"أحلامي تحولت إلى أنقاض"... عام دراسي آخر في مهب الريح بغزة
٢١ سبتمبر ٢٠٢٤كانت الفتاة الغزاوية لانا هارون من بين أوائل طالبات شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي) في صيف العام الماضي لتتمكن بعد ذلك بفترة قصيرة من الالتحاق بكلية الترجمة بجامعة الأزهر - فرع غزة.
وفي مقابلة مع DW، قالت "لقد حققت حلمي بعد أن حصلت على أعلى الدرجات. كنت فخورة بذلك".
بيد أن آمال لانا وغيرها من طالبات وطلاب غزة، تبددت عقب اندلاع الحرب في القطاع.
فمنذ اندلاع الصراع الحالي، كُتب على لانا وعائلتها النزوح مرات عديدة، في البداية كان النزوح من وسط غزة إلى رفح ثم إلى وسط القطاع . وبنبرة يعتصرها الآسى، قالت لانا "كلية الترجمة باتت أنقاضا الآن وكذلك أحلامي تحولت إلى أنقاض".
وبسبب تفوقها في المرحلة الثانوية، كانت تأمل لانا في الدراسة خارج القطاع في حال ما سُمح لها بالمغادرة. وفرضت إسرائيل ومصر سيطرة مطبقة على القطاع الخاضع لسيطرة حماسمنذ أكثر من 17 عاما، حتى قبل الحرب.
وأضافت "اخترت الدراسة في جامعة هنا للبقاء مع عائلتي لأن الشعور بالأمان والاستقرار كان أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لي للمضي قدما في النجاح الدراسي. لقد انهار الشعور بالأمان".
وقد ألقت الحرب بظلالها على مستقبل الشباب والشابات في القطاع خاصة من هم في المراحل التعليمية، لأن التعليم كان يفتح لهم فرصة مغادرة القطاع في حال الحصول على منحة دراسية. يشار إلى أن قرابة 40 بالمئة من سكان غزة عند سن الرابعة عشر عاما أو أقل. وكان متوسط الأعمار في غزة عام 2020 يقف عند 18 عاما، مما يجعل غزة واحدة من أصغر سكان العالم.
مدارس غزة "شبه مدمرة"
في مطلع سبتمبر/أيلول، بدأ العام الدراسي رسميا، لكن لم ينطبق الأمر على غزة؛ إذ لم يتمكن 45 ألف طفل وطفلة في سن السادسة من بدء الدراسة، بحسب تقديرات اليونيسيف. ومع استمرار الحرب، سوف يضيع العام الدراسي على نحو 625 ألف طالب وطالبة. ويُضاف إلى ذلك أن معظم الأطفال في حالة انشغال لجلب المياه والمساعدات الغذائية وليسوا متفرغين لتعلم القراءة والكتابة.
وأفادت "مجموعة التعليم العالمية" التي تضم منظمات إغاثة تقودها اليونيسيف ومنظمة إنقاذ الطفولة، بأن أكثر من 92.9 بالمئة من المدارس في غزة "تضررت بشكل ما" سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مضيفة أن أكثر من 80 بالمئة من المدارس باتت في حاجة إلى "‘إعادة بنائها" حتى تتمكن من استقبال الطلاب.
يشار إلى أن وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قد حولت معظم المدارس التي تديرها في غزة، إلى ملاجئ لاستيعاب النازحين. وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، في تغريدة نشرها في 11 سبتمبر/أيلول "أصبحت (مدارس غزة) بقعا لليأس والجوع والمرض والموت. كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".
الجدير بالذكر أنه في يوليو/تموز وحده، طالت 21 غارة مدارس الأونروا التي تحولت إلى ملاجئ في غزة، بينما قالت الأونروا في وقت سابق من الشهر الجاري إن ما لا يقل عن 70٪ من المدارس التي تديرها الأونروا - والتي كانت تستخدم معظمها كملاجئ - تعرضت للقصف.
وذكرت إسرائيل أن حماس والمنظمات المسلحة الأخرى تستخدم منشآت مدنية مثل المدارس والمستشفيات لأغراض عسكرية، مضيفة أنها تحاول تجنب إلحاق الضرر بالمدنيين في هذه الأماكن.
وفي بيان اُرسل إلى DW، قال الجيش الإسرائيلي إنه يعمل "على أساس الضرورة العسكرية بشكل حصري مع الالتزام بالقانون الدولي. يجب التأكيد على أن حماس تخفي أصولها العسكرية بشكل غير قانوني داخل المناطق المدنية المكتظة بالسكان أو تدفنها تحتها أو على مقربة منها."
