"النزوح ولا الموت خوفا من بطش داعش"
٢ يونيو ٢٠١٥الجو حار لا يطاق، فرياح الشمال الساخنة تحمل معها غبار الصحراء. خلف هذه الجموع الكبيرة من النازحين من الرمادي نحو بغداد تندلع حرب ضد "داعش". وجموع النازحين تتجه نحو العاصمة بغداد بحثا عن ملاذ آمن.
عشرات الآف النازحين من الرمادي يأخذون الطريق الذي يمتد على مسافة 80 كيلومترا بين المدينة التي سقطت في أيدي مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي وصولا إلى بغداد. بعضهم يقف محاولا عبور نهر الفرات، فيما يبحث آخرون عن طريق آخر ووجدوا ملاذا لهم قرب بحيرة الحبانية في منتصف الطريق بين الرمادي والفلوجة. وخلف الفلوجة تقع منطقة أبو غريب.
ثمانية كيلومترات فقط تبعد منطقة أبو غريب عن أول ضواحي العاصمة بغداد. أغلب النازحين لا يسمح لهم بالدخول إلى العاصمة، فالسلطات الأمنية تشترط حصولهم على "كفيل"( ضامن) في بغداد يمنحهم مكانا، كما أن بعض النازحين يملكون عنوانا ومسجلون في العاصمة. من يملك هذه الشروط حصرا يحق له دخول العاصمة، فالجهات الأمنية تخشى من دخول عناصر من داعش مع جموع النازحين إلى العاصمة.
في أول أيام النزوح غابت منظمات المساعدات الإنسانية، وأضطر عدد كبير من النازحين للاندفاع نحو العاصمة، ما أضطر القوات الأمنية الى منعهم بالقوة. خلال هذا الأسبوع تبنى تنظيم "الدولة الإسلامية" هجومين بسيارتين مفخختين وقعا في موقفين تابعين لفندقي عشتار وبابل، حيث ينزل أغلب الأجانب في العاصمة بغداد.
بيد أن بعض النازحين استسلموا للأمر الواقع ونزحوا نحو الجنوب. البعض الآخر عاد أدراجه نحو الرمادي. ويتوقع عودتهم من جديد، كما تعتقد بعض منظمات المساعدات الإنسانية، بسبب القتال العنيف ين القوات العراقية وتنظيم داعش الإرهابي.
موجة النازحين قبل هجوم داعش
لن أنسى كيف "رأيت الخوف في عيون الأطفال"، يقول سعد أحد النازحين من الرمادي، والذي نزح هو أيضا في شهر شباط/ فبراير من العام الماضي من الفلوجة بعد سيطرة داعش عليها. يقول سعد" بعد انسحاب القوات الأمنية من الرمادي، أصبح الأطفال والنساء هم الضحية".
هذه هي موجة النزوح الرابعة من الانبار. منظمة الأمم المتحدة تقدر عدد النازحين بحوالي 300 ألف. في الأيام الماضية تحديدا وصل عدد النازحين إلى 90 ألف شخص هربوا من داعش. حظ سعد أفضل من غيره، فقد حصل على عمل كمهندس كهربائي في إحدى المؤسسات الحكومية ببغداد. بعد الظهيرة يعمل كسائق سيارة أجرة. وفي المساء ينقل الماء والغذاء إلى النازحين المخيمين قرب بغداد.
مساعدة بدلا من إعادة بناء
"الوضع مربك جدا" يقول مارتن جونسون من منظمة (RIRP ) المنظمة الألمانية الوحيدة التي مازالت تعمل في بغداد منذ سنين، والتي تعمل بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة. المنظمة تتعاون مع منظمات أخرى لمساعدة النازحين من الرمادي، كما تقوم بتوزيع صناديق المساعدة للنازحين. وقد وزعت 20 ألف صندوق مساعدة للنازحين حول بغداد خلال الأيام الماضية.
بدأت منظمة RIRPعملها بعيد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 على أساس إعادة إعمار العراق بعد الحروب التي ألمت به. المنظمة انطلقت في عملها على أساس العمل الذي بدأه ارندت فريتشكه الذي أنشأ مبادرة إعمار العراق. دعمتمبادرة "برنامج إعادة بناء العراق"، غرفة التجارة والصناعة الألمانية، وأُريد من المبادرة نقل التقنيات الألمانية ومساعدة القوى العاملة العراقية على التعلم وتطوير قدراتها. كثير من المهندسين العراقيين تدربوا في شركات ألمانية في ثمانينات القرن الماضي، وكانت فكرة فريتشكه مبينة على أساس إعادة النهوض بمعرفة المهندسين العراقيين.
لكن المشروع اخذ منحى آخر، بعد مقاومة بعض الأطراف العراقية القوات الأميركية. وبسبب الوضع الأمني وموجات النزوح داخل العراق، تغير هدف مبادرة منظمة RIRPليستهدف مساعدة اللاجئين وبناء مساكن ومخيمات لإيوائهم. ففي مناطق سيطر عليها تنظيم داعش مثل الرمادي وديالى وشهدت موجات نزوح، بنت المنظمة مخيمات وقدمت خدمات مياه نظيفة ومرافق صحية للنازحين. في المنظمة يعمل كل من جونسون وفريتشكه وأربعين موظفا عراقيا، المنظمة بقيت تعمل في بغداد حتى في أسوأ أوقات القتال التي شهدتها العاصمة بين عامي 2006 و2007. واليوم تعمل على مساعدة لاجئي الانبار الهاربين من بطش تنظيم داعش.
يقتلون من يجدوه
إحدى النازحات وتدعى سميحة تتحدث عن أحداث سيطرة السلفيين – كما تصف مقاتلي تنظيم داعش- على مدينة الرمادي. تقول سميحة "انتقلوا من منزل لمنزل، وعندما دخلوا منزلنا، قلت لهم أن زوجي ليس في المنزل الآن. دخلوا وضربوني". سميحة البالغة من العمر 45 عاما متشحة بالسواد، تظهر الكدمات على جسدها وعلى عينها اليمني وتظهر تورما ونزيفا نتيجة الضرب.
"بحث إرهابيو داعش عن رجال الشرطة وموظفي الدولة. وعندما يجدوهم كانوا يقتلونهم مباشرة". زوجها كان يعمل في جهاز الشرطة بالمدينة، لكنه تمكن من الهرب. وبعد خروج هؤلاء الإرهابيين من منزلها، أخذت سميحة ابنتها وهربت جنوبا نحو بغداد. اليوم تعيش في معسكر قديم للجيش العراقي في ظروف صعبة. رغم ذلك تقول سميحة "رغم الظروف التي نعيشها هنا، لكن الوضع أفضل من أن يفترسك الخوف المستمر من الموت".