اختيار جنس الجنين في مصر ... وأد معاصر للبنات أم بحكم الضرورات؟
١٥ مايو ٢٠١٠"كريمة" سيدة مصرية ذات تعليم متوسط تزوجت منذ 16 عاما من رجل يعمل في مجال المقاولات، قبل ثلاثة أعوام قررت الذهاب إلى احدى العيادات المتخصصة في علم الأجنة وأطفال الأنابيب لإنجاب طفل ذكر خاصة بعدما أنجبت أربع بنات. وتروى "كريمة" البالغة من العمر 43 عاما في حوار مع دويتشه فيله قصتها بأنها صادفت مشكلات كبيرة مع زوجها الذي ينحدر من أصول صعيدية في جنوب مصر والتي تضع إنجاب الذكور في مرتبة تتساوى مع الحفاظ على الشرف واسم العائلة، وبعد إنجاب أربع بنات هددها زوجها بالزواج عليها ليحقق حلمه في إنجاب ولد حتى يستطيع أن يواجه عائلته ولا يشعر بالانكسار أمامهم وليرث ثروته الكبيرة بعد مماته.
وفي الوقت ذاته علمت من والدتها أن ابنة جارتها أنجبت ولدا بعد ثلاث بنات بعد مراجعتها عيادة أحد الأطباء المختصين في هذا المجال، فأخبرت زوجها ولكن الأمر أثار قلقهما من احتمال أن يكون حرام شرعا. ولذلك قاما باستشارة شيخ بأحد المساجد بجانب منزلهما ولكنه نصحهما بالذهاب للأزهر الذي لم يحرم هذه العملية بصورة كلية. وتقول إنها تعيش الآن في هدوء بوجود ابنها "محمد" البالغ من العمر عامين ولكنها لم تخبر باقي أفراد عائلتها بأنها قامت بهذه العملية لأن الأمر لا يزال غير مقبول بصورة كبيرة في المجتمع. كما أكدت أنها لم تكن لتلجأ إلى الطبيب لإنجابه بهذه الطريقة لولا زوجها الذي أجبرها على ذلك، وكانت سترضى بالنصيب الذي كتبه الله لها بالبنات لأنه ربما البنات في أوقات كثيرة أفضل من الأولاد على حد قولها.
تفضيل الذكور على الإناث
ومن جانبه يؤكد الدكتور أشرف صبري الذي يدير مع عدد من الخبراء "مركز الحياة للإنجاب ورعاية المرأة" أن اختيار جنس الجنين بدأ في مصر منذ نحو أربع سنوات وازداد الطلب عليه خلال العامين الماضيين بغرض إنجاب الذكور، حيث لم يأت إليه أي زوجين يطلبان إنجاب أنثى حتى الآن.
ويرى محمد عرفه المستشار الاجتماعي في حواره مع دويتشه فيله أن هناك ثقافة عربية قديمة لا علاقة لها بالدين تتعلق بتفضيل الذكور على الإناث. ويرى أن هذه الثقافة لا تزال سائدة لأسباب مختلفة؛ منها خشية الآباء على البنات وتفضيلهم الذكور على البنات بسبب حوادث هتك عرض البنات أو الاغتصاب أو مشاكل الانحلال المتزايدة في المجتمعات عموما. ويشير إلى إحصاءات رسمية نشرت عام 2008 بينت أن 90 في المائة من الرجال المصريين يفضلون إنجاب صبي أو عدم الإنجاب نهائيا على إنجاب فتيات فقط، وأن هناك عشرة آلاف مصري طلقوا زوجاتهم لأنهن لم ينجبن سوى إناث.
موقف الأطباء وعلماء الدين
كما تثير عمليات التحكم في اختيار الجنين جدلا أيضا وسط علماء الدين، فهناك فتوى للدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية بجواز التحكم في تحديد نوع الجنين، مستنداً في فتواه إلى أنه لا يوجد نص قرآني يحرم ذلك. وقال إن مجمع البحوث الإسلامية أجمع على إباحة الأمر، ولكن في حالات الضرورة فقط مثل عدم إنجاب الذكور مسبقا في الأسرة، وألاّ يكون المقصود بذلك إنجاب الذكور فقط من دون الإناث، وإنما يتم في ظروف محددة أو في حالة وجود أمراض وراثية. بينما يعترض بعض رجال الدين الآخرين على ذلك ومنهم إبراهيم رضا الخطيب بوزارة الأوقاف، حيث يرى في حواره مع دويتشه فيله أنه مخالفة صريحة لمشيئة الله، ويعتبر عودة لعصر الجاهلية الأولى ووأد للبنات.