وأضاف البيان بأن "(حماس) تستغل البنية التحتية المدنية بشكل ساخر لأغراض الإرهاب. وقد جرى توثيق بشكل محدد أن حماس تستغل مدارس ومرافق الأونروا لأنشطتها العسكرية"، حسب الجيش الإسرائيلي.
في المقابل، تنفي حماس تمركز مسلحيها داخل المناطق المدنية.
من جانبها أفادت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية في رام الله أنه ما بين 23 أكتوبر/تشرين من العام الماضي ويوليو/تموز من هذا العام ، تضرر ما لا يقل عن 20 حرما جامعيا مع تدمير أكثر من 31 مبنى جامعيا. وتُظهر مقاطع مصورة نشرها جنود إسرائيليون على منصات التواصل الاجتماعي أن بعض المنشآت الجامعية مثل حرم جامعة الأزهر في غزة، جرى استخدامه مؤقتا من قبل الجيش الإسرائيلي.
وقد اتهم خبراء أمميون في مجال التعليم، إسرائيل باستهداف المؤسسات التعليمية عمدا. وقال الخبراء في بيان نُشر في أبريل/نيسان الماضي "ثمة تساؤل معقول حيال ما إذا كان هناك جهد متعمد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل وهو ما يُعرف باسم "تدمير التعليم"".
وأضاف البيان أن الهجمات "تقدم نمطا منهجيا من العنف يهدف إلى تفكيك أساس المجتمع الفلسطيني."
وجاءت الحرب الإسرائيلية ردا على الهجوم الذي قامت به حماس ومنظمات مسلحة على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وأودى بحياة 1200 شخص واحتجاز 250 شخصًا كرهائن، وفق المصادر الإسرائيلية. وأدت العمليات العسكرية في غزة إلى مقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
يشار إلى أن حركة حماس هي جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى أنها منظمة إرهابية.
طلاب غزة.. كيف سيعودون إلى مدارسهم؟
ومع استمرار الحرب، قال خبراء إن معظم شباب غزة سيحتاجون إلى الدعم النفسي والاجتماعي خلال السنوات المقبلة إلى جانب الدعم التعليمي. وأنشأت بعض وكالات الإغاثة برامج لمساعدة أطفال المدارس، لكن الأمر يشتد على طلاب وطالبات الجامعات.
يشار إلى أن بعض جامعات الضفة الغربية المحتلة بدأت منذ الصيف في تقديم فصول دراسية افتراضية للسماح للطلاب في غزة بمواصلة دراستهم بشكل جزئي على أقل تقدير.
وفي ذلك، تطوعت أنديرا عبد الله، المحاضرة في قسم اللغات والترجمة بجامعة بيرزيت، في المشروع حيث قدمت المساعدة التعليمية لطلاب من غزة.
وفي مقابلة مع DW، قالت "هذه المحاضرة التي تمتد لساعة ونصف الساعة قد تكون فرصتهم الوحيدة لمناقشة شيء آخر غير البقاء على قيد الحياة. خلال المحاضرة، نناقش فقط الأمور الخاصة بالتعليم لأني أدرك أنني لا أستطيع فعل أي شيء لمساعدتهم أو تخفيف آلامهم".
وتشرد العديد من الطلاب مرات عدة؛ إذ أدت الحرب إلى نزوح ما لا يقل عن 1.9 مليون شخص من سكان غزة البالغ عددهم قبل الحرب 2.3 مليون نسمة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وبينما تقف وسط الخيام بخان يونس، قالت الطالبة الغزاوية فاطمة عصفور "أعجز عن وصف ما نمر به، لكن من المهم بالنسبة لي أن أتابع درسي" في إشارة إلى الدرس الافتراضي الذي تحصل عليه عندما تنجح في الاتصال بالشبكة العنكبوتية.
وأضافت أنها تأمل عندما تنتهي الحرب "بان تعمل كمصممة أزياء. علينا فقط أن نؤمن بأننا سننجح".
أما الطالب في علوم الحاسوب، عبد الله بركة، فقال إنه من الصعب عليه التركيز، مضيفا "يجب أن أقضي ساعات في اليوم في البحث عن الماء والطعام، لكن قضية البقاء على قيد الحياة هي أيضا أولوية."
وأضاف "في إحدى المرات، كان من المفترض أن اقضي بعض الوقت في الدراسة، لكن صدر أمر بالإخلاء لمنطقة يقطنها بعض من عائلتي وأصدقائي. وكنت قلقا عليهم. ونظرا لانقطاع الإنترنت والاتصالات، ذهبت إليهم. الأمر يتطلب الكثير من الجهد العقلي".
أعده للعربية: محمد فرحان