هل أصبحت بيلاروسيا الطريق الجديد لعبور اللاجئين إلى أوروبا؟
٣٠ يوليو ٢٠٢١يتلمس يوستاس بحذر جذوع الأشجار، حاملا بيده مصباحا وهو يتجول في الغابة، فمنذ ساعات يقوم الشاب يوستاس (22 عاما) بدورية مع زميله في حرس الحدود، ويقول "قبل ثلاثة أيام تم قطع أسلاك السياج الحدودي هنا" ويضيف بأن من السهل عبور الحدود. أرادت دورية حرس الحدود المرور من هذه المنطقة والتوقف فيها قليلا، لكن لدى سماع حفيف الأشجار توقفت الدورية ونزل يوستاس من السيارة ليتفقد المنطقة بدقة، من دون أن يجد أحدا أو شيئا غير عادي.
هدوء مطبق على الحدود
يبلغ طول الحدود بين ليتوانيا وجارتها بيلاروسيا 680 كيلومترا. في بعض الأجزاء من الحدود يفصل بين البلدين سياج خشبي منخفض أو خندق مائي غير عميق، وبالتالي فإن عبور الحدود سهل جدا. حتى الآن لم يشكل الأمر أي مشكلة بالنسبة إلى ليتوانيا، ففي عام 2020 عبر فقط 79 شخصا الحدود، وأغلبهم كانوا من معارضي رئيس بيلاروسيا فيكتور لوكاشينكو.
لكن في هذا العام 2021، عبر الحدود من بيلاروسيا إلى ليتوانيا حتى الآن 2500 مهاجر من سوريا وأفغانستان والعراق وأفريقيا، وأغلب هؤلاء جاؤوا خلال الشهرين الأخيرين.
وقبل يوم من دورية يوستاس وزملائه، قبض حرس الحدود الليتواني على 6 مهاجرين في هذا الجزء من الحدود. وأظهرت كاميرات المراقبة كيف يساعد المهاجرون بعضهم للقفز فوق السياج الحدودي وأخذ قسط من الراحة بعد ذلك. وعلى الطرف الآخر من الحدود تظهر الكاميرات رجلا يبدو أنه بيلاروسي من موظفي الحدود، لوح للمهاجرين حين اقتربت دورية ليتوانية منهم. "في الماضي كان تعاوننا جيدا مع حرس الحدود في بيلاروسيا، لكنهم الآن يتجاهلوننا. وفي حين كانت دورياتنا تتبادل المعلومات مع بعضها سابقا، يسود الآن الصمت بيننا"، يقول يوستاس.
هل ينتقم لوكاشينكو من الاتحاد الأوروبي؟
الحكومة الليتوانية تحمل بيلاروسيا ورئيسها لوكاشينكو، مسؤولية هذا الارتفاع الكبير في عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون الحدود بين البلدين. وترى أن لوكاشينكو يريد من خلال ذلك الانتقام من العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبيعلى نظامه.
ويقول نائب وزير الخارجية الليتواني، مانتاس أدوميناس، لـ DW "هناك شهود عيان يؤكدون أن رجالا بالزي الرسمي يقومون بأخذ جوازات سفر المهاجرين منهم ومحو كل البيانات من هواتفهم المحمولة قبل أن يقودوهم إلى الحدود". ويضيف أدوميناس بأن بلاده تستطيع استيعاب 5 آلاف لاجئ فقط، ويتابع "بالطبع لا نريد السماح لهم بمتابعة رحلتهم إلى غربي أوروبا، وهدف أغلبهم هو ألمانيا. لكن إذا استمر ازدياد عددهم، فلن تكون لدينا الإمكانية لاستيعابهم، وبالتالي سنسمح لهم بالسفر". إنه تحذير واضح من المسؤول الليتواني للاتحاد الأوروبي.
تنامي معاداة الأجانب
مع ازدياد عدد اللاجئين، تزداد الانتقادات والنبرة المعادية للأجانب وسط الرأي العام في ليتوانيا. هذا ما لاحظته ليفا تشيتشاليت، مديرة مشروع لمنظمة كاريتاس الخيرية التي تساعد المهاجرين واللاجئين منذ خمس سنوات في المنطقة الحدودية، وتقول "يعتقد السكان أن إرهابيين يأتون إلينا".
لكن لماذا يأتي مهاجرون من العراق وأفغانستان والكونغو إلى ليتوانيا؟ هذا ما لا يستوعبه يوستاس وزميله في حرس الحدود فيتاوتاس! وما لا يستطيعون استيعابه أبدا، هو كيف يقوم هؤلاء بمثل هذه الرحلة الخطيرة مع أطفالهم؟! "يقولون (المهاجرون) إنهم يبحثون عن حياة أفضل. لكنهم في الحقيقة يريدون المال فقط" يقول فيتاوتاس (29 عاما) الذي يعمل منذ 6 سنوات لدى حرس الحدود، لـ DW مؤكدا أن هذا رأيه الشخصي. علما أن كثيرين من اللاجئين دفعوا مبالغ كبيرة للمهربين حتى يصلوا إلى الحدود الليتوانية.
وتحمّل موظفة كاريتاس، ليفا تشيتشاليت، الساسة أيضا مسؤولية تنامي معاداة الأجانب في ليتونيا، وتقول "إنهم يتناولون القضية ويقدمونها للناس بشكل سلبي فقط" وتضيف بأن سكان إحدى المناطق الحدودية قد تظاهروا مؤخرا ضد بناء مأوى للاجئين في منطقتهم.
البحث عن حياة أفضل
في بلدة روكلا الحدودية الصغيرة على ضفة نهر نيريس، هناك ومنذ مدة طويلة مركز لاستقبال وإيواء اللاجئين الذين يعبرون الحدود. يبدو المركز من الخارج كئيبا، فقط بضعة أطفال يلعبون خلف البوابة. يقول لاجئ عراقي لـ DW سافر مع ابنه، إنه دفع 1200 دولار ثمن تذكرة الطائرة والإقامة في فندق في عاصمة بيلاروسيا منسك، ومن هناك سافر إلى الحدود الليتوانية، وهو عالق الآن هنا في هذا المركز. و
يقول لاجئ عراقي آخر إنه عبر الحدود ليلا مع مجموعة كبيرة نسبيا من المهاجرين. وقال العراقيان إن رجالا من بيلاروسيا قادوهم إلى الحدود وقالوا لهم "ها هي ليتوانيا اركضوا بسرعة". لم يكونوا مرتدين زيا رسميا، بل كانوا "يرتدون لباسا مدنيا. لم أستطع التعرف على وجههم" يضيف أحد اللاجئين.
بعد 12 ساعة، انتهت دورية حرس الحدود الليتواني. ويختم يوستاس بنبرة حازمة حديثه مع موفدة DW إلى منطقة الحدود الليتوانية البيلاروسية "نحن هنا لنحمي الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي".
ألكسندرا فون نامين/ ع.ج