أنور البني: النظام والمعارضة المسلحة يعتقلان من يخالفهما الرأي
٣١ أكتوبر ٢٠١٣المحامي أنور البني، ناشط ومدافع معروف عن قضايا حقوق الإنسان في سوريا، وهو مدير المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية. اعتقل البني عدة مرات لعل آخرها كان عام 2006 على خلفية توقيعه "إعلان بيروت دمشق ـ دمشق بيروت". وجهت له محكمة الجنايات الأولى بدمشق تهمة "نشر إشاعات كاذبة من شأنها وهن نفسية الأمة" وحكمت عليه بالسجن خمس سنوات. أطلق سراح المحامي البني عام 2011 بعد أن أنهى مدة عقوبته. فاز أنور البني بعدة جوائز عالمية في قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان لعل أبزها جائزة القضاة الألمان لحقوق الإنسان، التي تمنحها رابطة القضاة الألمان. ولمعرفة الانتهاكات التي تتم في سوريا من قبل النظام السوري ومسلحي المعارضة على السواء أجرت DW الحوار التالي مع أنور البني.
نص الحوار:
DW عربية: يُحال أغلب الناشطين المعارضين المعتقلين لدى النظام السوري إلى محكمة الإرهاب. هل هناك تقديرات معينة لعدد المحالين عليها؟ وما هي الأحكام الصادرة عنها وكيف هي إجراءاتها القانونية؟
المحامي أنور البني: محكمة الإرهاب قانونياً هي أسوء من محكمة أمن الدولة العليا سابقاً التي حلت محلها. في الحقيقة لا أسميها محكمة بل أعتبرها جهة أمنية؛ لأنها تنظر في الدعاوى المحالة إليها مستندة على الضبط الأمني. وحسب معلوماتنا فإن هناك حوالي 10 آلاف قضية محالة إلى محكمة الإرهاب، ولا نعلم العدد الإجمالي للمعتقلين، لأن هناك قضايا يوجد فيها مجوعة أشخاص، وقضايا أخرى يكون فيها شخص واحد. أما بخصوص أحكامها فهي تتراوح بين ( 10 إلى 20 سنة) وهناك بعض الأحكام بالإعدام. ووجودنا كمحاميين في المحكمة لا يغير شيئا ولكن فقط لإشعار أهالي المعتقلين أنّ هناك من يتابع قضاياهم ويقف إلى جانبهم. كما ننصح الأهالي بعدم دفع الرشاوى أو الخضوع للابتزاز المالي.
هل فعلا أصحاب هذه القضايا المحالة إلى محكمة الإرهاب متورطون في أعمال إرهابية؟
سأعطيك أمثلة عن القضايا المحالة لمحكمة الإرهاب. هناك قضية المتهم فيها حفار قبور في المناطق الموالية، وهناك قضية أخرى المتهم فيها كان يبيع الخبز للمناطق المحاصرة. وهناك قضية أخرى المعتقلة متهمة بطبخ أكل للجيش الحر، وقضية فيها شاب في العشرينات من عمره اتهم بالإرهاب فقط لأنهم وجدوا في هاتفه الجوال أغنية ثورية (يا حيف) للفنان السوري سميح شقير.
نشر المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية الذي تديره عدة تقارير وبيانات ذكرت فيها أعداد المعتقلين، أين يحتجز هؤلاء؟ ثم ما هي مصادر التوثيق التي يعتمدها المركز؟
هناك أكثر من وسيلة يعتمد عليها المركز في عملية التوثيق. نحن نتبع آلية أكثر شمولية لأننا نعتمد على شهادات المعتقلين المفرج عنهم. هؤلاء يخبروننا عن أعداد المعتقلين وتفاصيل المكان الذي اعتقلوا فيه. وبناء على ذلك نضع تصورا تقديريا للأعداد. بالطبع لا يمكننا حصر العدد الكلي بشكل دقيق. وكل معتقل نعتبره مختفيا قسرياً بسبب عدم معرفة الأهل لمكان وجوده وعدم التمكن من زيارته. هناك آلاف من الأسماء التي وثقها المركز ممن تجاوزت مدة اعتقاله العام من بينهم: أنس الشغري، يحيى الشربجي، الكاتب الكردي حسين عيسو، الفنان زكي كورديلو والسينارست عدنان الزراعي والمحامي والناشط المعروف خليل معتوق وآخرون.
وحسب تقديراتنا فإن عدد المعتقلين يتجاوز 200 ألف شخص. ونحاول جاهدين كعاملين في المركز إخضاع هذا العدد لمنهجية التوثيق. وحسب تقديراتنا فإن الأرقام تتوزع على المعتقلات التالية: سجن مطار المزة العسكري هناك حوالي 15 ألف معتقل، يقابله نفس العدد لدى الفرقة الرابعة. كذلك الأمر بالنسبة لسجن صيدنايا العسكري، أما سجن عدرا المركزي فيتجاوز عدد المعتقلين فيه 10 آلاف. وفي فروع أمن الدولة وسجن نجها التابع له يتجاوز عدد المعتقلين 25 ألف شخص. ويتواجد في أقبية فروع الأمن العسكري حوالي 25 ألف معتقل أيضاً، في حين يبلغ عدد المعتقلين لدى أفرع الأمن السياسي حوالي 10 آلاف معتقل. هذه السجون التي ذكرتها هي بدمشق فقط ويتجاوز عدد المعتقلين فيها 115 ألف بالإضافة لمعتقلات القلمون ودير شميل ومطار حماة ومعتقلات كثيرة في المحافظات السورية، وجميع هؤلاء اعتقل على خلفية مشاركته في الثورة السورية. ويتوزع العدد المتبقي على باقي أفرع الأمن وسجونه في باقي مناطق سوريا.
