وجهة نظر: هل تنزلق ألمانيا نحو اليمين؟
٢٤ ديسمبر ٢٠١٩عندما تم إشعال شمعدان حانوكا في عيد الأنوار اليهودي مجددا هذا العام أيضا، بعثت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل برسالة تحية. إنها معجزة أن يوجد من جديد بعد الانكسار الحضاري للمحرقة اليهودية حياة يهودية في ألمانيا. معجزه، كما تفيد ميركل "نحن ممتنين لها بعمق".
بيد أن التحدث مع مواطنين يهود يظهر صورة أخرى: فالناس يتحدثون عن عنف متزايد نحوهم وأنهم لم يعودوا يجرؤون على السير في الشارع بغطاء الرأس اليهودي، الكيباه. ومنذ أكتوبر ينشر الاغتيال الذي نفذه رجل شاب في مدينة هاله الاشمئزاز لهذه الفعلة، بعد قتل المهاجم لشخصين، فيما كان يريد مهاجمة كنيس مكتظ لتنفيذ مذبحة جماعية.
الحادثة الدموية في هاله
بعد مثل هذه الحوادث التي حصلت في هاله كان الرعب كبيرا، ويؤكد سياسيون بأن هذا الامر لا يجب أن يتكرر أبدا. وردود فعل الناس من اليهود تشير إلى أنهم توقعوا هذا الامر في السابق ولم تعد مثل هذه الحوادث تدهشهم. فهل تنزلق ألمانيا نحو اليمين؟
بدون شك هي تسير في هذا الاتجاه. فالأمل في أن يردع التوجه الشعبوي للمتطرفين من "حزب البديل من أجل ألمانيا" الناخبين تلاشى عبر جميع الانتخابات البرلمانية خلال هذا العام. وطالما تحدث خبراء بأنه يوجد دوما ومنذ سنوات طويلة في ألمانيا حوالي 15 إلى 20 في المائة من المواطنين الذين يحبذون الفكر اليميني المتطرف. والمحظور الاجتماعي بأنه لا يمكن التعبير عن ذلك علنا سقط منذ مدة. إنها في الغالب أخبار صغيرة التي تبين هذا التحول: الآباء في إحدى المدارس في ساكسونيا يعارضون أن يزور أطفالهم معسكر الاعتقال السابق في بوخيننفالد أو أن يقرأ أبنائهم "يوميات أنه فرانك" في دروسهم.
الشعبويون اليمينيون أقوى في الجوار
من جهة أخرى فإن مجريات الأحداث في ألمانيا ما تزال جيدة نسبيا مقارنة بدول أخرى مثل إيطاليا، فهناك مثلا نجح شعبوي يميني حتى ولو كان ذلك مؤقتا في الوصول إلى منصب وزير الداخلية، وفي النمسا شارك شعبويون يمينيون قبل مدة قصيرة في الحكم.
وفي الجوهر يتعلق الأمر بأزمة شرعية عميقة للديمقراطيات الغربية. وفي الوتيرة السريعة للعولمة يفقد الناس التماسك والنظرة العامة ويفرون في أحلام عالم متحكم فيه ومحدود وطنيا. وهذا لم يوجد أبدا في السابق في هذا الشكل، لكنه يبدو جذابا.
وبالفعل لم يعد الديمقراطيون ينجحون في مواكبة التطور. وعمليات اتخاذ القرار لديهم تبقى بطيئة والناس ينتظرون بلا نتيجة إصلاحات حقيقية في عالم العمل والرعاية الاجتماعية والصحية. وعجز الكثير من الناس يصبح أقوى، لأن غالبية في المجتمع تساهم في عالم جديد من الإمكانيات الرقمية غير المحدودة والتواصل السريع بين جميع القارات. وهذا يؤدي إلى انقسام في المجتمع: إلى شريحة عليا وأخرى متدنية وإلى فقير وغني وإلى رقمي وتناظري ولاسيما الفارق بين المدينة والقرية.
لاجئون كمسبب لأزمة شرعية
كان المسبب الرئيسي لهذا التطور العدد المرتفع للاجئين الذين قدموا في 2015 إلى ألمانيا. لكن الاستياء من المهاجرين توسع منذ مدة ليشمل أجانب يعيشون منذ مدة طويلة هنا وأشخاصا من الذين يدينون بالمعتقد اليهودي. وكما هو الحال مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية يوجد في ألمانيا أيضا صراع الثقافات للمهمشين ضد النظام القائم. وينتمي ساسة الأحزاب القديمة ووسائل الإعلام والأقليات من مختلف الشرائح وكذلك اليهود إلى هذا الامر. والحوار بين هذه المجموعات قلما يحصل.
وعلى الساحة السياسية سيكون حاسما ما إذا كان سينجح الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاجتماعي المسيحي في معارضة حصول تحالفات ممكنة مع حزب البديل من أجل ألمانيا أم لا . وفي ولاية ساكسونيا أنهالت يكافح الحزب المسيحي الديمقراطي حاليا ضد توجه عدد متزايد من الأعضاء من القاعدة الحزبية الذين يتصورون حصول هذا النوع من التحالفات. لكن الشعبويين اليمينيين بدعم من النازيين في صفوفهم لا يحق لهم أن يتحملوا المسؤولية في ألمانيا!
ألمانيا الأخرى يجب أن ترفع صوتها
والغالبية التي تؤيد مجتمعا منفتحا يجب أن تكون كلمتها أقوى ومسموعة أكثر من الماضي ومستعدة للكفاح من أجل الديمقراطية. فالقوانين والدساتير وكذلك النظم في الديمقراطيات لا تعمل إلا إذا حافظ عليها المجتمع.
فهل تنزلق ألمانيا نحو اليمين؟ جزء يفعل ذلك قطعا. وهذا له انعكاسات على السياسة: وضع مثل الذي عايشناه في خريف 2015 حين رحب الكثير من الناس باللاجئين يبدو اليوم صعب التصور. لكن ألمانيا الأخرى توجد أيضا ـ ولا يجب عليها إلا أن ترفع صوتها لتقول ما تريد.
ينس توراو
LINK: