واقع العنصرية في رياضة التسلق.. كيف يبدو المشهد عن قرب؟
٩ يوليو ٢٠٢٠"آمل أن تختفي العنصرية من حياتنا يوما ماً، كانت موجودة ولا تزال كذلك اليوم"، بهذه العبارات بدأت متسلقة الجبال من أصول إفريقية، ميغان مارتن حديثها عن موضوع العنصرية والجدل القائمحوله. وقالت الأمريكية البالغة من العمر 30 عاماً خلال حديثها لـ DW بأن العنصرية "أمر قد لا يواجهه معظم الناس ولكن عدم التعرض له بشكل مباشر، لا يعني أن العنصرية غير موجودة. بالنسبة لي كمتسلقة جبال ببشرة سوداء كنت واعية دوماً بوجود العنصرية. لكن بدل الاستسلام لذلك، قررت أن أصبح أقوى".
ميغان مارتن متسلقة جبال محترفة وتنافس في منافسات كأس العالم للولايات المتحدة الأمريكية. اكتسبت شهرة واسعة في أمريكا من خلال البرنامج التلفزيوني "American Ninja Warrior"، حيث أثارت ضجة كبيرة بمهارتها في رياضة الباركور أو التسلق. وأصبحت من الناشطات في حملة Black Lives Matter وهي حركة مناهضة للعنف ضد السود، وتقول مارتن: "أعتقد أنه بات بإمكاننا ملاحظة تأثير الاعتراف بوجود العنصرية على رياضة التسلق. فقد حوّلت الشركات الراعية لرياضات الهواء الطلق تركيزها الآن على مجالات فشلت فيها في ضم اللاعبين من أصول إفريقية...وهذا ينطبق أيضاً على العديد من الرياضات" الأخرى.
لا يزال تمثيل الأشخاص من أصول إفريقية ضعيفا في الرياضات الجبلية. ففي عام 2019، أظهرت دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية بأن الأمريكيين من أصول إفريقية يشكلون واحد بالمائة فقط من مجموع زوار المتنزهات الوطنية هناك، والبالغ عددهم نحو 13 بالمائة من إجمالي سكان أمريكا. ووصف الصحفي والمؤلف من أصل إفريقي، جيمس إدوارد ميلز هذه الظاهرة بـ"الفجوة"، كما قال في تصريح سابق لمجلة "ناشيونال جيوغرافيك" إنها "ليست قضية ما إذا كان بإمكان الأمريكيين الأفارقة تسلق الجبال العالية أم لا، ما يهم هو أننا كمجموعة لا نميل إلى القيام بذلك، ولأسباب متنوعة منها اجتماعية وثقافية، فتسلق الجبال يعد تقريبا حكراً على الرجال البيض". وبالفعل عدد المتسلقين من أصول إفريقية، لا يزال يعد على الأصابع، ليس فقط في رياضة تسلق الجدران، ولكن أيضاً في الرحلات الاستكشافية إلى الجبال العالية في العالم.
نكات وتعليقات عنصرية
من جهتها ترى الموهبة البريطانية الواعدة في تسلق الجبال مولي تومبسون البالغة من العمر 22 عاماً، أن"غياب العلاقة" لدى البعض بهذه الرياضة قد يكون سبباً لعدم الاهتمام بهذا النوع من الرياضة. ناهيك على أن رياضة التسلق هي "رياضة مكلفة جداّ"، فالمعدات الجيّدة ورحلة السفر إلى المسارات والمسابقات تتطلب الكثير من المال، وهذا ما "يشكل عائقا أمام الرياضيين من الطبقة الاجتماعية البسيطة"، تقول الشابة الفائزة بالعديد من الألقاب العالمية في رياضة التسلق.
ولحسن حظها، "نادراً ما واجهت مواقف عنصرية" تقول تومبسون سميث لـ DW.
ورغم جذورها الكاريبية، إلا أن لون بشرتها فاتح وشعرها المجعد يمنحها ملامح إفريقية، تتابع قائلة: "نكات الأصدقاء حول لون بشرتي أو عبارات "الإعجاب" بشعري والرغبة في لمسه، أمور كانت تبدو لي طبيعية في الطفولة. ولم أشارك الآخرين من قبل وقع هذه الكلمات أو أثرها على نفسيتي. قد لم يكن القصد منها الإساءة لي، غير أني لن أقبل بهذه التعليقات بعد الآن".
