف النقالة القديمة مصدر رزقه.
سكان باب الوادي يتوقون لمن يخرجهم من الأزمة
محمد لا يهتم كثيرا بالانتخابات المقبلة، ويقول إن الجزائريين اختاروا في سنوات التسعينات من يمثلهم في البرلمان، والسلطة لم تحترم اختيارهم، ويروي " لقد كنت من بين المتعاطفين مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، صحيح كانت هناك أخطاء من البعض داخل هذا الحزب المحظور، لكن كان يمكن أن تتغير الأمور". حاليا يرى محمد الذي كان منشغلا ببيع الهواتف النقالة وعرضها على المارة أن المعطيات تغيرت ويأمل أن يحقق الإسلاميون الفوز، لكنه لا يثق كثيرا في نوايا السلطة في التغيير، لأن الانتخابات في الجزائر "معروفة بالتزوير"، وعلى مضض يعتقد أن هناك أملا بسيطا في أن يحدث التغيير.
بجواره كان سيد علي منهمكا في بيع الأحذية بالسوق ذاتها. شاب لا يتجاوز عمره 20 سنة ، بدا وكأنه يبحث عن الخلاص، الخلاص من واقع معيشي يقول انه أنهكه. ظل سيد علي يتحدث إلينا مستعينا بحركة يديه في التعبير. بالنسبة إليه فوز الإسلاميين أو الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة ليس في أجندته، فهو يحلم بالهجرة، لا يعرف سيد علي شيئا عن الأحزاب الإسلامية، يعرف فقط الشيخ عبد الله جاب الله، كما ُيعرف علي بلحاج الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية المحلة في الجزائر على أساس أنه تعود زيارة الحي، كلما كان فيه احتجاج.
الحياة صعبة بالنسبة إلى سكان حي باب الوادي، وآثار سنوات الأزمة والدم لا تزال ماثلة، حتى أن بعض ملصقات انتخابات عام 1991 التي صادرها الجيش لا تزال معلقة على جدران الحي. الكل في " باب الواد " منشغل بحياته اليومية، والبيع على الرصيف أمل شباب هذا الحي للعيش بكرامة. سمير 25 سنة لا يهتم بالانتخابات التشريعية، يقول إنه فقد الثقة في التغيير، "ونتيجة الانتخابات بالنسبة إليه معروفة مسبقا". سمير نصب طاولة بيع السجائر في مفترق طرق الشارع، ويحاول مساعدة والده في إعالة إخوته والعيش بكرامة.
يختلف حي باب الوادي الشعبي عن أحياء العاصمة الأخرى كونه من أكثر الأحياء الشعبية محافظة، إذ يمكن مشاهدة النساء المحجبات وأخريات يلبسن الجلباب. تحدثنا إلى سامية المرتدية للجلباب والنقاب بالسوق رفقة ابنتها. تقول سامية " شيء جميل أن يفوز الإسلاميون في التشريعات المقبلة، وأن يعمل هؤلاء على تمثيل رأي الشعب ورفع انشغالاته للسلطة، لكن نخشى أن يغر هؤلاء بكرسي البرلمان ويصبحون يعملون فقط من أجل مصالحهم الضيقة، وأعتقد أن المسالة مرتبطة بالأخلاق والمبادئ".
التغيير السلمي ممكن
يختلف رأي عمي سعيد عن رأي بعض الشباب، فالشيخ سعيد الذي قارب 60 سنة ،يأمل كثيرا في التغيير، ويتمنى فوز الإسلاميين، ويقول " أعتقد أن الأمر يختلف عن سنوات التسعينات، والسلطة لم تعد تخشى من التيار الإسلامي، كما أن العالم يتغير والإسلاميون وصلوا إلى السلطة في مصر وتونس والمغرب، ونريد التغيير بطريقة سلمية، لا نريد أن نعيش ثانية في سنوات الجمر نريد العيش بسلام "، كان عمي سعيد يهم لدخول مسجد السنة لأداء صلاة الظهر، أكبر المساجد التي كانت تسيطر عليها الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، وفيه كانت تجتمع قياداتها، وهناك كانت تلقى الخطب حول تشكيل دولة إسلامية.
أمام مسجد السنة حيث كان يعلو صوت الإسلاميين خلال فترة التسعينات كان بعض الرجال الملتحين جالسين، وحاولنا الحديث إليهم، لكنهم رفضوا، وأغلبهم من المناضلين السابقين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة. وقال أحدهم طلقنا السياسة منذ التسعينات. أما فيصل 34 سنة شاب ملتحي أجاب أن" فوز التيار الإسلامي مرتبط بتحالف مختلف الأحزاب الإسلامية في الجزائر فيما بينها وتطليق السلطة طلاقا مطلقا"، قبل أن ينتقد رفض السلطة عودة مناضلي جبهة الإنقاذ للنشاط السياسي من جديد.
"لا يهم الفائز ... المطلوب من يجد ويأتي بالخير لهذه البلاد"
ينحدر العديد من مناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ من حي باب الوادي الشعبي حيث شنت السلطة خلال توقيف المسار الانتخابي في يناير 1992 حملة اعتقالات واسعة في تلك الفترة، ولا يزال سكان الحي يتذكرون جيدا ما حصل، لكنهم لا يحبذون الحديث في الموضوع، ويريدون النظر إلى المستقبل. الحاجة فاطمة 50 سنة التي كانت تشتري بعض المستلزمات في سوق باب الوادي تقول إنه "لا يهم من يفوز في الانتخابات، الإسلاميون أم الديمقراطيون، المهم حسب وجهة نظرها الطرف الذي يجد ويأتي بالخير لهذه البلاد، ويخرج هذا الشعب من دوامة غلاء المعيشة وأزمة السكن".
فقدت الجبهة الإسلامية المحظورة في الجزائر الكثير من شعبيتها ونفوذها على الأقل في حي باب الوادي الشعبي، ومنع ميثاق السلم والمصالحة قياديي ومناضلي جبهة الإنقاذ من ممارسة نشاطهم، وقلما يتبادل سكان الحي المواضيع السياسية نتيجة مخلفات الأزمة السياسية في بداية التسعينات، فقد أثقلت الأزمة كاهل السكان، وأحرق جمر سنوات الدم أحلامهم. سمير البالغ من العمر 25 سنة يقول إن "كل من في حي باب الوادي بات يفكر في مستقبل أولاده، المهم هو البحث عن مصدر رزق بكل الطرق في التجارة أو في غيرها، والأهم عدم العودة إلى الماضي.
رتيبة بوعدمة ـ الجزائر
مراجعة: محمد المزياني