إيران والعالم العربي.. علاقة معقدة لا تخلو من التوتر
٧ فبراير ٢٠٢٠موجة الاحتجاجات الأخيرة في ايران كشفت للقيادة إلى أي حد ابتعدت في الأثناء عن المواطنين وكم أصبحت الهوة واسعة بينهما. فمن أجل "صرف النظر عن إخفاقات اقتصادية وسياسية جلية في الداخل، تقدم الجمهورية الإسلامية نفسها كمحام للقضايا العربية وعربية أكثر من العرب أنفسهم"، حسب تحليل لمجلة Foreign Policy نشرته في كانون الثاني/ يناير الماضي. وكمثال على ذلك هو إعلان آية الله الخميني عام 1979 عن "يوم القدس" الموجه ضد الوجود الاسرائيلي في القدس الشرقية، ولاسيما المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى.
وقدمت ايران نفسها كمتضامن أيضا بعدما عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته للسلام "صفقة القرن". وفي رد فعل على ذلك نشر فيلق القدس التابع للحرس الجمهوري بيانا تدعو فيه إلى المقاومة ضد الخطة ويمجد الفلسطينيين لكونهم "لوحدهم" يرفضون الخطة. وآية الله محمد موحدي كرماني، المسؤول في طهران عن خطب الجمعة وصف الاتفاقية "كخيانة وفضيحة القرن". وبغض النظر عن الإعلانات الخطابية والرمزية للتضامن، تحاول ايران من خلال تحالفاتها مع ميليشيات في الغالب شيعية وفئات اجتماعية في البلدان المجاورة كسب التأثير وربما توسيعه. وفي الوقت نفسه يشعر الكثير من الإيرانيين بالقرب الثقافي من إخوانهم العرب في الدين. وهذا يظهر مثلا في رحلة الحج السنوية إلى المقدسات الشيعية في العراق التي يشارك فيها الإيرانيون أيضا.
القومية أعلى من الارتباط الديني
لكن استحقاق الريادة الإيراني لدى السكان الشيعة في الدول العربية المجاورة يخضع أكثر للتساؤل. وعلى هذا النحو رفضت الاحتجاجات الموجهة في الأصل ضد الظروف السياسية السيئة الداخلية في لبنان، التأثير الذي يمارسه حزب الله على السياسة اللبنانية أيضا. وهذا الانتقاد تبناه الكثير من الشيعة المشاركين في المظاهرات الذين تخلوا مثل السنة عن الرموز الدينية ولوحوا عوض ذلك بالعلم الوطني اللبناني. وهذه إشارة واضحة إلى أن الدوافع الدينية في أجزاء من العالم العربي تفقد قوتها العقائدية. ويظهر بدلا منها الالتزام من أجل دولة موحدة بعيدا عن الفوارق الدينية.
وبالفعل يشعر الكثير من العرب بوعي قومي أكثر، كما تقول خبيرة الشؤون الإيرانية بجامعة هايدلبيرغ، ريبيكا زاور، وتضيف "يمكن ملاحظة ذلك مثلا في أنه في العالم العربي يعتبر الكثير من الشيعة أنفسهم عربا في المقام الأول ويشعرون بالالتزام تجاه بلدهم وليس تجاه إيران. وبالتالي فإن تحالفات سياسية خارجية تبنى اعتبارات سياسية أكثر من الدينية".
"200 عام من الهدوء"
تاريخيا كانت العلاقة بين ايران والغزاة العرب متنوعة. فالمؤرخ مرتضى رفندي يذكّر في كتابه الصادر في 1974 بعنف السادة الجدد. وهذا العنف يتجلى في الصورة المثيرة للقلق لذلك الطوق الحديدي الذي كانوا يضعونه حول عنق المزارع الإيراني لإجباره على دفع ديون الحرب والضرائب. ومن جهة أخرى يلاحظ المؤرخ البريطاني، مايكل أكسورثي أن "الغزو العربي لم يكن مرتبطا في جزئه الأكبر بالقتل الجماعي وتغيير المعتقد الإجباري والتطهير العرقي.. فبصفة عامة ترك العرب أصحاب الأرض الفرس والمزارعين والتجار يمارسون أعمالهم كما كانوا يفعلون في السابق".
