وجهة نظر: لا يمكن للأنظمة القمعية أن تكون شريكاً لأوروبا
يستحق رائف بدوي وبجدارة هذه الجائزة! لأن المدون السعودي البالغ من العمر 31 عاما، يجسد المُثل والدواعي التي يمنح البرلمان الأوروبي على أساسها جائزة سخاروف. وهو ما يدعم نشطاء يناضلون من أجل حقوق الإنسان وحرية الرأي رغم المقاومة العنيفة التي يواجهونها وما يترتب على ذلك من مخاطر شخصية.
يجسد بدوي هذه الشجاعة، فمشواره الشخصي يدل لوحده على ذلك، فهو يقبع في السجن منذ ثلاث سنوات لانتقاده النظام القائم في العربية السعودية وتأويله الرجعي للإسلام، وهو مهدد بتنفيذ عقوبة ألف جلدة، خمسون منها تم تنفيذها، فيما تخشى أسرته استئناف جلسات الجلد من جديد.
رسالة واضحة للغرب
بمنحه الجائزة لبدوي يكون البرلمان الأوروبي قد بعث برسالة واضحة للدول الأوروبية والغربية وكذلك لرؤساء الحكومات مفادها أن: الأنظمة القمعية لا يمكن أن تستحق دعمنا! حتى لو كانت أنظمة كالعربية السعودية التي ينظر إليها تقليديا كـ"شريك" أو حتى "كضامن للاستقرار" في منطقتها. ومن الأكيد أنه لا يمكن تصور سلام في سوريا أو في اليمن دون دور للسعودية. إلا أن نفس الأمر ينطبق على إيران أيضا، الخصم اللدود للسعودية في المنطقة، إيران التي لم تتمكن بعد من الوصول لمكانة "الشريك" للغرب رغم الاتفاق النووي.
إن العربية السعودية يمكن أن تصبح بوضعها الحالي، بدورها، على المدى المتوسط عاملا لعدم الاستقرار، إذا افتقدت الشجاعة الضرورية لمباشرة الإصلاحات السياسية والاقتصادية، شجاعة لم يبرهن عليها الملك سلمان لحد الآن. ويبدو أنه يفتقد الإرادة وربما حتى السلطة لتحقيق ذلك. إن تأثير الإسلام الوهابي المتطرف متجذر في النظام السياسي السعودي، وهو ما لا يسمح بحرية الرأي أو الحريات الشخصية أو حقوق الإنسان. كما أن النظام القضائي السعودي مشابه إلى حد بعيد لما يتبناه ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو تنظيم تخشاه السعودية أكثر مما تخشى رائف بدوي. في السعودية يخيم جمود فكري مخيف يسوده قمع مطلق.
عزلة في العالم العربي
من الحقائق المرة والمؤسفة، أن أصواتا كصوت رائف بدوي في العربية السعودية وفي المنطقة كلها لا تمثل الأغلبية. القمع السياسي والكراهية الدينية والمنافسة الجيو ـ سياسية، كما الضائقة الاقتصادية أحيانا كلها عوامل لها اليد العليا في تحديد أجندة المنطقة. لم يبق من "الربيع العربي" والحلم بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية الكثير. وفي بيئة كهذه، يتم سحب المصداقية من الأصوات الشجاعة كرائف بدوي، التي يُنظر إليها كـ"رموز" للغرب.
ومع ذلك، فإن الأمر يتعلق برسالة مهمة اتجاه العالم العربي، حينما تدعم أوروبا ناشطي الديمقراطية هناك، ذلك أن أفكارهم وشجاعتهم هي الأمل الوحيد لأن يخرج الشرق الأوسط يوماً ما من دائرة العنف والكراهية وضيق الأفق الثقافي. لإن هؤلاء الناشطين دليل على أن الديمقراطية والتسامح ليست قيماً "غربية" أو حتى "مسيحية" وإنما هي تتوافق أيضاً مع الإسلام.