الرئيس يفرّ وطالبان في القصر الرئاسي.. ماذا ينتظر أفغانستان؟
١٥ أغسطس ٢٠٢١فر الرئيس أشرف غني من أفغانستان تاركا السلطة عمليا لحركة طالبان التي وصلت إلى كابول في مؤشر إلى انتصارها العسكري الكامل في غضون عشرة أيام فقط. ودخل مقاتلو طالبان العاصمة الأفغانية اليوم الأحد (15 أغسطس/ آب 2021).
وتستعدّ الحركة الإسلامية المتشددة للعودة إلى السلطة، بعد عشرين عاماً على طردها من الحكم من جانب تحالف بقيادة الولايات المتحدة بسبب رفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في أعقاب اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
وتسارع تقدم مقاتلي الحركة مع انسحاب القوات الأمريكية والقوات الأجنبية الأخرى بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بإنهاء أطول حرب خاضتها بلاده.
عبدالله ينتقد أشرف غني
ومساء قال عبد الله عبدالله نائب الرئيس السابق إن الرئيس الأفغاني أشرف غني "غادر" البلاد. ويكرس رحيل الرئيس الهزيمة النكراء المسجلة في الأسابيع الأخيرة بعد سبع سنوات في السلطة عجز خلالها من إعادة بناء البلاد خلافا لوعوده.
وأضاف عبد الله الذي يرأس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في مقطع مصور نشره عبر فيسبوك "الرئيس الأفغاني السابق غادر البلاد تاركا الشعب في هذا الوضع. نترك الحكم لله والشعب".
إقرار بانتصار طالبان
وفي أول تصريحات للرئيس الأفغاني منذ رحيله عن البلاد، قال أشرف غني اليوم الأحد إنه غادر البلاد لتجنب إراقة الدماء مع دخول حركة طالبان القصر الرئاسي في العاصمة كابول. وأضاف في منشور على فيسبوك أنه غادر لتجنب حدوث اشتباكات مع طالبان كانت ستعرض حياة الملايين من سكان كابول للخطر. وأقر أشرف غني بأن "طالبان انتصرت". وقال إن "عددا كبيرا من المواطنين كانوا سيقتلون وأن كابول كانت ستدمر" لو بقي في أفغانستان، مضيفا في رسالته عبر فيسبوك "انتصرت طالبان (...) وهي مسؤولة الآن عن شرف الحفاظ على بلادها".
لكن أشرف غني لم يكشف عن مكان تواجده. وكان مسؤول كبير بوزارة الداخلية الأفغانية قد أعلن في وقت سابق أن غني غادر العاصمة كابول إلى طاجيكستان.
انتقال سلمي للسلطة؟
ولا يعلم كيف سيتم نقل السلطة تحديدا في أعقاب هجمات خاطفة شنتها حركة طالبان في أنحاء أفغانستان على مدى الأسابيع الماضية. ومن جانبه حذر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اليوم الأحد الدول الغربية من الاعتراف بطالبان كحكومة جديدة في أفغانستان دون اتفاق مسبق.
وقال عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي الوزاري إنه من الواضح أنه ستكون هناك قريبا حكومة جديدة فى كابول . وأضاف: "غير أنه من الأهمية بمكان أن تعمل الدول الغربية معا لتوضيح لمن يقود افغانستان، سواء طالبان أو أى شخص آخر، أنها لا يمكن أن تصبح "أرضا خصبة للإرهاب".
كرزاي يعلن عن تشكيل مجلس تنسيق لنقل سلمي للسلطة
قال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي إنه تم تشكيل مجلس تنسيق لنقل سلمي للسلطة بعد فرار الرئيس أشرف غني من البلاد. وقال كرزاي على فيسبوك إنه تم تشكيل مجلس التنسيق للمساعدة في تجنب الفوضى الناجمة عن تقدم طالبان، فضلا عن الحد من معاناة الشعب والتعامل مع قضايا السلام. ويضم المجلس في عضويته كلا من كرزاي، وأمير الحرب السابق قلب الدين حكمتيار، وعبد الله عبد الله رئيس المجلس الاعلى للمصالحة الوطنية.
وقبل دخول قوات طالبان العاصمة، كان الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد قد كتب في تغريدة "الإمارة الإسلامية تطلب من جميع قواتها البقاء على مداخل كابول وعدم محاولة دخول المدينة". وأوضح بعد ذلك أنه يسمح لها بدخول مناطق في العاصمة هجرها الجيش الأفغاني. ووعدت الحركة بعدم الانتقام من أحد، بما في ذلك من العسكريين والموظفين الحكوميين الذين عملوا لحساب الحكومة الحالية.
وأكد وزير الداخلية الأفغاني عبد الستار ميرزا كوال الذي دعا الأفغان إلى "عدم القلق"، أن "انتقالاً سلمياً للسلطة إلى حكومة انتقالية" سيجري.
وأكد المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين لهيئة "بي بي سي" الأحد، أن المتمردين يريدون انتقالاً سلمياً للسلطة "في الأيام المقبلة". وصرّح "نريد حكومة إسلامية جامعة، ما يعني أن جميع الأفغان سيكونون ممثلين في هذه الحكومة".