والغزو العربي في منتصف القرن السابع عمل على محو المؤسسات الفارسية القديمة للملكية والديانة الزرادشتية، لكن ليس اللغة الفارسية. ورغم "مائتي عام من الهدوء"، كما هو عنوان كتاب للمؤرخ عبد الحسين زرينكوب الصادر عام 1951 نجت اللغة الفارسية بما فيها الكلمات العربية التي دخلت عليها.
ولا يمكن الحديث عن تناحر مستمر بين العرب والفرس، كما تقول ريبيكا زاور من جامعة هايدرلبيرغ، علما بأن توترات حصلت بين الجانبين. "وعلى هذا النحو خاض الفرس والعرب خلال فترة الحكم العباسي جدلا مشهورا حول ما يُسمى بالشعوبية، التي يوجد أساسها في الآية القرآنية: إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُو. فهل وجب تفسير هذا التعارف حرفيا؟ فالكثير من المفسرين الفرس يشككون في ذلك، مشيرين إلى ثقافتهم القديمة التي تمتد لقرون من الزمن. ويعلن العرب في المقابل أن دينهم الإسلام جاء لتجديد الأخلاق والحياة الثقافية".
صورة أخلاقية من القرن الحادي عشر
لكن إلى جانب هذه التوترات ظهرت أيضا تناقضات. "الوضع كان مطبوعا بألوان رمادية"، تقول ريبيكا زاور. وعلى هذا النحو انتقد الشاعر أبو القاسم الفردوسي المولود في القرن العاشر في "كتاب الملوك" إذعان قسم من النخبة الايرانية للغزاة، والذين يقول في إحدى قصائده ما معناه "إنهم يضعون المنبر بنفس مرتبة التاج، ويسمون أطفالهم عمر وعثمان. وهكذا يتحول عملنا الشاق إلى أنقاض ومن هناك بدأ الانحطاط". فالأبيات تشكو من الانتهازية السياسية في تلك الفترة، وفي آن واحد تعكس صورة أخلاقية للأوقات القادمة. "مع مرور القرون امتزجت الثقافتان الفارسية والعربية. ويمكن الحديث عن ذلك ابتداء من القرن الـ 13"، تقول زاور. وهذا التكامل تحقق ليس فقط على المستوى الايديولوجي، بل الإداري أيضا.
"رد فعل مضاد للعربي"
بعد نحو 1300 عام حاول الشاه محمد رضا بهلوي، آخر ملوك إيران، أن يثبت صيغة مدنية للملكية الايرانية. لكن عقب الثورة الإسلامية عام 1979 جاء نظام ولاية الفقيه الذي أقامه آية الله الخميني الذي يرى كثير من الايرانيين أنه حان الوقت لزواله مثل نظام الشاه. فالاحتجاجات في ايران تعكس الشعور المتعدد الثقافات للكثير من الايرانيين، كما يقول المفكر حميد دباشي المقيم في المنفى الأمريكي. ففي مقال لقناة الجزيرة يذكر بالتاريخ المتعدد الثقافات لإيران. والتحفظات ضد كل ما هو عربي تعود لمفكرين إيرانيين من القرنين الـ 19 و الـ 20. "فكل ما يرونه رجعيا في إيران يعود إلى الاسلام، والإسلام يعود للعرب، والعرب (يعني) التطرف والغباء".
والكثير من الشباب الايرانيين يعارضون التأثير العربي، وهم بالتالي يرفضون إقامة الأعراس وفق التقاليد العربية، فعوض ذلك يقيمونها وفق التقاليد الفارسية القديمة. لكن هذه التقاليد يرفضها رجال الدين في البلاد حيث منعوا في أغسطس/ آب الماضي الأعراس غير الدينية. ومنذ ذلك الحين باتت الأعراف والمراسيم التي لا تتماشي مع تعاليم القرآن ممنوعة.
كرستن كنيب/ م.أ.م