اجتثاث "بعث" العراق من المساءلة إلى العدالة
٢٢ فبراير ٢٠١٣
خلال أسابيع تطورت قضية رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي مدحت المحمود بشكل متناقض ودراماتيكي. في البداية شمله قانون المساءلة والعدالة، فجرى اجتثاثه كما أعلن رئيس هيئة المساءلة والعدالة بالوكالة فلاح حسن شنشل.
وبعد أيام أعلن رئيس الحكومة أن اجتثاثه قضية سياسية بامتياز، واصدر استثناء له من قانون المساءلة والعدالة. بعدها أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بسحب فلاح حسن شنشل من رئاسة هيئة المساءلة والعدالة، لكن رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي رفض قرار المالكي إقالة شنشل، ودعاه إلى مواصلة العمل في منصبه كون الهيئة مرتبطة بمجلس النواب.
هيئة المساءلة والعدالة وفي موازاة قرار رئيس الوزراء، قررت بصورة مفاجئة سحب يد رئيسها فلاح حسن شنشل.
كل هذا يفتح من جديد ملف اجتثاث البعث ( الذي سمي لاحقا بقانون المساءلة والعدالة ترفعا عن تشبيهه بقانون اجتثاث النازية في ألمانيا!) ، ومدى تطابقه مع قانون المساءلة وصولا إلى تحقيق العدالة.
الجانب الأخلاقي والعدالة: معادلة صعبة
المسكوت عنه والذي نريد أن نناقشه هنا هو الجانب الأخلاقي والاجتماعي والعملي في قانون المساءلة والعدالة بعد 10 أعوام من صدوره وتطبيقه. وهكذا فليس من الغريب أن نطرح أسئلة من قبيل: من يحق له أن يقرر أن فلان بعثي وفلان غير بعثي، وما هو الجانب الاجتماعي لهذه القضية، فلمن يجري اجتثاثه أسرة تعيش من دخله، فما مصير هذه الأسرة؟ وما هو دور ما يسمى بالمخبر السري في كل ذلك؟ ومن له أن يحقق العدالة ليثأر لملايين قتلهم وشردهم وعوّقهم نظام صدام الدموي؟
الأمين العام للحركة الشعبية لاجتثاث البعث السيد رياض البغدادي في حديثه أمام مايكروفون برنامج العراق اليوم من DW عربية عرّف الشخص المشمول بقانون اجتثاث البعث بأنه " المنتمي إلى حزب العبث ، وهذا يعني البعثي ومن كان من أعوان حزب العبث" .
يشار إلى أن حزب البعث الذي حكم العراق منذ عام 1968 حتى 2003 كان يعتبر كل العراقيين أعضاء فيه، بل أن صدام حسين قال في يوم ما " كل العراقيين بعثيون وإن لم ينتموا"، وعمليا كان لا يمكن الحصول على أي وظيفة محترمة أو بعثة دراسية خارج البلد أو أي حق مواطنة آخر ما لم يكن العراقي بعثيا، وقد دفع هذا الواقع بملايين العراقيين إلى الانخراط في صفوف الحزب، وهذا ما يضع ألف سؤال أمام مبدأ اجتثاث البعث ومن يشمله التعريف.
"المؤسسة التنفيذية تتدخل في تطبيق القانون"
الأمين العام للحركة الشعبية لاجتثاث البعث وفي هذا الخصوص أشار إلى أن من يشمله قانون الاجتثاث يجب " أن يكون قد أدى قسم الولاء لحزب البعث، وهذا يعني عمليا كل من كان بدرجة عضو عامل، ولكن المفهوم يتسع ليشمل كل من خدم النظام".
شارك في حوار برنامج العراق اليوم من DW عربية الكاتب والباحث د تيسير عبد الجبار الألوسي مقارنا تجربة اجتثاث البعث بتجربة اجتثاث النازية في ألمانيا ومشيرا إلى أن التجربة الألمانية استمرت نحو 4 أعوام ، ومبينا أن الانتقال السياسي في العراق اتسم بعدم الاستقرار، والى أن الدستور احتوى على فقرات كبيرة قابلة للتأويل، لكن " قانون اجتثاث البعث والذي صار قانون المساءلة والعدالة قد صدر وفيه خطاب سياسي، ربما كان سبب ذلك ان الجرائم التي يتناولها القانون مركّبة في جوانب سياسية وجنائية، لكن القانون (في النهاية) فسح المجال للتأويلات"
وفي معرض إشارته إلى تطبيق القانون لفت د الآلوسي الأنظار إلى أن" المؤسسة التنفيذية تتدخل في تطبيق القانون وتتجاوز في أحيان كثيرة حدود صلاحياتها".