وفي السياق ذاته يعتقد صبري أن رأي رجال الدين حتى الآن غير محدد لأنهم يخشون من ردة فعل المجتمع، فإذا قاموا بتحريمها كليا سيتهمهم البعض بالرجعية، وإذا أباحوها فستحدث ضجة من قبل الأغلبية. ويرى أنه وغيره من الأطباء يقومون بهذه العمليات لأنه لا توجد حتى الآن أي قواعد طبية أو تشريعية تحرم الأمر، لاسيما وأن نبرة رجال الدين فيها إباحة للموضوع أكثر من منعه. ويرى أن الأمر لا يوجب التحريم وخاصة أن الأطباء يساعدون الناس على تحقيق حلمهم عبر وسائل العلم التي منحها الله للإنسانية.
ويوضح أنه من خلال خبراته فإن الأزواج في مصر يلجأون إلى هذه الخطوة في حالة واحدة فقط، هي أن الزوج يمتلك ثروة ويريد إنجاب ولد ليرث هذه الممتلكات وتخليد اسم العائلة، وأن العملية تعتبر مكلفة ولا يستطيع الإقدام عليها سوى الأغنياء، حيث تصل تكلفتها إلى 40 ألف جنيه مصري. ولهذا السبب يستبعد صبري أيضا ما يتردد حول أن هذه العمليات ستساهم في حدوث خلل في التوازن المجتمعي بين أعداد الذكور والإناث. ويؤكد في حواره لدويتشه فيله أنه لا توجد إحصاءات رسمية عن عدد العائلات التي تختار جنس المولود في مصر، لكنه يقدرها ببضع العشرات سنويا، حيث إنه أجري خلال العامين الماضيين 15 عملية.
كيف يتم اختيار جنس الجنين؟
يشرح الدكتور أشرف صبري أن عملية اختيار جنس الجنين ظهرت وسط دراسة الأجنة التي كان هدفها الأساسي التعرف على الأمراض الوراثية للعائلات عبر عمليات أطفال الأنابيب أو الحقن المجهري، حيث يتم إعطاء الزوجة أدوية منشطة لإخراج بويضات كثيرة ثم تأخذ هذه البويضات خارج جسمها بعملية سحب وتحقن كل بويضة بالحيوانات المنوية الخاصة بالزوج ويعقب ذلك عملية تقسيم الأجنة ويتم فحصها لدراسة الأمراض الوراثية، مشيرا إلى أنه أثناء ذلك اكتشف العلماء إمكانية التعرف على الجينات الخاصة بجنس المولود والاختيار منها.
ويبين صبري أنه بذلك بدأت تأخذ خلايا من كل جنين للقيام بدراستها وفصل الخلايا الذكورية عن الأنثوية ثم ينقل بعد ذلك للأبوين ما يطلبونه. ويشير إلى أن هذه العملية مضمونة بصورة كاملة، لكنها تقع تحت فئة فشل أو نجاح ثبات عمليات أطفال الأنابيب العادية والتي يصل نسب النجاح فيها للمرأة فوق سن 37 إلى 35 في المائة وفي الأعمار أقل من ذلك إلى 60 في المائة. يشار إلى أن عدد المراكز والأطباء المتخصصين في هذا المجال في مصر يقدر بخمسة وخمسين مركزا وعدد الأطباء بمائتين، يعملون في الأصل في مجال أطفال الأنابيب وتأخر الإنجاب ولا يعلنون عن أنهم يقومون بتوفير خدمة اختيار الجنين بصورة علنية تماما لتحفظ المجتمع المصري على هذا الأمر الشائك وخاصة أن رأي الدين غير واضح بنسبة كبيرة في هذا الأمر، حيث اتفق معظم رجال الدين الإسلامي والمسيحي على أنها جائزة ولكن في حدود ضيقة.
نيللي عزت- القاهرة
مراجعة: هشام العدم