ودعا حلف شمال الأطلسي الذي يسحب قواته من أفغانستان أيضا إلى "حل سياسي للنزاع الذي بات ملحا أكثر من أي وقت مضى" على ما قال ناطق باسمه.
الغرب يهرع لإجلاء رعاياه
وبحلول المساء، قالت طالبان إنها سيطرت على معظم المناطق المحيطة بضواحي العاصمة. وتحدثت السفارة الأمريكية عن تقارير تفيد بتعرض مطار كابول لإطلاق نار، وهو المطار الذي تدفق إليه دبلوماسيون ومسؤولون وغيرهم من المواطنين الأفغان.
وذكر تحذير أمني من السفارة الأمريكية أن "الوضع الأمني في كابول يتغير بسرعة بما في ذلك عند المطار. هناك تقارير تفيد بأن المطار يتعرض لإطلاق نار ولذلك نحن نأمر المواطنين الأمريكيين بالاختباء في أماكنهم".
وتكدس مئات الأفغان، بعضهم وزراء في الحكومة وموظفون حكوميون ومدنيون آخرون بينهم العديد من النساء والأطفال، في المطار في انتظار يائس لرحلات المغادرة.
وقال مسؤول في المطار، طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، "الوضع في المطار خرج عن السيطرة .. الحكومة (الأفغانية) باعتنا للتو".
وجرى نقل الدبلوماسيين الأمريكيين من سفارتهم باستخدام طائرات هليكوبتر، وذلك في أعقاب اختفاء قوات الأمن الأفغانية التي تلقت تدريبا وعتادا من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى بتكلفة بلغت مليارات الدولارات.
وأعلن وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن بدء إجلاء الدبلوماسيين الأميركيين والأفغان الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة ويخشون على حياتهم.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن رفع إلى خمسة آلاف عدد الجنود الأميركيين في مطار كابول لضمان عملية الإجلاء هذه التي تشمل 30 ألف شخص. وواصلت المروحيات الأميركية كما حصل السبت، رحلات ذهابا وإيابا بين السفارة الأميركية الواقعة في المنطقة الخضراء" المحصنة في وسط العاصمة والمطار الذي بات المخرج الوحيد من البلاد.
وهدد بايدن حركة طالبان برد "سريع وقوي" في حال شنت هجوما يعرض للخطر حياة مواطنين أميركيين.
وأعلنت السلطات الدنماركية والألمانية الأحد أن كل رعاياهما نقلوا إلى مطار كابول فيما أكدت كندا أن كل مواطنيها غادروا البلاد. أما السويد فستجلي موظفي سفارتها قريبا "بما يشمل الموظفين الأفغان المحليين" على ما أوضحت وزيرة الخارجية آن لينده. أما النروج الني تدير ملف أفغانستان في مجلس الأمن مع إستونيا فقد دعت إلى "اجتماع عاجل في أقرب وقت ممكن".
في المقابل أكدت روسيا الأحد أنها لا تعتزم إخلاء سفارتها مشيرةً أيضاً إلى أنها تعمل من أجل عقد اجتماعا طارئ لمجلس الأمن حول أفغانستان.
وقال حلف شمال الأطلسي إنه يساهم في ضمان أمن مطار كابول لتسهيل عمليات الإجلاء.
الناس في كابول بين الخوف والرجاء
وطوال النهار،سادت حالة من الهلع في العاصمة حيث أغلقت المحلات أبوابها وباتت زحمة السير خانقة وشوهد شرطيون يستبدلون بزّاتهم بملابس مدنية. وشهدت غالبية المصارف ازدحاماً، وسط تهافت الناس على سحب أموالهم قبل فوات الأوان. وكانت الشوارع أيضاً مكتظة بالسيارات المحمّلة بالأغراض محاولةً مغادرة المدينة أو اللجوء إلى حيّ يعتبره السكان أكثر أماناً.
ويخشى كثير من الأفغان المعتادين على الحرية التي تمتعوا بها في السنوات العشرين الماضية، وخصوصا النساء، عودة طالبان إلى السلطة. فعندما حكمت البلاد بين 1996 و2001، فرضت طالبان رؤيتها المتطرفة للشريعة الإسلامية. فمنعت النساء من الخروج بدون محرم ومن العمل. كذلك منع تعليم البنات وكانت النساء اللواتي يتّهمن بالزنا يتعرضن للجلد والرجم.
غير أن طالبان الحريصة اليوم على إظهار صورة أكثر اعتدالاً، تعهدت مرارا إذا عادت إلى السلطة احترام حقوق الإنسان، خصوصا حقوق المرأة، بما يتوافق مع "القيم الإسلامية".
لكن في المناطق التي سيطروا عليها في الفترة الأخيرة، اتهم عناصر طالبان بارتكاب الكثير من الفظائع، من قتل مدنيين وقطع رؤوس وخطف مراهقات لتزويجهنّ بالقوة.
ص.ش/أ.ح (أ ف ب، رويترز، د ب أ)