إخوان مصر .. بين حاضر مرير ومستقبل مجهول
٧ يوليو ٢٠١٣ما بين الصدمة بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي والأمل في عودته، يعيش أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها في اعتصامهم في محيط مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة. حالة غضب كبيرة تقترب من الانفجار استشعرتها DW عربية أثناء التجول وسط المتظاهرين الإسلاميين.
"يسقط يسقط حكم العسكر". هكذا هتف مناصرو الجماعة، تنفيساً عن شعور "بالخيانة"، حسب توصيفهم، من قبل القوات المسلحة وقائدها العام، الذي عزل الرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان. كما تسود أيضاً حالة من الإنكار يصر عليها المتظاهرين بهتافهم "ارحل يا سيسي، مرسي رئيسي"، في إصرار على عدم الاعتراف بقرار العزل. دروع وخوذات ارتداها بعض المتظاهرين وحملوا عصياً، فيما تجوب مسيرات محدودة في محيط مكان الاعتصام.
هؤلاء قد لا يعترفون الآن بما حدث فعلياً وتغير على الأرض، والمتمثل في وجود رئيس جديد مؤقت للبلاد ونظام دولة قد سقط. لكن بصرف النظر عن ذلك، انقسمت الآراء حول كيفية التعامل معهم مستقبلاً. ويبقى السؤال: كيف ينظر الناس إلى هؤلاء المتظاهرين؟ وهل أصبح لدى مصر "فلول" جديدة أم أن لأعضاء الجماعة فرصة مستقبلية للعودة للحياة السياسية؟
"احتواء شباب الجماعة واجب والقيادات الإخوانية لابد أن تحاسب"
أجواء متوترة بعض الشيء عاشها سكان المناطق المحيطة بمنطقة رابعة العدوية طوال الأيام السابقة، إذ يقول أحدهم، أحمد خليفة، لـDW عربية: "كانت المنطقة مستاءة ولا نستطيع أن نذهب ونأتي بسهولة ... لم يكتفوا بذلك بل اعتدوا على المناطق السكنية وعلى أحد الضباط من منطقتنا واشتبك معهم الأهالي وأمسكوا اثنين منهم".
ويتابع خليفة بالقول أن تلك المناوشات توقفت بعد خطاب القوات المسلحة، إذ خيمت بعد ذلك حالة وصفها بـ"الصدمة" على أجواء اعتصام مناصري مرسي لبعض الوقت. وعن كيفية التعامل مع هذا الفصيل مستقبلاً، يرى خليفة أن قيادات الجماعة لابد أن تحاكم فيما يعتقد أن الشباب ما زالت لديه الفرصة لتصحيح مساره إذا تم احتواؤه ليعود بعدها لممارسة العمل السياسي.
وعلى نفس المنوال كان حديث DW عربية مع ميساء حسني، التي تقطن أيضاً في نفس المنطقة. ميساء لم تشعر كثيراً بما كان يحدث في المنطقة من جانب المعتصمين لتواجدها شبه الدائم في (محيط قصر) الاتحادية للتظاهر ضد نظام الإخوان، حسب قولها. وتضيف حسني: "فقط يوم الخطاب الذي أعلن فيه عزل مرسي عدنا ليلاً لنجد رجال الجيش يطلبون منا أن نلزم منازلنا تحسباً لأي رد فعل من قبل المعتصمين". وتتفق ربة المنزل مع رأي خليفة بوجوب محاسبة القيادات الإخوانية على تحريض الجماهير، إلا أن "الشباب يجب احتواؤهم (كي) يشاركوا في الحياة السياسية، مثلهم مثل الجميع دون إقصاء فهم مثلنا مصريون".
من جانبه يعتبر مصطفى طارق، الذي يسكن على بعد بضعة أمتار من الاعتصام ويمر هناك كل يوم، أن "المعتصمين حالياً في مرحلة الصدمة والإنكار والآمال الزائفة ويروجون إشاعات بين الحين والآخر عن انشقاقات داخل الجيش". ويرفض طارق أيضاً إقصاء شباب الجماعة، الذين وصفهم بأنهم "مضحوك عليهم"، من العملية السياسية في المستقبل، كما كان الحال مع أعضاء الحزب الوطني أو توصيفهم بـ"الفلول"، فيما ساند رأي خليفة وميساء في ضرورة محاسبة قيادات الجماعة "على ما اقترفوه في حق هذا الشعب".