مولي تومبسون هي الأخرى تنشط في حملة Black Lives Matter. "الفترة الأخيرة جعلتني مرهقة نفسيا، لكنها منحتني التفائل أيضاً...أعترف أنه كان بإمكاني أن أخبر الناس بأن نكاتهم أو ملاحظاتهم حول الأشخاص من أصول إفريقية، غير ملائمة". واليوم سوف "أعمل أكثر من أجل المزيد من التنوع في مشهد رياضة التسلق حيث يتم الترحيب بالناس من جميع الأصول".
أسماء عنصرية لمسارات التسلق
في الأسبوع الماضي، قدم رئيس تحرير مجلة Rock and Ice الأمريكية، دوان راليغ، استقالته بشكل لافت وأوضح البالغ من العمر 60 عاماً سبب إقدامه على هذه الخطوة "كنّا شباباً، وتمكننا من التسلق والمجازفة لأننا كنّا نتمتع بحريات لم تكن تمتلكها أمريكا غير البيضاء. كنّا جزءًا من ثقافة، آسف عليها الآن". وأضاف: "امتياز البيض عزز وجود مبدأ "الأخوة" فيما بيننا، وجعلنا نتصرف بطلاقة وبدون تحمل أي نتائج. لا تزال هيمنة الذكور والبيض قائمة في جميع أنحاء العالم". كما اعتذر راليغ عن إطلاقه تسمية عنصرية على أحد مسارات التسلق خلال مشواره الرياضي.
الأسماء العنصرية التي تطلق على مسارات التسلق وبفضل حملة Black Lives Matter ، باتت محط نقاش خاصة وأنه يتم اختيارها من قبل الشخص الذي يجتاز المسار لأول مرة، وأحيانا ما تؤخذ هذه الأسماء من النكات والكلمات النابية. ويدعو المتسلقون الأمريكيون الآن إلى مقاطعة مسار يطلق عليه "N * Wall" في أوينز ريفر جورج في كاليفورنيا حتى يتم استبداله باسم آخر. كما توجد على بوابة التسلق الإلكترونية "mountainproject.com" ، قائمة تضم ألفي مسار يحمل كل منها أسماء ذات طابع عنصري.
في ألمانيا أيضاً تحمل بعض مسارات التسلق أسماء عنصرية أو كلمات نابية كما يظهر مسارThe N * with the crack ass" في Frankenjura، وهي منطقة شعبية لتسلق الصخور بين نورمبرغ وبامبرغ وبايرويت. وفي ردًّ لها على استفسار من DW أشارت جمعية جبال الألب الألمانية DAV إلى أن من أبرز مهامها "الدفاع عن المساواة والتنوع على جميع المستويات". ورغم ذلك يبقى "نطاق العمل في هذه الحالة محدود"، يقول شتيفن رايش، رئيس قسم الحفاظ على الطبيعة ورسم الخرائط، موضحاً أن "تحديد أسماء المسارات لا يتم من قبلنا، ولكن من قبل المتسلقين. ثانيا لا نمتلك قاعدة بيانات تضم أسماء المسارات العنصرية، كي نتمكن من تغييرها". وتبقى الطريقة الوحيدة هي "العمل بالتنسيق مع المؤلفين والناشرين وكذلك المتسلقين لضمان تغيير الأسماء العنصرية أو حذفها"، حسب المتحدث.
كلمات ميغان مارتن بخصوص الجدل الحالي حول العنصرية، قد تترك أثرا في رياضة التسلق ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا. "لقد ولدت من أجل هذا المسار. هذه هي الحياة التي اخترتها. وأنا فخورة بأن أكون امرأة سوداء تمارس رياضة التسلق". وتأمل المتسلقة الأمريكية في أن يأخذ زملاؤها المتسلقون "لحظة من وقتهم لرؤية العالم من خلاله نظرتها ورؤية الاختلافات الموجودة".
شتيفان نستلر/ إ.م