ألمانيا: نقاش محتدم حول مذكرة اعتقال نتنياهو

يوم الخميس الماضي (22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)، وضع قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي الحكومة الألمانية الاتحادية في موقف لا تحسد عليه: فقد أصدرت المحكمة مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه المقال يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة، وهو ما تنفيه إسرائيل، التي نددت على مختلف المستويات السياسية بقرار المحكمة. 

من المعروف أنَّ ألمانيا كانت منذ تأسيس محكمة العدل الدولية في عام 2002 واحدة من بين 124 دولة موقعة على تأسيسها وتعتبر من الداعمين الدائمين لها. بيد أن ألمانيا حليف وثيق لإسرائيل وعيلها مسؤولية تاريخية نتيجة إبادة اليهود الأوروبيين الجماعية خلال الحقبة النازية.

بارنبويم: "الحياة الإنسانية مستحيلة في غزة"

وفي يوم الجمعة من هذا الأسبوع، وصف العديد من الخبراء في مؤتمر الحكومة الألمانية الاتحادية الصحفي في برلين هذا القرار الصادر في لاهاي بأنَّه دعوة استيقاظ للحكومة الألمانية، التي أكدت على الدوام بعد هجوم حماس الإرهابي في تشرين الأول/أكتوبر 2023 على أنَّ الحكومة الإسرائيلية لها الحق في الدفاع عن نفسها وبوسائل قاسية أيضاً.

وفي هذا الصدد قالت كريستين بينتسيل، أستاذة الاقتصاد والاجتماع في الشرق الأوسط بجامعة إرلانغن-نورمبرغ الألمانية، إنَّ المحكمة الجنائية الدولية نددت مراراً وتكراراً بالأفعال الإسرائيلية. وأضافت أن ألمانيا رفضت دعم المحكمة: "ألمانيا لا تفِ بهذا الالتزام منذ 14 شهراً. وألمانيا لا تكتفي بالمراقبة، بل إنَّ الحكومة الألمانية تواصل دعمها لإسرائيل سياسياً ومالياً وعسكرياً وقانونياً حتى يومنا هذا. وألمانيا هي ثاني أكبر مورد أسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأمريكية".

ومن جهته، قال ميشائيل بارنبويم، وهو موسيقي وأستاذ في أكاديمية بارنبويم-سعيد: "منذ بداية تشرين الأول/أكتوبر 2024، فرضت إسرائيل على شمال غزة حالة حصار كامل وجعلت الحياة الإنسانية هناك مستحيلة".

ماذا سيحدث عند زيارة نتنياهو برلين؟

ولكن الحكومة الألمانية ركزت منذ قرار محكمة لاهاي على سؤال مختلف: ماذا سيحدث عندما يأتي الآن رئيس حكومة دولة إسرائيل الصديقة إلى برلين؟ يجب في الواقع على القضاء الألماني اعتقال بنيامين نتنياهو. ولكن من غير المقرر قيامه بمثل هذه الزيارة في الوقت الحالي. ومنذ هجوم ميليشيا حماس الإرهابية على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، لم يسافر نتنياهو إلى الخارج إلَّا نادراً، وقد كانت آخر زيارة له إلى برلين في آذار/مارس 2023.

ويشار أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

وقبل أسبوع، قال المتحدث باسم المستشار أولاف شولتس، شتيفن هيبشترايت: يجب على ألمانيا أخذ أمرين بعين الاعتبار: التضامن مع إسرائيل كدولة ودعم القانون الدولي. وأضاف: "من ناحية نعلق أهمية على وجود المحكمة الجنائية الدولية، ونؤيدها بقوة، ومن ناحية أخرى هناك مسؤولية ألمانيا التاريخية. يمكنني الذهاب أبعد من ذلك لأقول إنَّني أجد صعوبة في تصور إقدامنا على اعتقالات في ألمانيا على هذا الأساس". وبدورها، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الجمعة الماضية (23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024): "السؤال إن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي سيدخل الاتحاد الأوروبي هو سؤال افتراضي. لكننا ندرس الآن كيف سنتعامل معه بالضبط".

إجراءات قانونية في إسرائيل؟

ولكن لهجة الوزيرة أنالينا بيربوك تبدلت بعد ذلك؛ إذ صرحت الاثنين (25 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) أن "الحكومة الألمانية ملتزمة بالقانون لأنَّ لا أحد فوق القانون"، كما قالت السياسية المنتمية لحزب الخضر على هامش اجتماع لوزراء خارجية مجموعة السبع في مدينة فيوجي الإيطالية. وتابعت: "المهم هو استقلال القضاء، الذي توصل في هذه القضية إلى وجود أدلة كافية من أجل اتخاذ هذه الخطوة الآن".

وبحسب وجهة نظر بعض السياسيين الألمان فإنَّ هناك مخرجاً من هذا الوضع الصعب يكمن في تدخل المحكمة الجنائية فقط عندما لا تتمكن الدولة المعنية من مقاضاة سياسييها على جرائمهم. ولذلك يجب على ألمانيا أن تعمل على قيام إسرائيل نفسها بعد انتهاء الحرب بإجراءات قانونية، يمكن أن تشمل دور نتنياهو في الحرب. 

وبهذا الاتجاه تحدث رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني (بوندستاغ)، ميشائيل روت المنتمي للحزب الديمقراطي الاشتراكي: "المحكمة الجنائية تفقد الكثير من مصداقيتها لأنَّها لا تقم بأي شيء ضد مجرمي الحرب والديكتاتوريين مثل بشار الأسد. ولكنها تريد معاقبة رئيس حكومة دولة ذات سلطة قضائية مستقلة".

الولايات المتحدة الأمريكية تقف بثبات إلى جانب إسرائيل

وفي المقابل، يقف الرئيس الأمريكي جو بايدن بحزم وثبات إلى جانب الحكومة الإسرائيلية. والولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف مثل إسرائيل وكذلك روسيا بالمحكمة الجنائية الدولية. وقد قال بايدن: "لكي أكون واضحاً مرة أخرى: أيًا كان ما تقترحه المحكمة الجنائية الدولية، فإنَّ إسرائيل وحماس غير متساويتين - على الإطلاق".

وقد أشار بذلك إلى حقيقة أنَّ مذكرة الاعتقال صدرت ليس فقط بحق السياسيين الإسرائيليين، ولكن أيضاً بحق عضو قيادي في حركة حماس. وأضاف بايدن: "سنقف دائماً إلى جانب إسرائيل عندما يتعرض أمنها للتهديد". وكذلك قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان-بيير، إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية لن تنفذ مذكرة الاعتقال.

كما أدلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بتعليقات مشابهة، وحتى أنَّه قد دعا نتنياهو بشكل ملفت للنظر إلى زيارة عاصمته بودابست. وأضاف أنَّ نتنياهو لن يتعرض للاعتقال في بودابست.

أعده للعربية: رائد الباش