"عودة مرسي أو الشهادة"
أما داخل الإعتصام، فكان لـDW عربية حديث مع الشاب عمر الشريف، الذي كان في الاعتصام وقت خطاب الجيش الأخير. ويصف الشريف لـDW عربية كيف كان الوضع مع صدور البيان قائلاً: "أجهشت النساء في البكاء. لكن الشباب سرعان ما خرجوا من حالة الذهول التي اصابتهم بحماس أكبر من ذي قبل وقد وصفوا ما حدث بالانقلاب والخيانة". ويشعر المعتصمون، حسب كلام الشريف، بأن ما يحدث هدفه عودة العسكر إلى الحكم، مؤكداً على وجود متظاهرين لا ينتمون إلى جماعة الإخوان "ضد حكم العسكر".
كما توضح إيمان السيد، التي تشارك كذلك في تظاهرات رابعة العدوية، أنها "تساند الإسلام"، مضيفة أن الحالة النفسية والروح المعنوية مرتفعة للغاية في رابعة العدوية وأن الاعتصام مستمر حتى عودة مرسي إلى الحكم. وتقول السيد أن متظاهري رابعة العدوية قد وضعوا عودة مرسي إلى سدة الحكم شرطاً لا نقاش فيه لبدء حوار مع أي من الأطراف الأخرى، رافعين شعار "يا عباد البيادة (الحذاء المستخدم في الجيش) احنا طلاب شهادة". وترى إيمان السيد أن المعتصمين في رابعة العدوية اتفقوا أنه لا خيار إلا "رجوع مرسي أو الشهادة". وشددت المحاضرة الجامعية على أن المشاركين ليسوا فقط من الإسلاميين بل من أطياف متعددة.
جميل عفيفي: "التأهيل النفسي واجب لأعضاء الجماعة قبل عودتهم للحياة السياسية"
وفي نظرة تحليلية للوضع القائم، يقول جميل عفيفي، المحلل السياسي ونائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، لـDW عربية إن جماعة الإخوان تحاول التمسك بفرصة أخيرة من خلال تصوير أنفسهم كقوة في الشارع للإعلام الغربي وأن ما يحدث هو انقلاب عسكري على الشعب بأكمله.
ويؤكد عفيفي أن حمل أعضاء الإخوان للسلاح واشتباكهم مع قوات الأمن والناس في أكثر من منطقة مساء أمس الجمعة قد أعلن سقوط الجماعة، التي كان بإمكانها، في رأيه، أن تظل بقليل من الحكمة من قبل مرشدها العام، واصفاً حالة مناصري الجماعة الحالية بـ"الهستيرية".
وعن إمكانية عودتهم للمشاركة في الحياة السياسية مستقبلاً، أكد عفيفي على ضرورة محاكمة القيادات بتهم الخيانة العظمى والتحريض على قتل المتظاهرين ومحاربة الجيش المصري. أما شباب الجماعة وباقي أعضائها، فشدد عفيفي على وجوب "تأهيلهم نفسياً" قبل أن يدخلوا مجدداً في العملية السياسية. مع ذلك، فقد توقع أن الأحزاب سترفضهم مستقبلاً بعدما أصبحوا "منبوذين وقد أضاع الكبار تاريخهم وفقد الصغار مستقبلهم السياسي".
لكن من جهة أخرى، لا يجد علي بكر، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، مشكلة لدى الأحزاب في احتواء شباب الإخوان مستقبلاً. ويشدد بكر على ضرورة عدم تكرار ما وصفه بـ"خطأ الإقصاء" الذي ارتكبه الإخوان بحق أعضاء الحزب الوطني المنحل.
ويصف بكر ما يحدث الآن من اشتباكات بين أعضاء الجماعة ومناصريها وبين الأمن والجيش والأهالي بـ"المعركة الأخيرة" التي تخوضها الجماعة، على أمل إحداث ضغط يؤدي إلى تفاوض تقي به نفسها من خسارة كل شيء. ويضيف الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية": "هم يعلمون أنهم إذا خسروا سيخسرون كل شيء وقادة الجماعة يحشدون الشباب الآن باسم نصرة الإسلام فقط لإنقاذ رقابهم".
ويتوقع علي بكر حدوث انشقاقات في الجماعة بعد المرحلة الحالية وحدد عدة عوامل سيترتب على أساسها شكل مشاركة أعضاء الجماعة مستقبلاً في العملية السياسية، "أولها المكاسب التي ستحققها الجماعة في هذه المرحلة وثانيها شكل الانشقاقات داخلها ومن ثم شكل الجماعة بعد تلك المرحلة وإلى ماذا ستؤول".