استخدام الفطريات لتنقية البيئة
٢٣ أبريل ٢٠١٢تقض الفطريات مضجع العديد من أصحاب البيوت التي يشكل الخشب فيها الحيز الأكبر في البناء. فلا يوجد من بين المتعضيات (Organism) من له قدرة على تفكيك الخشب بشكل كبير مثل الفطريات. فإذا ما توغلت داخل الخشب ووجدت ما يكفي من الرطوبة، فلن يبقى منه سوى هيكل هش، سيتداعى مع أول عبء صغير قد يتعرض له. وتعود هذه القوة المدمرة للفطريات، إلى أنزيمات خاصة تتوفر عليها. وهذه الأنزيمات هي التي تمكنها من تفتيت الليغنين (Lignin)، أي المادة التي يستمد منها الخشب صلابته.
أداة ضد مكونات الهيدروكربورات
ويعتبر الليغنين مركبا كيميائيا معقدا، يصعب تفتيته من طرف أغلب المتعضيات، كالبكتيريا على سبيل المثال. لكن أنزيمات الفطريات، ومنها على الخصوص ما يعرف بأنزيم اللاكيز (Lcacase)، تنجح في ذلك. ويصف ديتمار شلوسر، متخصص ألماني في مجال البيولوجيا البيئية، هذه الأنزيمات "بأنها تتميز بقدرة هائلة على التأقلم، وتصلح بشكل ممتاز لمهاجمة الملوثات البيئية". ويقول شلوسر "أنزيمات اللاكيز لا تفرق بين البنيات الكيميائية المختلفة، فهي كما تهاجم الهيدروكربونات الأروماتية متعددة الحلقات (Polycyclic aromatic hydrocarbon)، تهاجم أيضا بنيات الديوكسين والمتفجرات، مثل مادة ترينيترو تولويل (TNT)، أو مختلف الأصبغة (Dye).
ويمكن للفطريات تفكيك كثير من هذه المواد الملوثة، حيث يتبقى منها فقط ثنائي أكسيد الكربون والماء. ويمكن تحويل أخرى إلى مركبات عضوية أقل ضررا. وبالتالي يكون أمام البكتيريا فرصة لتقليص حجم هذه المواد المضرة لاحقا. إضافة إلى ذلك، تستفيد البكتيريا من عمليات الأكسدة التي تكون الأنزيمات وراءها، حيث تنشأ في كثير من الأحيان مركبات قابلة للذوبان في الماء. وتكون هذه المركبات في متناول البكتيريا بشكل أسهل، حيث يمكن تفتيتها ببساطة.
فطريات ذات حجم صغير ومفعولها كبير
وبصفة عامة، تعمل الفطريات والبكتيريا بشكل متناسق في مهمة تنقية البيئة. كيف يتم ذلك؟ الفطريات تبني في الأرض أو الخشب خيوطا طويلة تدعى الهيفات (Hyphae). وعلى سطح هذه الخيوط التي تكون مبللة، يمكن للبكتيريا أن تتحرك لمسافات قد تبلغ أمتارا طويلة، لتصل إلى المكان المناسب. ويقول ديتمار شلوسر أن هذا الأمر "يمكن تشبيهه بالطريق السريع".
وتحتوي التربة على مسام ممتلئة بالهواء، ما يشكل بالنسبة للبكتيريا حاجزا من الصعب تجاوزه. لأنها تحتاج إلى الرطوبة لتتقدم إلى الأمام. وعلى عكس البكتيريا، فإن الفطريات تنجح بمساعدة خيوطها في تجاوز هذه المساحات الممتلئة بالهواء. وبذلك تتمكن من بناء جسور تستعملها البكتيريا للوصول إلى وجهتها. وتصلح الفطريات أيضا لإعادة ترميم التربة، لأن الخيوط الفطرية المكونة لجسم الفطر، والتي تعرف باسم المشيجة أو الميسليوم (Mycelium) تتكاثر بشكل مذهل تحت الأرض. إذ تم العثور على أنواع من الميسليوم، وصل طولها إلى بضع هكتارات.
استخدام أنزيمات الفطريات لمعالجة المياه
وإلى جانب معالجة التربة، يمكن أيضا، بمساعدة الفطريات، تنقية المياه. ومن أجل استغلال الفطريات في ذلك، قام باحثون في معهد (Eco-entrepreneurship) التابع لجامعة "شمال غرب سويسرا" التطبيقية، بتطوير محفزات عضوية خاصة باعتماد تقنية النانو (Bio-Nano-Katalysatoren). إذ قاموا بزرع فطريات محارية في مفاعلات حيوية (Bioreactor) كبيرة بسعة وصلت إلى 100 لتر. وبعد ذلك أثاروا هذه الفطريات لإنتاج أنزيم اللاكيز. ويتأتى ذلك بـ "إرهاق" الفطر بإضافة فضلات معينة إليه، كما يوضح مختص علم الأحياء غريغور هومس. وفي الخطوة الموالية يخلط هولمس أنزيمات اللاكيز المكتسبة مع جزيئات ثاني أوكسيد السيليكون. وتنتهي هذه المحفزات العضوية في نهاية المطاف في مفاعل خاص لإحدى محطات معالجة مياه الصرف الصحي، التي توجد بها مياه، تمت معالجتها سابقا.
التخلص من بقايا الأدوية والمواد الملدنة
ورغم ذلك، فإن المياه خلال هذه المرحلة لا تصل بعد إلى درجة النقاء المرجوة. فهي مازالت تحتوي على كميات من بقايا الأدوية أو مستحضرات التجميل. ويقول هولمس، إنه "يصعب، باستعمال الطرق المتبعة، تنقية المياه التي تكون فيها بقايا المواد البلاستيكية المصنعة ". ويرجع هولمس ذلك، إلى مواد مثل البيسفينول أ (Bisphenol A) والمواد الملدنة (Plasticizer) التي تستخدم في تصنيع البلاستيك.
ولا يمكن التخلص من هذه المواد بشكل نهائي في محطات معالجة مياه الصرف الصحي التقليدية. وإذا تسربت إلى الأنهار، فإنها تستقر فيها لمدة شهور وربما أعوام، وقد تؤثر بشكل سلبي على خصوبة الأسماك. ولأجل تفادي حدوث ذلك، تُحول أنزيمات الفطريات، في محطات التجربة، هذه المواد الملوثة إلى جزيئات كبيرة (Molecule).
وتُلتقط هذه الجزيئات، في ما بعد، بواسطة غشاء للترشيح. ليتم التخلص من هذه الفضلات مع ما تبقى من الرواسب بحرقها في المكان المخصص لذلك. وتبقى في المقابل المحفزات العضوية في حوض التصفية، لأنها تلعب دورا حاسما في عملية التنقية، باعتبارها أكثر فاعلية مقارنة مع إنزيمات الفطريات. كما يمكن الاستفادة منها لمدة طويلة، ففيما تفقد الإنزيمات الفطرية الطبيعية وظيفتها في حوض التصفية بعد مرور يومين فقط، تحافظ المحفزات العضوية النانوية على فاعليتها حتى بعد مرور ثلاثة أشهر.
فابيان شميدت/ عادل الشروعات
مراجعة: طارق أنكاي