الأطفال "أبطال" التحرش في الشارع المصري
١٢ أغسطس ٢٠١٥في مقطع فيديو كشفت عنه العقيد نشوى محمود بإدارة مكافحة العنف ضد المرأة، أن أغلب المتحرشين أطفال في سن 12 سنة، مضيفة أن الفئات العمرية فوق العشرين يتسمون غالبا بالرزانة. وفي عام 2013 كشفت حملة "امسك متحرّش" أن 39 في المائة من المتحرّشين في مصر هم من الأطفال. وأغلب بلاغات التحرش وردت من أطفال، تخطت نسبة 52 في المائة. كما كشفت مبادرة " شفت تحرش" أن هذه الظاهرة آخذة في الاتساع، مع صعوبة تعامل مبادرات التحرش معهم وعدم قدرتهم على معاقبتهم خوفاً على مستقبلهم، وهو ما قد يعقًد أية جهود مستقبلية تستهدف مواجهة هذه الظاهرة.
"بنخاف نعرضهم للعقاب بسبب سوء المنظومة القانونية"
يرى فتحي فريد، منسق مبادرة شفت تحرش، في حديثه مع DWعربية، أن ظاهرة "الأطفال المتحرشين" ترجع إلى مستوى التعليم في مصر لأنهم يتلقون ثقافة غير ملائمة لعمرهم. كما أن الأسرة تتحمل جزءاً من المسئولية، حسب فريد. ويشرح: "بعض الأسر تتباهى بذكورية أولادهم وأن التحرش دليل على النضج الذكوري". ويتعجًب فتحي من هذه الظاهرة قائلاً: "الطفل اللي من المفترض أنّ أقصى طموحه يقرأ ميكي ويشاهد توم وجيري يرتكب جرائم شرف"، واصفأ سلوكه بالمخزي.
ويشير إلى أنه في الأعياد والمناسبات، يكون تجمع الصبية أكبر مع تزايد مستوى العنف، ويستهدفون أجساد الفتيات والنساء. ويتعجًب أيضاً من أنهم يستهدفون فتيات غير مكتملات الأنوثة بعد، مما يعده دليلا على عدم النضوج. كما أكد أن معظم الصبية يفتعلون هذه الحركات كنوع من المراهنات فيما بينهم.
وأوضح أيضاً أنهم لا يمتلكون حلولاً لتوعية الأطفال، وأن أقصى ما يمكنهم تحقيقه هو ترهيبهم بأنهم قد يتعرضون للسجن. موضحاً أنه لا توجد مساءلة كبيرة لإرسال رسائل للتوعية. ويأسف فريد على منظومة العقاب والمحاسبة في مصر غير المنضبطة والتي تجبرهم أن يتراجعوا عن الإبلاغ عن الأطفال. ويفسًر: "لو بلًغت عنه بعرًضه للأذى الجسدي والنفسي، لأنه داخل سجن الأحداث قد يتعرضون للهتك الجنسي". وحذًر من تحميل المجتمع المدني المسؤولية كاملة، مشيرا إلى تحميل الدولة المسؤولية أيضاً. وتابع: "للأسف الدولة تتعامل مع التحرش بشكل عام على أساس التعايش معه وليس القضاء عليه". ويشرح:" عرضنا سابقا على وزارة التربية والتعليم أن يكون هناك كتاب للأخلاق وتحقيق المساواة بين الجنسين، ولكن تحولت مادة التربية والأخلاق إلى مادة صورية لا يتم الالتزام والعمل بها".
مواقف في الشارع
غيداء صبري، عضوة في حملة أمان تؤكد في حديثها مع DWعربية، أن الأطفال المتحرشين في الشارع من سن 10 سنين وأحيانا 7 سنين. وتحكي: "الطفل ماشي مع اخواته الكبار وبيحاول تقليدهم". وعندما تحدثت معهم يقولون: "إحنا في عيد وكل سنة وأنتي طيبة". والأسوء وفقا لصبري الطفل الذي قال لها: "هي اللي عايزة كده طالما لم تقاومني يبقى محتاجة للتحرش". وتقول بأسف: "اعمل إيه بيصعب عليه أضربهم وهم صغار في السن".
وتحكي صبري موقفاً آخر تعرضت له: أب تحرش بالألفاظ وسط أولاده الصغار، وحاولت تعنيفه ولكن أولاده الصغار هاجموني مدافعين عن ما قام به الأب تجاهي". وتؤكد صبري أن الشرطة تشاهد ما يقوم به الأطفال دون اتخاذ أي موقف.
وعبًرت صبري عن حيرتها عن أهم وسائل معالجة هذه الظاهرة متساءلة: "من أهم المدارس أم الشارع؟" وتقول: "لو نزلنا الشارع وحاولنا توعيتهم، كل اللي هنعلمه للأطفال لن يفيد في حالة عودتهم لأقرانهم". وتؤكد صبري أن المشكلة الرئيسية هي فصل الجنسين في مراحل مبكرة.
ب. س، 17 عاماً، طالبة في الثانوية العامة، رفضت ذكر اسمها خشية أن يعرف أهلها بحديثها مع DW، خاصة وأنها تقطن في حي شعبي: "بخاف أمشي جنب طفل صغير أكتر من خوفي وأنا ماشية جنب شاب كبير". وتشرح: "أحيانا في أطفال بيمدوا إيديهم وبألفاظ سيئة". مما جعلها لا تستطيع المشي في الشارع بمفردها.
هل من عقاب قانوني؟
يرى مايكل منير، محام بمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، أن الطفل يعامل معاملة جنائية خاصة وفقاً لقانون الطفل. وبشكل عام يكون العقاب الجنائي للطفل أقل بكثير من الشخص البالغ. وتابع: "الفكرة أن الأطفال عندما يتحرشون بالفتيات يكون هتك للعرض، وأقصى عقوبة هي سجن مشدد مدته 15 سنة. وأردف: "يكون أحيانا هناك رأفة بالطفل، ولكن لا يوجد قانون معين للطفل في حالة التحرش".
الدلالات النفسية والاجتماعية للظاهرة
يفسًر الدكتور فؤاد السعيد، الخبير في علم الاجتماع السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، في حديثه مع DW عربية الأبعاد النفسية لهذه الظاهرة قائلاً: "الطفل في هذا العمر يميل إلى الانفصال تدريجياً عن القيم الاجتماعية المستقرة في المجتمع كنوع من تحقيق الذات بمخالفة الأعراف الاجتماعية، بصرف النظر عن وجود دافع حقيقي أم لا". وأضاف: "كما أنه من المعروف أن الصبي يهتم برأي أقرانه فيه بصرف النظر عن الكبار ويميل إلى أن يسلك نفس الطريق". ويشرح: "وينجرف إلى سلوك القطيع الذين يتحركون مع بعضهم في المناسبات الاجتماعية". وأشار إلى أن هذا مؤشر على بدايات البلوغ والاهتمام بالجنس الآخر.
أمًا التفسير الاجتماعي للظاهرة، فيرى السعيد أنه نابع من الخصوصية للمجتمع المصري: "الريف يشهد من حين لآخر حالات تحرش ولكنها محدودة". ويرى السعيد أن الأطفال المتحرشين من المناطق العشوائية يتحرشون بالفتيات التي يبدو من مظهرهن أنهن ينتمين إلى طبقة أعلى. وفسًر السعيد ذلك بأنه شعور بالاغتراب تجاه أفراد الطبقة الأرقى، وأنهن منفلتات أخلاقيا، أي تنفيس الحقد تجاه هذه الطبقات، حسب السعيد.