حسب تقارير منظمات حقوق الإنسان يموت يومياً معتقلون في أقبية سجون المخابرات السورية، هل لديكم تصور عن عدد هؤلاء الضحايا وأسباب وفاتهم؟
أعداد الضحايا ممن يموتون يومياً في أقبية أجهزة المخابرات يتراوح عددهم بين 20 إلى 30 شخصا في العاصمة السورية فقط. هؤلاء يموتون إما تحت التعذيب لأخذ اعترافات منهم، أو يموتون نتيجة الظروف الصحية الصعبة. ولا نعلم شيئا عن باقي معتقلات المحافظات الأخرى.
لم يعد النظام وحده يعتقل بل انتقلت "العدوى" إلى المعارضة المسلحة أيضا. والأخيرة تعتقل بنفس الآلية التي يعتمدها النظام. كيف تقيم هذا السلوك خصوصا أنك من المعتقلين السياسيين القدامى إذ قضيت خمسة أعوام في سجون النظام؟
مسألة الاعتقال العشوائي لا تخضع لأية قوانين أو تشريعات سواء عند النظام أو المعارضة المسلحة؛ فالنظام يعتقل كل من يخالفه الرأي، وبالمقابل باتت التشكيلات العسكرية المعارضة تعتقل النشطاء دون وجه حق. الطرفان لا يلتزمان بنصوص القوانين والتشريعات لغياب مبدأ المحاسبة. لذلك يجب علينا تركيز جهودنا لفكرة تكريس مبدأ المحاسبة والاحتكام إلى محاكم العدالة الانتقالية وإحالة مرتكبي جرائم الحرب إلى تلك المحاكم.
هل لديك معلومات عن حالة السجناء في معتقلات المعارضة (المسلحة) وعن القوانين والتشريعات التي تعتمدها ما تسمى بـ "الهيئات الشرعية" في تلك المناطق؟
لست مضطلعا على حالة السجون والمعتقلات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ولكن من خلال الأصدقاء ومتابعتي لها أستطيع القول إنّ الهيئات الشرعية أو مجالس الشورى أو المكاتب القانونية لا تسّد حاجة الناس للاحتكام إلى قضاء نزيه وعادل وبنفس الوقت غير مسيس. ولكن المشكلة أنها جاءت لتلبي حاجة الناس في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة لجهة تحصيل حقوقهم. والمشكلة الكبرى هي أن المعارضة المدنية تخلت عن القيام بهذه المهمة ففتحت المجال لمجموعات أخرى أخذت الدين بشكله العام ستارا لتحقيق هذه الحاجة. بالطبع هناك تجاوزات كبيرة نتجت عن ذلك لغياب المرجعية والمحاسبة. والمحرك الأساسي لكل ذلك برأيي هو التمويل الذي يأتي من جهات لها أجندتها الخاصة على حساب مستقبل سوريا.
ذكرت أنها "لا تسّد حاجة الناس للاحتكام إلى قضاء نزيه وعادل" أين تكمن المشكلة برأيك؟
لا يوجد قانون عقوبات إسلامي كامل مكتوب أساسا لتطبيقه. والمسألة تخضع للاجتهادات الشخصية وللمجموعة التي تحاول تطبيق هذه القوانين. هناك قوانين متفرقة واجتهادات شخصية، لكنها لا تصلح لإدارة مجتمع كامل متنوع وفصل النزاعات بين الناس.
هل هناك اعتقالات تتم على أساس طائفي؟
الاعتقال يطال كل من يخالف الرأي لدى الطرفين سواء في النظام أو في المعارضة، وهي لا تخضع بشكل عام لانتماءات طائفية أو عرقية أو قومية، وإن كانت هناك حالات لهذا النوع من الاعتقال إلا أنها ليست الغالبة. والمشكلة أنه أصبح هناك جذر طائفي وجذر قومي لحالات القتال بسوريا. والنظام يتحمل المسؤولية عما وصلنا إليه لأنه بشّر بذلك وغذاه طوال الوقت. هذا الجذر أدى لحالات قتل واعتقال بسبب الهوية الطائفية أو العرقية فقط.
مضى عام على اعتقال المحامي خليل معتوق، المدير التنفيذي للمركز السوري الذي تديره أنت شخصيا. هل هناك معلومات عن مكان احتجازه أو حالته الصحية؟
هناك معلومات متضاربة حول مكان اعتقاله ولا توجد معلومات دقيقة عن حالته الصحية. في بداية اعتقاله وصلتنا أخبار من أحد المفرجين عنهم أنه في أحد فروع أمن الدولة (المخابرات العامة) بكفرسوسة. قبل فترة وجيزة خرج شخص من فرع فلسطين التابع للأمن العسكري أكد لنا أنه موجود هناك وحالته الصحية سيئة. وحسب هذه المصادر فإنّ وضعه الصحي يتدهور ونحن قلقون جداً على حياته.