"الاتفاق مع تركيا خطير وغير شرعي وغير إنساني"
الاتفاق مع أنقرة هو نوع من النجاح السياسي بالنسبة للمستشارة الألمانية. فقد انتزعتمساحات للتحرك داخل الساحة السياسية الداخلية، وفي نفس الوقت وحدت الإتحاد الأوروبي. أسهممؤيدي سياستها ارتفعت سلفا وبات بإمكانها صد هجوم معسكر اليمين بحجة أن موجة تدفق اللاجئين تمّ إيقافها بشكل فعلي. فضلا عن ذلك، سوف تعود إلى صورتها القوية داخل الإتحاد الأوروبي لكونها أثبتت قدرتها على توحيد الاتحاد.
ثمن باهض
لكن ما هو الثمن الذي ستدفعه أوروبا من أجل الاتجار بحياة الناس؟ مسؤولية حماية غالبية اللاجئين من الشرق الأوسط أوكلت ببساطة إلى تركيا، في أسوء أنواع "التصدير" السياسي. على الورق، سيلتزم الرئيس التركي طيب رجب أردوغان بتحمل مسؤولياته الدولية وباحترام حقوق اللاجئين وفق مقتضيات معاهدة جنيف. ولكن منذ متى يفي مستبد أنقرة بوعوده؟
في المقابل، فقدَ الإتحاد الأوروبي أي رادع سياسي يمكن استخدامه ضد أردوغان، في حال ما بدأ الأخير بترحيل اللاجئين إلى سوريا أو العراق، حتى وإن تمّ تحريم ذلك بشكل واضح في نص الاتفاق. والشيء ذاته، إذا ما أطلق (أردوغان) اللاجئين على شوارع إزمير أو إسطنبول للتسول وتركهم عرضة للجوع.
وفور إلغاء محتمل للتأشيرات بالنسبة للأتراك، المطلب الذي ألحت عليه الحكومة التركية بقوة، سيكتفي الأوروبيون بدور المتفرج أمام هذه المأساة.
بداية لواقعية سياسية مريرة؟
سيكون بإمكان الأوروبيين انتقاد الحكومة التركية والتذكير ببنود الاتفاق المبرم، لكن السلطان التركي قد يتجاهل ذلك بابتسامة، تماما كما قام في السابق بضرب جميع التحذيرات عرض الحائط حول ضرورة احترام حرية الصحافة وحقوق المعارضة أو استئناف محادثات السلام مع الأكراد.
سلمت أوروبا مسؤولية احترام الحقوق الأساسية للاجئين إلى تركيا. وهذا سينال من مصداقيتها ومن سمعتها على الصعيد الدولي. كيف يمكن لأوروبا مستقبلا تذكير المستبدين والدكتاتوريين في هذا العالم بضرورة احترام حقوق الإنسان وبالقيم الديمقراطية، إذا ما كانت هي نفسها تعكس صورة مثيرة للشفقة وللانتقاد؟!
الإتحاد الأوروبي سيفقد اثنين من أغلى ميزاته السياسية: قوته الناعمة ومصداقيته. والسبب في هذا المصير الخائب، قلة الحيلة وعدم القدرة على تجاوز الأنانية القومية والخوف من الحركات اليمينية الشعبوية. وإذا كانت أسس الواقعية السياسية الجديدة وبموجب الضرورة لا تخجل من التعاقد مع الشيطان، فإنها بذلك تجسد خطوة قد تقضي على ما يمكنها حصده.
مهمة ناجحة؟
عبر هذا الاتفاق انتزع الرئيس أردوغان اعترافا سياسيا لتوجهه المعارض للديمقراطية. إنه يمضي في قيادة بلاده بعيدا عن أوروبا، ورغم ذلك حظي بامتيازات نحو انضمام بلاده إلى التكتل الأوروبي، فيما لم يعد بالإمكان وقف مسيرة تقهقره نحو ديكتاتور شامل، على الأقل من قبل الإتحاد الأوروبي.
تحولت أوروبا بالنسبة لعدد كبير من اللاجئين إلى حصن منيع لا يمكن بلوغه. البعض سيقول إن قادة دول الإتحاد الأوروبي أكملوا مهمتهم بنجاح، فيما سيشكو البعض الآخر من فقدان الإنسانية والعبث بالحقوق الأساسية. وبغض النظر عن المشاكل التي ستطرح على مستوى آليات تطبيق الاتفاق أو مدى قانونيتها، ستبقى صور اللاجئين السوريين العالقين على الحدود اليونانية، أو العراقيين والأفغان الذين لا يجدون من يستجيب لطلبهم بالحماية، عالقة في الأذهان.
انتقادات المنظمات الإنسانية ستبقى أيضا حاضرة، مفادها أن هذا الاتفاق خطير غير شرعي وغير إنساني.