أزمة اللاجئين- لماذا تربح تركيا ويخسر لبنان والأردن؟
١ ديسمبر ٢٠١٥مرة أخرى ينجح الأتراك في تحقيق مكاسب سياسية ومالية في مفاوضاتهم مع الاتحاد الأوروبي. ورقتهم في ذلك ملف اللاجئين الذين أبى سيلهم على دول الاتحادي الأوروبي، وخاصة ألمانيا، أن ينقطع. وبموجب الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تحصل الأخيرة على مساعدات مالية إنسانية فورية بقيمة ثلاثة مليارات يورو وأخرى مستمرة يعاد النظر فيها على ضوء تطور الأوضاع بهدف مساعدة تركيا على تحمل تكاليف اللاجئين، الذين تستضيفهم وتقول إن عددهم ناهز مليونين ونصف المليون نسمة، أغلبيتهم من السوريين والبقية من العراقيين.
كما حصلت تركيا على عدة امتيازات أخرى من بينها تسهيل منح تأشيرات السفر إلى منطقة شينغن للمواطنين الأتراك وإحياء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. كل ذلك مقابل أن تحرس تركيا حدودها وتحول دون تدفق سيل اللاجئين، وغالبيتهم العظمى من السوريين، على أوروبا. الأمر الذي دفع صحيفة زود دويتشه تسايتونغ في عددها الصادر الاثنين (30 نوفمبر/ تشرين الثاني) إلى وصف الاتفاق بـ"تجارة مقايضة". ولكن ماذا عن لبنان والأردن اللذين يأويان ملايين اللاجئين السوريين وما يعنيه ذلك من عبء مالي واجتماعي؟ ألا يستحقان بدورهما مساعدات أوروبية؟
تكتيك تركي من خلال استخدام ورقة اللاجئين؟
الاتفاق الأوروبي-التركي هو ثمرة تكتيك تركي في الضغط بطريقة غير مباشرة على الأوروبيين، على ما يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط الدكتور خطار أبودياب في حوار مع DW عربية. "كان هناك استنتاج أوروبي بأن تركيا بتغاضيها سمحت للمهربين ولمافيا الاتجار بالبشر بتنظيم هذا التدفق الهائل للاجئين نحو أوروبا، إلى درجة أن الاتحاد الأوروبي أصبح بدوره يعاني من أزمة للاجئين. هذا الاتفاق مع تركيا إنما هو محاولة لاحتواء أزمة اللاجئين هذه." وتابع الخبير في شؤون الشرق الأوسط: "هذا الأمر ليس بهذه الوتيرة مع لبنان والأردن بالرغم من أن كلا البلدين يستقبلان أعدادا كبيرة من اللاجئين تمثل نسبة هائلة من ديموغرافيا البلدين الصغيرين."
يبلغ عدد سكان تركيا 75 مليون نسمة، وتستضيف نحو 2.3 مليون لاجئ سوري، أما لبنان، الذي لا يتعدى عدد سكانه 4.4 مليون نسمة، فلديه 1.1 مليون لاجيء سوري، بينما يقول الأردن إن اللاجئين يشكلون 20 بالمائة من سبعة ملايين نسمة هم عدد سكانه. وعند إجراء مقارنة هنا سيتضح أن لبنان والأردن يتحملان العبء الأكبر.
وكانت المملكة الأردنية قد أعلنت مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 أنها تحتاج إلى نحو 8 مليارات دولار للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريين حتى عام 2018، فيما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدة مالية قدرها 28 مليون يورو لمساعدة الأردن، الذي يقول إنه يستضيف 1.4 مليون سوري، على مجابهة مصاريف اللاجئين. أما تركيا فقد حصلت على مساعدة فورية قدرها ثلاثة مليارات يورو. فهل أصبحت المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي تتحدد بمدى القدرة التفاوضية لبلد ما من دول جوار سوريا؟
"الأردن ولبنان لا يملكان أوراق ضغط على أوروبا"
يؤكد خطار أبودياب أن وزن تركيا جعلها في موقف قوي في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، ويقول: " إذا قامت دولة بأعمال تمس الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر - إذ يرجح الكثيرون أن تركيا وراء أزمة اللاجئين - يتم إرضاء هذا البلد ودفع مبالغ مالية له. بينما هناك دول، مثل لبنان، ونظرا لظروفها الاقتصادية والمالية الصعبة بحاجة أكبر للمساعدة، لكن إذا لم يمس ذلك أوروبا، فالأخيرة لا تضعه في مقدمة أولوياتها."
ويرجح أبو دياب أن تكون تركيا قد استخدمت اللاجئين كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي للحصول على أموال وامتيازات. ويقول في حديث لـ DW عربية: "بالرغم من أن أنقرة أخطأت في الكثير من الأمور في سياستها الخارجية إزاء النزاع السوري، إلا أن عدم قبول فكرة إنشاء منطقة الحظر الجوي داخل الأراضي السورية بالقرب من الحدود التركية والتي طالبت بها تركيا من أجل استقبال اللاجئين فيها ... كل ذلك دفع بتركيا إلى القول للعالم: لا تريدون مساعدتي في هذه النقطة بالذات، أنا أيضا لا أساعدكم وأترك اللاجئين يتدفقون على دولكم."
وفي الوقت نفسه يشدد الخبير بشؤون الشرق الأوسط: "لكن لبنان والأردن لا يملكان هذه الأوراق"، لافتا إلى أن الأردن مثلا ليس لديه منافذ على البحر المتوسط لكي يستخدمها اللاجئون من أجل العبور إلى أوروبا، فيما تفرض رقابة أمنية دولية قبالة السواحل اللبنانية ما يصعب من عمل المهربين. ويضيف أبودياب قائلا: "كما أنه ليس لهذين البلدين من حدود مع الاتحاد الأوروبي كما هو الحال بالنسبة لتركيا التي لديها حدود متاخمة لدول جنوب أوروبا: اليونان ودول البلقان. وهذا ما يجعل تركيا بموقعها الجيوسياسي حيوية جدا بالنسبة لأوروبا وليس فقط فيما يتعلق بأزمة اللاجئين."
تفاقم أوضاع اللاجئين وسط تجاهل دولي
في غضون ذلك، تتفاقم أوضاع اللاجئين مع تراجع مساعدات الأمم المتحدة بسبب تراجع التمويل الدولي لبرامجها الإغاثية ومع قدوم فصل الشتاء القارس. وقد كان المدير العام للمالية في لبنان آلان بيفان قد صرح قبل أسابيع عن الصعوبات التي تواجهها بلاد الأرز في احتواء أزمة اللاجئين وتلكؤ المجتمع الدولي في مد يد المساعدة، قائلا: "عندما ينهار اقتصادنا، سيتعين على الأسرة الدولية دفع التكلفة، لكنها ستكون أعلى بكثير."
فيما تبقى أبواب دول الخليج الغنية موصدة أمام اللاجئين، والعديد من الولايات الأمريكية ترفض استقبال لاجئين من سوريا بعد هجمات باريس الأخيرة. ودولتان مثل الأردن ولبنان، وخاصة لبنان، الذي يواجه مشاكل سياسية وطائفية، ينذر الوضع فيه بالانفجار مع انتقال الأزمة السورية إلى داخل أراضيه. فإلى متى سيبقى المجتمع الدولي غير آبه بما يحدث في هذه المنطقة؟ أم سيجد البلدان نفسيهما مجبرين على اتباع "التكتيك التركي" لابتزاز المساعدات الدولية؟