و اتفق الأمين العام للحركة الشعبية لاجتثاث البعث السيد رياض البغدادي مع هذا الرأي، مشيرا إلى أن تطبيق قانون الاجتثاث صار يخضع لمعادلات التوازنات السياسية وافرغ في أحيان كثيرة من محتواه القانوني " السلطة التنفيذية قد استثنت أكثر من 20 ألف بعثي متهم من قانون الاجتثاث، شملهم الاجتثاث بقانون المساءلة والعدالة، وجرى الاستثناء بموجب المادة 17 من القانون التي تخول السلطة التنفيذية حق الاستثناء حسبما تراه " .
طي صفحة الماضي ولكن" من ينصف الضحايا؟ "
د تيسير الآلوسي تحدث عن " سمو دستوري للشعب يضمن أن يكون صوته هو الأعلى في اتخاذ القرارات المصيرية، وفي الحالة التي نتحدث عنها، فإن من حق الشعب أن يتابع الجريمة ومن ارتكبها، والمرتكب هنا هو نظام السياسي الديكتاتوري السابق، من هنا اقترح تأسيس حركة شعبية تراقب تطبيق قانون المساءلة والعدالة، وهذه الطريقة ستضمن مشاركة الشعب في تحقيق العدالة".
وفي معرض تعليقه على مقولة "لكل زمان دولة ورجال" ، ورده على الدعوات إلى طي صفحة الماضي، أشار رياض البغدادي إلى أن كل هذا صحيح، على أن يُقام العدل، ويُنصر المظلوم " وإذا كان العفو عن البعثيين وطي صفحة الماضي بهذه السهولة، فالسؤال الحقيقي هو من ينصف الضحايا؟".
المختصون بمبدأ الاجتثاث - ومنهم الأمين العام للحركة الشعبية لاجتثاث البعث رياض البغدادي - يؤكدون أن المحمود مشمول بضوابط قانون المساءلة والعدالة، لكن التوازنات السياسية، وقربه من رئيس الحكومة، والحاجة الملحة لوجوده في أعلى سلطة القضاء، أبقت ملفه متسترا، ودفعت المسؤولين إلى أن يغضوا الطرف عنه.
كيف يرى الشارع مبدأ اجتثاث البعث
أبو علي في اتصال من بغداد أوجز رؤيته ببيت شعر رواه بالقول:
لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من ظلم العداوات
وذهب احمد الطيب في اتصال من مدينة الموصل يتساءل: لماذا لا نطوي صفحة الماضي؟ بعد أن يحاسب كل من اضر الشعب العراقي، " علينا أن نعترف بعد 10 سنوات أن كل الشعب العراقي بعثي، سواء رغب أم لم يرغب طيلة 35 عاما، لماذا لا نعيش في ظل المحبة والتآخي؟".
في اتصال من بغداد تساءل" كيف السبيل إلى تطبيق قانون ذي معيارين؟ أين كانت هيئة المساءلة والعدالة من مدحت المحمود حين كان عضوا في لجنة السلامة العامة في ديوان الرئاسة الخاص بصدام حسين؟ "
عدي في اتصال من البصرة استنكر الدعوات إلى تناسي الماضي وطي صفحته متسائلا" هل من العدل ان يستمر في الحكم من كان ظالما متسلطا على رقاب الناس؟".
ال من بغداد، طالب في تحقيق المساواة في تطبيق القوانين، مشيرا إلى أن مدحت المحمود كما عرفه، كان يشرّع لصدام القوانين التي تتيح قطع أيادي وآذان العراقيين، ووشم جباههم بذرائع مختلفة، وبالتالي فإن من العدالة أن يشمل بقانون اجتثاث البعث.
أبو سيف من بغداد طالب بتطبيق القانون بشكل عادل على الجميع وليس بشكل انتقائي كما يجري الآن. أبو سيف كشف عن قصة شموله بقانون اجتثاث البعث بالقول" تخرجت من كلية الشرطة برتبة ملازم عام 1999، و نُسبت إلى مديرية الأمن العامة بالقرعة التي كانت مبدأ معمولا به آنذاك ، وبقيت في مديرية الأمن العامة إلى حين سقوط النظام في 2003، ثم جرى اجتثاثي على غرار أي شخص دافع عن النظام طيلة 35 عاما، فأين العدالة في بقائي دون عمل منذ عام 2003؟".
جوابا عن هذا السؤال رد رياض البغدادي بالقول" كثيرون عملوا في أجهزة امن النظام السابق وكانوا يساعدون التنظيمات المعارضة والسجناء، فلو كان المتصل واحدا منهم لما جرى اجتثاثه.